هزيمة السنّة: مناكفات ميقاتي الحريري أودت بماكرون لتسمية أديب 

منير الربيع

ربما هي المرة الأولى التي تختار فيها باريس رئيساً للحكومة اللبنانية بهذا الشكل المباشر والفظّ. كتبت فرنسا اسم رئيس الحكومة المكلف، بحروف تغيير اتفاق الطائف والدستور، وافتتاح مرحلة الدخول إلى ميثاق جديد.

الرابحون والخاسرون
“تجديد” للنظام طرحه ميشال عون وحسن نصر الله، بعد الدعوة الفرنسية إلى تطوير النظام. ربح عون الدعاية ورئيساً مكلفاً ضعيف الشخصية، تسهل السيطرة عليه. كما ربح تحسيناً للصورة عبر الدعوة إلى الدولة المدنية، ليبدو وكأنه يقابل الطرح الفرنسي بإيجابية، وان “العهد” سيشهد تطوير النظام.
حزب الله أيضاً يربح اعترافاً فرنسياً بوجوده في الحكومة، والإتيان برئيس قريب منه ومن حركة أمل خصوصاً. وسيسعى الحزب إلى تعزيز دوره في التركيبة وفي المعادلة. كما سيحاول عون أن يفعل، بالارتكاز إلى علاقته مع الحزب من جهة، والفرنسيين من جهة أخرى، والسيطرة على موقع رئاسة الحكومة تماماً.
وحدهم الخاسرون في هذه المعادلة، هم السنّة. تمتد خساراتهم في المنطقة كلها، من سوريا إلى العراق فاليمن فلبنان. حتى دورهم وتأثيرهم في المعادلة العربية يغيبان ويضمحلان. فتكون النتيجة أوضح في لبنان. خسر السنّة ما تبقى لديهم من أوراق. انتهكوا أنفسهم وحقوقهم بسبب نكاياتهم ومناكفاتهم. خسروا ما كان بإمكانهم فرضه. أهدروا فرصتهم الأخيرة. قضوا على اتفاق الطائف ومنحوا عون وباسيل تسجيل انتصارين. الانتصار الأول، تحقيق شرط جبران باسيل بعدم مجيء الحريري رئيساً للحكومة من دونه. والانتصار الثاني، أن يملي عون من يريده رئيساً لمجلس الوزراء، ما يكرس ضرب الطائف تماماً.

نكايات ومكائد
ما كادت تمر ساعات قليلة على موقف أمين عام حزب الله حسن نصر الله حول الاستعداد للذهاب إلى عقد سياسي جديد، أي الاطاحة باتفاق الطائف، بعدها بساعات أطلق عون موقفاً مماثلاً لموقف نصر الله. أكمل ما تبقى من رؤساء سابقين للحكومة المهمة بضرب الطائف، وإحراق ما كان بين أيديهم من أوراق. كان لديهم حكم المحكمة الدولية، الضغط الدولي، أحداث خلدة، العقوبات، النقمة الشعبية، الانهيار الاقتصادي.. فرّطوا بها كلها وفضلوا الاستسلام لنكاياتهم ومكائدهم التي وقعوا فيها.

حكاية مصطفى أديب قديمة، وهو النسخة المنقّحة عن ما كان يدور في الكواليس بين رؤساء الحكومة وصراعاتهم. منذ فترة طويلة طرح برنار إيميه المسؤول في المخابرات الفرنسية، والعالِم كثيراً بشؤون لبنان، اسم نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة، في محاولة لتكرار تجربة العام 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. فكان الميقاتي مخرجاً في حكومة انتقالية. سمع الحريري بالأمر، فعمل على قطع الطريق على هذه المحاولة.

دور طه ميقاتي
أجرى الميقاتي اتصالات عديدة لاستمزاج الآراء، واتخاذ القرار المناسب. لم يحظ بأجوبة وافية وملائمة. دارت الأيام والدوائر، وطُرحت أسماء كثيرة بهدف الإحراق. كان سعد الحريري لا يريد لغيره أن يأتي إلى السرايا. رفض اختيار أي شخص محسوب عليه. أُشعلت المحرقة وأراد الحريري بها الرد على ميقاتي بتسمية رشيد درباس وريا الحسن، وتسريب كل هذه الأسماء بشكل غير جدي، بفعل النكاية بميقاتي، وللقول إن الحريري هو من ينتقي المرشح من طرابلس. وفي هذا الوقت كان ميقاتي يحيك بهدوء. فشقيقه طه موجود في باريس، وعلى تواصل دائم مع الفرنسيين.

هكذا جاءت اتصالات دفعت إلى طرح اسم مصطفى أديب. ضرب ميقاتي ضربته الذكية. رد كيد الرؤساء في نحورهم. أديب سفير في ألمانيا، متزوج من فرنسية. يعمل للفرنسيين أكثر مما يعمل للبنان في برلين. علاقته جيدة بالثنائي الشيعي، وتحسنت علاقته بجبران باسيل عندما كان الأخير وزيراً للخارجية. مرر الفرنسيون الاسم الذي يريدونه. نجح طه ميقاتي بالمهمة. اتصل ماكرون برئيس الجمهورية ميشال عون وسعد الحريري يوم السبت. أبلغهم بأن الاسم الذي يجب اختياره هو مصطفى أديب. التزم الجميع. أُبلغ أديب بالأمر، واستدعي إلى لبنان على عجل حيث التقى الحريري وميقاتي ونبيه بري. كذلك اتصل ماكرون بوليد جنبلاط وطلب منه التصويت لمصطفى أديب.

استمراراً لتسوية 2016
إذاً، ضُرب السنّة من بيت أبيهم. أُملِيَ عليهم اسم الرئيس المكلف. حاولوا الحفاظ على ماء وجههم، فأخطأوا الحساب والاحتساب. سلموا بكل أوراقهم لعون، بفعل التأثير الفرنسي. فتنازلوا عن كل ما تبقى لديهم. سلّموا واستسلموا. فما عاد لبقاء اجتماعاتهم أي مبرر. استعراض ماكرون وسياسته العميقة، تحتم الذهاب إلى مثل هذه الخيارات، وتؤكد أن الدفع الفرنسي القديم للتسوية الرئاسية عام 2016 كانت تهدف للوصول إلى ما وصل إليه لبنان حالياً. يعمل ماكرون على رعاية الخراب اللبناني والتأسيس لمرحلة جديدة، ستكون محفوفة بالمزيد من الانهيار والتشرذم.

 

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى