الغاز الإسرائيلي

شادي لويس

بالتوازي مع وصف الرئيس المصري ما يحدث في غزة بالإبادة لأول مرة، يعلن وزير الطاقة الإسرائيلي عن صفقة تاريخية مع مصر بقيمة 35 مليار دولار، بموجبها يتم زيادة كمية الغاز المورد لها من إسرائيل بـ130 مليار متر مكعب إضافي، وتمديد الاتفاق الأصلي بين البلدين حتى العام 2040.

ثمة أسطورة رأسمالية تسربت إلى نظريات العلوم السياسية من الاقتصاد الكلاسيكي، مفادها أن للتجارة أثراً ملطفاً على العلاقات الدولية. كما أن للسوق تأثيراً إيجابياً على تطوير أشكال للحكم أكثر ديمقراطية في بلد ما. هكذا، تقود المنفعة المشتركة في النهاية إلى تنحية الخلافات الدولية، والسعي الجماعي للربح في سوق مفتوح يقود إلى تأسيس نظام قانوني وسياسي محايد، يتعامل مع الجميع على قدم المساواة. تلك الأسطورة التي تساوي ما بين الديمقراطية والسلم الدولي لطالما كانت أحد المبادئ الحاكمة في الترتيبات الامبراطورية الأميركية حول العالم، سواء في ربط حلفائها وتابعيها في شبكات من المصالح الاقتصادية أو تبريد النقاط الملتهبة في مناطق نفوذها.

مع توقيع اتفاقية كامب ديفيد، كان الشق الاقتصادي يعني أن المعونة الأميركية لمصر جاءت مشروطة بالتزام القاهرة بالسلام مع الجار الإسرائيلي. لكن المعونة كان مجرد بند واحد من أشكال تبادل المنفعة بين العدوين السابقين، كان فتح سيناء أمام الزوار الإسرائيليين بتسهيلات استثنائية، يعني تأسيس سوق للسياحة الإسرائيلية في مصر، وبالتالي تشكل شبكات محلية من أصحاب المصالح المصريين يعتمدون على القوة الشرائية للاقتصاد الإسرائيلي، وعلى استمرار توافد السائحين الإسرائيين.

في العام 1996 أصدر الكونغرس الأميركي تشريع المناطق الصناعية المؤهلة المعروف بـ”الكويز”، ليسمح للأردن بتصدير منتجات مصنعة إلى الولايات المتحدة معفاة من الجمارك ومن دون حصة محددة، بشرط وجود مدخلات بنسبة معينة من إسرائيل في تلك المنتجات. وكان الهدف المعلن من ذلك التشريع هو دعم عملية السلام في الشرق الأوسط. لاحقاً، وفي العام 2004 وقعت القاهرة بروتوكولاً مع الولايات المتحدة وإسرائيل لتنضم إلى الأردن في الاستفادة من التسهيلات الأميركية. كانت نسبة المكون الإسرائيلي منخفضة تراوحت بين 10.70 إلى 11.30 بالمئة، وبتأثير محدود على الاقتصاد الإسرائيلي. على الجانب الآخر، أصبح هناك مناطق صناعية بأكملها في القاهرة والإسكندرية وبورسعيد تعتمد بشكل حصري على المزايا التفضيلية المشروطة بالعلاقة مع شركاء إسرائيليين.

بعد عام واحد من انضمام مصر إلى اتفاقية الكويز، أي في العام 2005، وقعت القاهرة اتفاقاً لتصدير 1.70 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً إلى إسرائيل لمدة 20 عاماً. كان ذلك الاتفاق موضوعاً لعدة أحكام قضائية متتابعة، وشبهات فساد أحاطت برجل الأعمال المصري حسين سالم، والذي اعتبر واجهة للنظام المصري حينها. تعطل ذلك الاتفاق بعد ثورة يناير، مع تكرار الهجمات على خط الغاز الواصل من العريش إلى عسقلان.

كان اتفاق تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل مثالاً نموذجياً لتبديد الموارد الطبيعية، وقصر نظر نظام مبارك أو بالأحرى فساده. فقبل أن تتم العشرين عاماً -وهي فترة الاتفاق- تحولت مصر إلى مستورد صافٍ للطاقة. والآن، يمثل الغاز المستورد من إسرائيل 14% من الاستهلاك المحلي في مصر، وهي النسبة التي سترتفع مع البدء في تنفيذ الاتفاق الأخير. هذا الاتفاق يمثل مكسباً معنوياً لتل أبيب المهددة بالمقاطعة الاقتصادية عالمياً، على خلفية الإبادة في غزة، ويعكس قصر نظر النظام المصري الحالي. فالقاهرة عملياً تسلم مفاتيح أمن طاقتها إلى الإسرائيليين.

لا تجلب التجارة السلام بالضرورة، لكنها بلا شك تخلق طبقات اقتصادية وسياسية لها مصالح متبادلة تعمل على خدمة مكاسبها، على حساب المستقبل ومعايير الأمن القومي، وبالطبع من دون الالتفات إلى إبادات تجري على الحدود.

المصدر: المدن

تعليق واحد

  1. سرقة ثروات الوطن بمصر أيام حكم مبارك تنكشف يومياً تفاصيلها، منها الغاز المصري والعقد الموقع مع الكيان الصهيوني بتصدير 1.70 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً إلى إسرائيل لمدة 20 عاماً وبسعر ثابت، لتقوم مصر الآن بإستيراد المورد لها من إسرائيل بـ130 مليار متر مكعب إضافي غاز من الصهاينة بأضعاف السعر للغاز الذي تأخذه من مصر، هل هذه سرقة بالعقل الصاحي ؟؟.

زر الذهاب إلى الأعلى