
في لحظة مفصلية تعيشها #سوريا، بعد سقوط النظام الأسدي وبروز إدارة جديدة تعيد تعريف الدولة وموقعها الإقليمي، تجد #الفصائل_الفلسطينية نفسها أمام مفترق حاسم: إما أن تعيد تعريف دورها من الجذور، أو أن تواصل الغرق في هامشية سياسية وتاريخية لن تُنقذها شعارات “الرمزية” ولا خطاب “المقاومة” التقليدي.
اليوم، لم يعد النقاش حول “جدوى الإصلاح من الداخل” كافياً ، ولا منصفًا. فقد آن الأوان أن تُسمّى الأشياء بأسمائها: من تورطوا بالدم والقمع والتواطؤ، لم يعودوا شركاء محتملين، بل أطرافاً يجب محاسبتها، ومحاسبة من تستر عليها .
بين #الاعتراف والمراجعة وردّ المظالم
لا يمكن الحديث عن أي دور فصائلي فلسطيني جديد في سوريا دون مواجهة إرث المرحلة السابقة، والاعتراف أولاً، ثم المراجعة، وأخيراً ردّ المظالم. هذا ليس ترفاً فكريًا ولا خطوة رمزية، بل محددات أساسية لإمكانية بقاء هذه الفصائل في #الوعي_الجمعي الفلسطيني السوري.
لكن لا بد من التوضيح: نحن لا نتحدث عن فصائل كجسم موحّد. بل عن طبقة قيادية متنفذة وأتباع #مرتزقة يدورون في فلكها ، راكمت امتيازاتها على حساب الدم والكرامة والمخيمات، وجعلت من الانتماء الوطني غطاءً للتبعية والارتزاق. هؤلاء، بالأسماء والوجوه والمواقف، لم يعودوا مؤهلين للحديث باسم الناس، ولا يمكن التعامل معهم كأطراف قابلة للإصلاح.
أما أولئك الذين بقوا داخل هذه التنظيمات، مترددين، مهمّشين، أو صامتين ، فعليهم اليوم اتخاذ موقف واضح: إما أن يخرجوا عن هذا #الصمت، أو يُحسبوا على المنظومة حتى إشعار آخر.
أولًا: الاعتذار وتحمل المسؤولية الأخلاقية
ما هو الواجب؟
الاعتذار العلني من الشعب السوري والفلسطيني السوري على مواقف الفصائل خلال #الثورة، سواء بالصمت، أو الانحياز، أو التورط المباشر.
كيف يُنفذ؟
- إصدار بيانات رسمية من الهيئات القيادية تعترف بالمواقف الخاطئة.
- الاعتراف بالمسؤولية عن الصمت أو التورط في حصار ودمار مخيمات #اليرموك، حندرات، درعا، وغيرها.
- تقديم الاعتذار في المحافل الوطنية والإعلامية، كجزء من تصحيح العلاقة مع المجتمع.
- وقف كل أشكال الخطاب الذي يُبرر ما حدث أو يُخفيه تحت شعارات لم تعد تنطلي على أحد.
ثانيًا: #المراجعة السياسية والتنظيمية الشاملة
ما هو الواجب؟
إعادة #تقييم جذرية لطبيعة الفصائل، علاقاتها الإقليمية، دورها التمثيلي، وتاريخها داخل سوريا.
كيف يُنفذ؟
- عقد مؤتمرات مراجعة داخلية بمشاركة كوادر من داخل #المخيمات، وليس فقط من القيادات.
- قطع التبعية لمحاور إقليمية تتعارض مع المصلحة الوطنية السورية والفلسطينية.
- إعادة بناء الخطاب السياسي على أساس خدمة #الفلسطيني_السوري، لا خدمة الولاءات الخارجية.
- تشكيل لجان محاسبة لمراجعة قرارات الفترات السابقة، وإعلان نتائجها بشفافية.
ثالثًا: ردّ #المظالم وإطلاق مسار العدالة والتصحيح
ما هو الواجب؟
العمل على جبر الضرر، والاعتراف بضحايا سياسات الصمت أو التورط، واستعادة كرامة فلسطينيي سوريا.
كيف يُنفذ؟
- إطلاق مبادرات لإعادة إعمار المخيمات، بالتعاون مع الدولة السورية والمنظمات الدولية.
- توثيق أسماء #الضحايا والمعتقلين، ورفع الصوت بقضاياهم في كافة المحافل.
- تقديم دعم قانوني، وخدماتي، ونفسي للأسر المتضررة.
- التنسيق مع الإدارة السورية الجديدة لتسوية أوضاع #اللاجئين بمنظور سيادي وإنساني عادل يحفظ الكرامة والهوية الوطنية معاً وفي آن واحد.
نحو أفق جديد
الفصائل التي لا ترى في هذه الواجبات أولوية، ستفقد تدريجياً كل صلة سياسية وأخلاقية بشعبها. المطلوب اليوم ليس تبرير الماضي، بل تجاوزه بشجاعة.
#الاعتذار ليس تنازلاً، والمراجعة ليست ضعفًا، وردّ المظالم ليس مِنّة، بل حقوق يجب أن تُعاد لأهلها.
لكن دعونا نكون واضحين: الفصائل لم تُخطئ فقط. لقد خان بعضها أمانة الحديث باسم #القضية_الفلسطينية ، وتحوّل بعضها الآخر إلى وكلاء في مشاريع خارجية. من لا يعترف بذلك، لا يستحق أن يُصغي إليه أحد.
رسالة إلى من تبقّى
هذه #الرسالة لا تُخاطب من راكموا الثروات من آلام شعبهم، ولا من حوّلوا المقاومة إلى وظيفة، والمخيمات إلى أوراق مساومة.
بل تُوجّه إلى من بقي في الصفوف الدنيا، متألمًا، مترددًا، أو صامتًا… وهؤلاء، إن أرادوا النجاة من #السقوط الأخلاقي الكامل، فعليهم أن يتكلموا.
لا يكفي أن تقولوا “نحن مختلفون”. فالصمت صار شراكة.
الفرق بين من يتواطأ ومن يعارض يُقاس بالفعل، لا بالادعاء.
انزلوا إلى الناس، أعلنوا موقفاً واضحًا، وتحركوا، أو ارحلوا بصمت.
خاتمة: بين سقوط الفصائل في اختبار المحنة وتحول المزاج العام
لكن جوهر المسألة لا يتوقف عند محاسبة أفراد أو قيادات. المشكلة أعمق: لقد تغيّر #المزاج_العام للفلسطينيين في سوريا، لا فقط تجاه الفصائل، بل تجاه الفكرة الفصائلية ذاتها، بما تمثله من هيمنة وتنظيمات فوقية تدّعي #التمثيل باسم “الرمزية التاريخية” أو “المشروع الوطني”.
#النكبة التي عاشها فلسطينيو سوريا منذ 2011 والمحنة التي مروا بها لم تكن فقط تهجيرًا وقتلًا وحصارًا، بل كانت أيضًا نكبة في الثقة، وولادة جيل جديد لم يعد يرى في الفصائل امتدادًا لقضيته، بل عائقًا أمامها.
اليوم، لم يعد السؤال: “كيف تُصلح الفصائل نفسها؟”
بل: “هل ما زال الناس بحاجة إليها أصلاً؟”
من لم يدرك أن الشارع الفلسطيني السوري لم يعد يثق، ولم يعد ينتظر، بل أدار ظهره تمامًا لهذا الشكل من التمثيل، فهو لا يعيش الواقع.
#الثقة ماتت، نعم، والوعي تغيّر.
والمزاج الشعبي لم يعد قابلًا للاختراق بخطاب إصلاحي أو نيات حسنة.
ومن أراد مستقبلًا سياسيًا جديدًا لفلسطينيي سوريا، فعليه أن يبدأ من الناس لا من فوقهم، ومن سؤال: كيف نُمثَّل ؟ لا من يَمثّلنا ؟
*كاتب صحفي فلسطيني سوري
المصدر: صفحة ماهر شاويش