يوم السبت 22 فبراير أكمل الحراك الجزائري عاما كاملا بدون أن يفقد زخمه، أو يصيبه الوهن بسبب طول المدة أو يتسلل اليأس والاحباط الى الكتلة الشعبية المشاركة فيه. ولكن الكتلة الصلبة للنظام التي تقف على المقلب الآخر ما زالت تراهن على أن يؤدي طول المدة الى تيئيس الشارع، وإقناعه بأن ما تحقق من مكاسب يكفي للعودة الى بيت الطاعة.
لم يحقق الحراك أهدافه رغم طول المدة بالقياس لثورات الربيع العربي الأخرى، فالنظام لم يتغير جذريا، بقيت المؤسسة العسكرية صامدة وممسكة بالنظام والدولة العميقة من خلف الستار. قدمت بعض التنازلات المرضية للشارع , وأطاحت بعض رموز السلطة وبعض رؤوس الفساد , وزجت بهم في السجون , ولكن المحصلة بقيت محدودة , وظل كثيرون من رموز المرحلة البوتفليقية السابقة في منأى عن أيدي العدالة التي اقتصرت محاسبتها على عناصر الدائرة الضيقة والمقربة حول الرئيس بوتفليقه وشقيقه سعيد وعدد قليل من جنرالات الجيش وبعض رجال الاعمال الممولين والمستفيدين , بغرض إثبات النزاهة في عملية المحاسبة والتأكيد على وجود ديمقراطية محجوبة عمليا , جرى تبرئة بعض المتهمين , وتخفيف العقوبات على بعض آخر , وتشديدها على آخرين. ويقول العارفون بالباطن أن العدالة سارت على منهج الانتقام من الذين عارضوا حركة القائد العسكري الراحل احمد قائد صالح، ولم يزد عدد المحاسبين عن ثلاثين شخصا من نظام كان وما زال يرتع فيه مئات الفاسدين.
اجمالي ما حققه العام الاول من الحراك الشعبي لا يعدو أن يكون سوى حركة تصحيحية، أو حركة تطهيرية محدودة. وهو ما لا يرضي اربعين مليونا يواصلون حراكهم ويطالبون بتغيير عميق وشامل يضع حدا لحكم وسيطرة الصفوة العسكرية على الدولة ويصنع انتقالا حقيقيا الى نظام الدولة المدنية التي تضمن الاحتكام لصناديق الانتخابات النزيهة، ويوفر العدالة، والشفافية. ولأن مطالبهم الجوهرية لم تتحقق فإن الحراك لم يتوقف، ولا يبدو أنه سيتوقف حسب تقديرات مختلف الاطراف، بل يبدو الاصرار على استمراره وتطويره، على حرارة ما يشهده الحراك الشعبي في لبنان والعراق رغم بعض الاختلافات.
الواقع أن الحراك الجزائري يثير الاحترام والاعجاب لأسباب كثيرة أهمها احتفاظه بوحدته وزخمه وتماسكه رغم غياب دور الاحزاب السياسية والنقابات عن قيادته والتأثير فيه كما كانت الثورة السودانية، وبروز الحضور القوي للانتلجنسيا المدنية من المثقفين والمحامين والأكاديميين فضلا عن الشباب والطلاب. وبالمحصلة تعيش الجزائر انقساما واضحا بين السلطة المستندة على قوة المؤسسة العسكرية من ناحية والغالبية المجتمعية التي تتكون من الطبقة الوسطى وما دونها من ناحية مقابلة. ويقف الطرفان في مواجهة بعضهما بعضا من دون حوار حقيقي للخروج من المأزق، ولا تنفيس للغضب المكتوم.
وما يمنع الصدام أو الانفجار أن الطرفين مختلفان على الأمور الجوهرية، ومتفقان حتى الآن على التعايش السلمي بينهما وتجنب العنف واستمرار دورة الحياة الاقتصادية والادارية والبقاء في منطقة وسطى بين العنف واللاعنف، لئلا تتكرر (العشرية السوداء) وتزداد الحالة سوءا.
إلا أن الاستمرار على ايقاع هذا التعايش لا يمكن أن يستمر طويلا، وقد تستلهم السلطة سلوك وأسلوب فرنسا التي لجأت لجرعات محسوبة من العنف، لإفشال واحباط انتفاضة ذوي السترات الصفر وهو ما نجحت به فعلا.
لذلك يتوقع المراقبون المحليون أن تقوم السلطة الجزائرية في المرحلة المقبلة بمحاولات محسوبة بدقة، للضغط على محركي ومنظمي الحراك، واللجوء الى القمع التدريجي بعد نهاية شهر العسل القائم بين الرئيس الجديد عبد المجيد تبون وحكومته. ويتوقع هؤلاء المراقبون أن يبدأ تطبيق هذا البرنامج بعد القمة العربية التي تستعد الجزائر لاستقبالها، لأن تطبيقه قبل القمة سيؤثر سلبا على (رونق) البلد الذي أحدثه التغيير السلمي والحراك المدني السلمي الهادئ. ولكن هناك بالمقابل أصوات ومواقف داخل الحراك، تدعو للتصعيد بشكل محسوب، واظهار تحديها وقوتها للسلطة، لأنها تعلم أن استمرار الهدوء واللاعنف على ذات الايقاع يهدد بانفراط الحراك وتفرقه وفشله وعودة البلد الى الاوضاع السابقة. وهو أكثر ما يصر الجزائريون ويجمعون على رفضه، لأنه يقضي على أملهم في التغيير.
الهدوء الحالي مؤقت سطحي، ويقف على فوهة بركان يحمل كل عناصر الاشتعال.
المصدر: الشراع