مطلبٌ فلسطيني وليس أميركياً

معن البياري

كان كاريكاتيرياً، ولو بطرافةٍ شحيحةٍ، أن يرى شبّيحةٌ وممانعون من الصّنف إيّاه، في توقيف أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، طلال ناجي، ساعاتٍ في دمشق، استجابةً من السلطة الحاكمة في سورية لمطلبٍ أميركي، وقف أنشطة حركات المقاومة الفلسطينية في الأراضي السورية، فليس في معرفتنا أن اسم المذكور يجعل فرائصَهم في إسرائيل ترتعش، ولا أن حيثيّة الرجل أميناً عامّاً تعني، حُكماً، أن لتنظيمه ذاك نشاط المقاومة المفترض، فالمشهورُ أن “القيادة العامة” غادرت أداءها المشرّف غير المنسي، في عملياتٍ نوعيةٍ ضد دولة الاحتلال، منذ زمنٍ يسبق انعطافَتها إلى إسناد حرب نظام الأسد ضد الانتفاضة والثورة عليه، فكانت مشاركتُها في تلك الحرب في غاية الشناعة، سيّما في مساهمتها في جرائم القتل والنهب والتعفيش في مخيّماتٍ فلسطينية. وليس يُنسى أن هذا التنظيم، إبّان كانت مخصّصاتُ معمّر القذّافي له سخيّة، أرسل إلى إقليم أوزو في تشاد شبّاناً فلسطينيين، ليُحاربوا ضد المتمرّد حسين حبري مع الجيش الليبي (أُسر هناك ضابطٌ كبير منه اسمُه خليفة حفتر). وأرشيفٌ فيه تلك الواقعة الليبية ثم التشبيح العسكري النشط ضد الفلسطينيين والسوريين في زمن الثورة على الأسد ونظامه، وما بينهما كثيرٌ غير مُشرّف، لا يجعلنا نمحض طلال ناجي ذِكراً طيّباً، ولا سلفَه الراحل أحمد جبريل، الذي طالما استعمَله حافظ الأسد في غير موقعةٍ ضد ياسر عرفات، وضد منظّمة التحرير، في لبنان وسورية. ووحدَها مناقبيّة عنصرٍ في التنظيم المسمّى جعلته يُخطئ عمْداً في إطلاقه رصاصةً قاتلة، أمرَه جبريل أن يوجّهها إلى خليل الوزير في طرابلس اللبنانية.
بعيداً عن الفكاهة غير الخافية أعلاه، وعن أرشيفٍ لطلال ناجي وجبهته، مثقلٍ بسوْءاتٍ غزيرة، وبعيداً عن السخف الأميركي في الطلب من الحكم الراهن في دمشق (إذا صحّ) إيقاف نشاط حركات المقاومة الفلسطينية في سورية، مطلوبٌ من كل وجود فصائلي فلسطيني في هذا البلد أن يحلّ نفسه، وأن ينزع أي صفةٍ تنظيميةٍ له، ويُزيح عن نفسه رداءَه مقاومةً في “الساحة السورية”، فذلك كله ينتسبُ إلى زمنٍ ولّى، فيه كثيرٌ باهر، وكثيرٌ يحسُن التعلّم والإفادة منه، لكن الفلسطينيين في سورية يجب أن يغادروه تماماً. وقبل التشديد على هذا، ليس طيّباً لشعبٍ مناضلٍ جسور أن يُضحك الآخرين عليه، عندما يتوهّم أنفارٌ معدودون منه أن ثمّة حركاتٍ فلسطينيةً مقاومةً في سورية، ولها سلاح، ويقود أحدَها طلال ناجي، فليس المشهد هكذا أبداً، مع كل احترامٍ لمشاعر كل منتسبٍ إلى أي عنوانٍ فلسطيني هناك. إنما المشهدُ أن المجموع الفلسطيني في البلد في حاجةٍ كبرى إلى جهدٍ كثير، موصولٍ، بالضرورة، مع الجهد العام الذي يحتاجه الشعب السوري لإسعافه وتعافيه بعد كوارث معلومةٍ أحدثتْها حرب النظام ضد الثورة، على ما يُشاهد بأمّ عينيه زائر دوما مثلاً، في ريف دمشق، كما صاحبُ هذه الكلمات الذي رأى فيها ما أحدثته آلة الحرب الأسدية والروسية والإيرانية، ورأى أيضاً في مخيّم اليرموك ما صنعته الآلة نفسها، ومعها حلفاء من طراز جبهة طلال ناجي وأحمد جبريل، من تهديمٍ فظيع.
الجهد المتوخّى، والذي يحسُن الإلحاحُ عليه، أن تنصرف نخبٌ فلسطينية، منشغلةٌ بالهم العام، إلى ما هو إغاثي وثقافي وإنساني ومؤسّساتي ووطني عام، لا إلى التشجيع على التمنطق بالسلاح، وارتجال الكلام الفالت عن مقاومةٍ تائهةٍ أو مفقودة، ولا إلى توريط شبّانٍ فلسطينيين في مغامراتٍ بائسة، مطبوعةٍ بالخفّة وانعدام المسؤولية، فلا طلال ناجي ولا غيرُه من أيتام الأسد، ولا آخرون نحترمهم، ينفعون الكفاحية الفلسطينية في شيء، في راهنها شديد الصعوبة، فالعمل ضد العدو الإسرائيلي، في مواجهةٍ أو فعلٍ نضالي، هناك في فلسطين وليس في غيرها. ولأهل سورية وقيادتها خياراتُهم بشأن التعامل مع اعتداءات الذئب الإسرائيلي، ولا حاجة لخطابٍ مدرسيٍّ لهم في هذا الشأن. وإنما الحاجة الملحّة هي  أن يُدرك الفلسطينيون أن نجاسة أي خصمٍ لهم لا يجوزُ أن تأخذَهم إلى لعن الطهارة، فإذا صحّ أن مطلباً أميركياً سيق إلى الرئاسة السورية بوقف أنشطة حركات فلسطينية، فليس هذا هو الموضوع، وإنما الموضوعُ أن يكون هذا مطلباً فلسطينياً خالصاً، وشديد الضرورة، مبرّراتُه كثيرة، أولها أن لا حركات مقاومة فلسطينية عليها العينُ هناك، وأن فاعليّتها في مقاومة البؤس الثقيل بين ناسها، وأن محاكم عدالةٍ انتقاليةٍ يجب أن يُساق إليها طلال ناجي، وليس توقيفه ساعاتٍ رآها بعضهم امتثالاً لأمر أميركي، فأضحكونا.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى