
لرجال المال والأعمال العرب أن يزاولوا السياسة ويتدافعوا في أي انتخابات، وأن يتطلّعوا إلى تولّي المناصب والمسؤوليات الرفيعة، وأن يكون لأيٍّ منهم مواقفُه وآراؤه في الشأن العام، فهذا كلّه من حقوقهم مواطنين. ولكنها بعضُ أسئلةٍ عن المفاعيل العامّة التي جعلت ما تصحّ تسميتها ظاهرة رجال المال والأعمال في المجال السياسي العربي تستجدّ منذ منتصف الثمانينيات (تقريباً)، وتتّسع لاحقاً، فضمّت الحكومات المصرية، مثلا، منذ النصف الثاني من عهد حسني مبارك، وزراء عديدين منهم، فضلاً عن حضور أمثالهم في البرلمانات والهيئات والمجالس الحكومية والاستشارية، ما جعلنا أمام حالةٍ خاصّة، دلّت على نفوذٍ ظاهرٍ لطبقتهم في الدولة والحقل العام، الرسمي والحزبي والأهلي، الطبيعي والمصنوع (في أيّهما يمكن إدراج إبراهيم العرجاني زعيماً لحزبٍ يوصَف بأنه قبلي؟). ولم يعُد رفيق الحريري من رجال المال والأعمال وحده الذي تولّى رئاسة حكومة عربية، فالملياردير عزيز أخنوش هو رئيس الحكومة حالياً في المغرب، وترأس علي أبو الراغب الحكومة الأردنية قبل أزيد من عقديْن.
هناك من هم أقدر من صاحب هذه المقالة في تشريح المسألة، وفي تعيين نماذج وحالاتٍ عربية دالّة، غير أن في الوُسع أن يجتهد واحدُنا فيلحظ أننا لم نقع على أي رجل مالٍ وأعمالٍ عربيٍّ لمعَ سياسياً، وصنع زعامةً، أو شكّل حالة خاصة، أو بدا مثالاً أو نموذجاً في خيار سياسي، أو صاغ مشروعاً وطنياً أحدث أثراً. ويمكن استثناء رفيق الحريري الذي ربما اغتيل بسبب زعامته ومشروعه ورؤيته. والمفارقة هنا أن نجاحات من نتحدّث عنهم في ميادين أعمالهم، الاستثمارية والمصرفية والتجارية والصناعية وغيرها، كبيرة، لكنها لم تتوازَ مع نجاحاتٍ سياسيةٍ لدى أهل الطموح والحضور ممّن تولّوا، منهم، مواقع متقدّمة في المسؤوليات الحكومية (وغيرها). وباحتراسٍ شديد، يمكن القول (أو الزعم؟) إن نموذج طلعت حرب في مصر وعبد الحميد شومان في فلسطين، وطنياً وسياسياً، وقبل ذلك وبعده، تنموياً واقتصادياً، صار شحيحاً جدّاً في المشهد العربي على هذا الصعيد، أي ذلك اللمعان الوطني السياسي والاقتصادي الناهض معاً. ذلك أن إعجاباً يستحقّه رجال مالٍ وأعمالٍ على ما أحدثوه في ميادين شغلهم من منجزاتٍ أفادت الجمهور العام، غير أنهم لمّا خاضوا في السياسة، أو جرى استدعاؤهم ليكونوا في مجالس الأعيان والشيوخ (غير المنتخبة)، ولمّا فازوا في انتخاباتٍ نيابيةٍ (بكيفياتٍ طبيعيةٍ وأخرى غير طبيعية)، وأيضاً عندما تحدّثوا في شؤونٍ وقضايا عامة، شوهد كثيرون منهم متواضعين معرفياً وثقافياً، يُؤثرون التملّق للحكام وأهل القرار (بمناسبةٍ وغير مناسبة)، وأحياناً يُؤثرون زوابع الإعلام و”السوشيال ميديا”.
مناسبة الحاشية أعلاه أن رجل الأعمال (الفلسطيني الأردني على ما يُعرّف، “من أم سورية”)، طلال أبو غزالة (مواليد يافا 1938)، صاحب سيرة نجاحٍ مهنيّةٍ لا تقدِر إلا أن تمحَضَها شديد الإعجاب، وهو شخصيةٌ عالميةٌ في حقول نشاط شركته (مجموعته) في التدقيق والمحاسبة والملكية الفكرية والاستشارات والإدارة وتقنيات المعلومات (وغيرها)، ولعلّه من روّاد هذا كله عربياً، وبنجاحٍ مشهودٍ وكفاءةٍ عالية. وفيما كانت عضويّته في مجلس الأعيان الأردني (تكاد تكون شرفية) في سنواتٍ قليلة، لم يتولّ أبو غزالة أي منصبٍ حكومي، غير أنه منذ أزيد من عقد يحرص على الظهور صاحب رأي في غير شأن سياسي (عربي وإقليمي ودولي). ومع الاحترام لنزوعاته العروبيّة، إلا أن أفكارَه غالباً ما جنحت إلى المثالية وعدم الواقعية (طرح مرّة إنشاء صندوق عالمي لإعادة اليهود في إسرائيل إلى دولهم الأصلية)، وصار يتوقّع حرباً عسكرية بين الصين وأميركا مثلاً. وللأسف، صار مبعث تسليةٍ لجمهور “السوشيال ميديا”، ما يضعُه في صورةٍ لا تليق بنجاحاته. … وهذا كلامُه، أخيراً، عن حزنه لسقوط بشّار الأسد، واعتباره المشاهدَ عن جرائم معتقل صيدنايا مفبركة، يدلّان على ما بلغه الرجل من كاريكاتيريةٍ لا نستحسنها له، وهو صاحبُ الشخصية الجذّابة والأريحيّة. وإذ فوجئنا، قبل أسابيع، بسرقة ملايين الدولارات من مكتبه في عمّان (عاد كثيرٌ منها بعد القبض على السارقين)، فإن الواقعة السورية هذه أكثر إثارة، ضاعف من صفتها هذه قرارُ دمشق عدم تجديد التعاقد مع شركاته.
فوجئتُ، مرّةً، في زيارتي طلال أبو غزالة في عمّان، أن مكتبَه يخلو من أي جهاز حاسوب. ولمّا استوضحتُه الأمر أجابني إن السكرتاريا عنده تكفي. وأظنُّها مفاجأتُه السورية تكفي لأن يتوقّف رجلٌ في مقامه عن الكلام في السياسة، كل السياسة.
المصدر: العربي الجديد
طلال ابو غزالة شخصية أثارت الكثير من التساؤلات عن إهتماماته وتنبؤاته و.. ، قراءة موضوعية عنها، ولكن المهم ما تم بحقه من الحكومة السورية نتيجة إنكاره لجرائم طاغية الشام بحق شعبنا في سورية، وإتخاذه مبررات لسلوكه الإجرامي،