سورية: “تحذير” حربي إسرائيلي للشرع

محمد كركص وضياء الصحناوي ونايف زيداني

أخذت التدخلات والاعتداءات الإسرائيلية في سورية، المتصاعدة منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، طابعاً أشد خطورة عبر قصف استهدف محيط القصر الرئاسي في دمشق فجر أمس الجمعة، في رسالة تحذير للحكم في سورية وتحديداً للرئيس أحمد الشرع، في ظل الاشتباكات التي شهدتها مناطق جرمانا وصحنايا وريف السويداء في الأيام الأخيرة، ليستغل الاحتلال هذه التطورات لتعميق عدوانه على سورية تحت مبرر “حماية الدروز” فيما يستهدف فعلياً منع تحقيق الاستقرار في سورية ووجود نظام حكم قوي يتصدى لتوغلاته واحتلاله للأراضي السورية في الجولان والمنطقة منزوعة السلاح. يتزامن ذلك مع تفاهمات بين السلطة السورية والفعاليات المحلية في السويداء لتهدئة الأوضاع فيها وانتشار قوات الأمن العام بعد أيام من التوترات.

اعتداءات إسرائيلية متفاقمة على سورية

وأعلنت إسرائيل فجر أمس الجمعة أنها شنّت غارة على منطقة مجاورة للقصر الرئاسي في دمشق. وقال المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي في منشور على منصّة إكس إنّ “طائرات حربية أغارت… على المنطقة المجاورة لقصر أحمد حسين الشرع في دمشق”. ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول سوري أن الهدف يبعد 100 متر تقريباً إلى الشرق من محيط القصر. وأكدت مصادر أمنية خاصة لـ”العربي الجديد” أن النقطة المستهدفة كانت تتبع سابقاً لقوات “الفرقة الرابعة” التي كان يقودها ماهر الأسد، قبل سقوط النظام. وأشارت إلى أن الغارة لم تسفر عن أي إصابات بشرية.

وعقب الغارة، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيان مشترك مع وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس: “هذه رسالة واضحة للنظام السوري. لن نسمح بنشر قوات (سورية) جنوب دمشق أو بتهديد الطائفة الدرزية بأيّ شكل من الأشكال”. وكان كاتس قد قال في منشور على منصة “إكس” إن “الهجوم الجوي هو رسالة تحذير واضحة للنظام السوري”. وأضاف: “عندما يستيقظ الجولاني (الشرع) ويرى نتائج هجوم سلاح الجو الإسرائيلي، فإنه سيفهم جيداً أن إسرائيل عازمة على منع إلحاق الأذى بالدروز في سورية”. وتابع: “من واجبه (الشرع) حماية الدروز في ضواحي دمشق من هجمات مثيري الشغب الجهاديين، والسماح لمئات الآلاف من الدروز في السويداء وجبال الدروز بالدفاع عن أنفسهم بأنفسهم، وليس إرسال قوات جهادية إلى المجتمعات”.

وفي السياق، شكر الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل الشيخ موفق طريف، نتنياهو “على توجيهاته باتخاذ إجراءات حازمة لحماية الدروز في سورية خلال الأيام الأخيرة، بما في ذلك قراره قصف مجمع قصر الرئاسة في دمشق”. من جهته، قال نتنياهو لطريف “إنه يتوقع أن تحترم الطائفة الدرزية القانون في إسرائيل، كما تفعل في الأيام العادية، وألا تتصرف بأي شكل من الأشكال ضد المواطنين الآخرين أو ضد أفراد قوات الأمن”. ويأتي ذلك بعدما أغلق محتجون دروز شوارع وأضرموا النار فيها، كما شوهد بعضهم يتهجمون على جندي يهودي إسرائيلي.

في المقابل، دانت الرئاسة السورية في بيان بـ”أشد العبارات” القصف الذي تعرض له محيط القصر الرئاسي، محملة الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية هذا الهجوم الذي وصفته بـ”التصعيد الخطير” ضد مؤسسات الدولة وسيادتها الوطنية. وأكدت أن هذا الهجوم المدان يأتي ضمن سلسلة “الحركات المتهورة” التي تهدف إلى زعزعة استقرار البلاد، مشيرة إلى أن ما جرى يشكل استهدافاً مباشراً للأمن الوطني ووحدة الشعب السوري. وطالبت المجتمع الدولي والدول العربية باتخاذ موقف حازم إلى جانب سورية في مواجهة الاعتداءات العدوانية، التي تنتهك القوانين والمواثيق الدولية، داعية الدول العربية إلى توحيد مواقفها وتقديم الدعم الكامل لسورية لمواجهة هذه الهجمات، بما يحفظ الحقوق العربية في التصدي للممارسات الإسرائيلية. وأكد البيان أن مثل هذه الاعتداءات، سواء أكانت داخلية أم خارجية، لن تنجح في النيل من وحدة سورية أو من إرادة شعبها، ولن تعيق جهود الدولة في تحقيق الاستقرار والسلام في مختلف المناطق السورية. وشددت على أن سورية لن تساوم على سيادتها أو أمنها، وستواصل الدفاع عن حقوق شعبها بكل الوسائل المتاحة.

كما دانت الخارجية القطرية في بيان بأشد العبارات الغارة الجوية الإسرائيلية التي استهدفت محيط القصر الرئاسي في دمشق، وعدتها عدواناً سافراً على سيادة سورية وانتهاكاً خطيراً للقانون الدولي. وجددت التحذير من أن اعتداءات الاحتلال المتكررة على سورية ولبنان واستمرار حربه الوحشية على غزة من شأنها تفجير دائرة العنف والفوضى في المنطقة، داعية المجتمع الدولي إلى الضغط على الاحتلال للامتثال لقرارات الشرعية الدولية. كما جددت الوزارة دعم دولة قطر الكامل لسيادة سورية واستقلالها وسلامة أراضيها، وتطلعات شعبها في الأمن والاستقرار. كذلك، دانت الخارجية السعودية في بيان بـ”أشد العبارات” الغارة الإسرائيلية، وجددت “رفضها القاطع للاعتداءات الإسرائيلية التي تستهدف سيادة سورية وأمنها واستقرارها”. وشددت على “ضرورة وضع حد للانتهاكات الإسرائيلية السافرة للقانون الدولي في سورية والمنطقة”. كما قال الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، جاسم محمد البديوي، في بيان، إن الغارة الإسرائيلية تمثل انتهاكاً خطيراً يزعزع الأمن والاستقرار في المنطقة وتؤكد نهج الاحتلال القائم على تأجيج الصراعات وتوتير الأوضاع في الشرق الأوسط.

في موازاة ذلك، توجّه الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط، إلى دمشق، حيث التقى الرئيس السوري أحمد الشرع.

في غضون ذلك، نشر مئات الجنود الدروز في الخدمة النظامية والاحتياط في جيش الاحتلال الإسرائيلي، مساء الخميس، رسالة موجّهة إلى نتنياهو وكاتس، طالبوا فيها بالسماح لهم بالدخول إلى سورية للقتال، وما وصفوه الدفاع عن الدروز هناك. وجاء في الرسالة التي نشرها جنود دروز في جيش الاحتلال متوجهين لنتنياهو: “نتوقع أن تفي بوعدك بالتضامن والحماية ووقف المجازر بحق إخواننا الدروز وراء الحدود في سورية – كما وعدت ووعد وزير الأمن – وأن يتم تفعيل الجيش الإسرائيلي لهذا الغرض”. كما طلبوا السماح لهم بالتوجّه إلى سورية، بذريعة المشاركة في الدفاع عن أبناء طائفتهم، قائلين: “مئات الجنود الدروز على استعداد فوري للتطوع والقتال إلى جانب إخواننا لإنقاذهم”.

تهدئة في السويداء وجرمانا

مقابل ذلك، قُتل أربعة أشخاص من أبناء الطائفة الدرزية، عصر أمس الجمعة، وأُصيب آخرون بجروح، إثر استهداف مُسيّرة مزرعة في منطقة كناكر غرب مدينة السويداء جنوبي سورية. وبقيت الأوضاع في محافظة السويداء جنوبي البلاد متوترة، رغم التوصل إلى تفاهمات بين الفعاليات المحلية والسلطة في دمشق يوم الخميس، أثمرت عن البدء صباح أمس الجمعة بتفعيل عدة مراكز للأمن العام، فيما شهدت قرى وبلدات الريف الغربي لمحافظة السويداء، ليلة الخميس وحتى فجر أمس الجمعة، اشتباكات بين مجموعات مسلحة من أبناء عشائر البدو، ومسلحين من أهالي قرى حران ولبّين وجرين والدور في الريف الغربي المحاذي لريف درعا الشرقي والممتد لمنطقة اللجاة الوعرة. الاشتباكات التي اندلعت مساء الخميس في الريف الغربي لمحافظة السويداء، جاءت بعد هجوم شنه عدد كبير من المسلحين الذين ينتمون بغالبيتهم لعشائر البدو الذين يرفضون أي اتفاق في السويداء، على الرغم من تحرك رتل كبير للأمن العام قادم من محافظة درعا للسيطرة على الموقف وفض الاشتباك.

وأكد الناشط الإعلامي عمرو المحيثاوي لـ”العربي الجديد” أن المسلحين عمدوا إلى قصف القرى والبلدات بوابل من القذائف، والتقدم باتجاهها. وأضاف أن المسلحين المحليين استطاعوا صد الهجوم ومنعوا المجموعات المسلحة من اقتحام البلدات بعد وصول مؤازرة من القرى المحيطة وفصائل المحافظة. لكن هذه الاشتباكات لم تخلّف ضحايا أو جرحى بين المدنيين والمسلحين في القرى المستهدفة واقتصرت نتائجها على أضرار مادية، في حين رصدت “العربي الجديد” وقوع ضحايا بين المهاجمين. وقال فراس مرشد، أحد أبناء بلدة حران في الريف الغربي لمحافظة السويداء، لـ”العربي الجديد”، إن جميع أبناء القرية كانوا في حالة استنفار قصوى منذ أن بدأ التعرض لطلاب السكن الجامعي في حمص ودمشق من الطائفة الدرزية، وما تلاها من أحداث في جرمانا والأشرفية وصحنايا، وباتوا يتوقعون في كل وقت التعرض للهجمات من عشائر البدو أو جماعات مسلحة غير منضبطة من محافظة درعا المجاورة. وأضاف: “نعلم أن هؤلاء لا يمثلون كل أبناء عشائر البدو فنحن نتشارك وإياهم العيش والعمل في الأراضي منذ وُلدنا، ونثق أن الغالبية العظمى من أهلنا في درعا ترفض هذه الاعتداءات على جيرانها”.

في هذه الأثناء، انتشرت صباح أمس الجمعة مجموعات من قوات الأمن العام، من أبناء السويداء، في بعض مناطق المحافظة، تنفيذا للاتفاق الذي جرى التوصل اليه الخميس بين فعاليات المحافظة، والسلطة في دمشق. وتزامن ذلك مع معلومات عن موافقة الأمن العام على انضمام 700 عنصر من مقاتلي فصائل السويداء لقواته، على أن يتم نشرهم في مدينة السويداء ومداخل المحافظة تحت مظلة إدارة الأمن العام. وكانت مدينة السويداء قد شهدت اجتماعاً كبيراً للرموز الدينية والوجهاء وقادة الفصائل، بهدف اتخاذ موقف موحد من الأحداث في السويداء وريف دمشق. وحضر هذا الاجتماع الذي استمر لساعات شيوخ العقل الثلاثة، حكمت الهجري وحمود الحناوي ويوسف جربوع، ومعظم الوجهاء وقادة الفصائل الكبرى في المحافظة، وخلص إلى بيان أكد وحدة الأرض السورية ورفض كل أشكال التقسيم والتدخلات الأجنبية، ونبذ خطاب الكراهية والفتنة بين مكونات الشعب السوري. كما أكد البيان تفعيل دور وزارة الداخلية ومديرياتها في جميع المدن والبلدات، إضافة لمطالبة الدولة بتأمين طريق دمشق السويداء ومنع الاعتداءات المتكررة على المدنيين العابرين على الطريق.

يُذكر أن اجتماع السويداء قد تزامن مع لقاءات مماثلة حصلت في كل من جرمانا وأشرفية صحنايا وصحنايا، وخلصت جميعاً إلى قرارات متشابهة، تشدد على الوحدة الوطنية ورفض كل التدخلات الخارجية والسماح لقوى الأمن العام بأخذ دورها الكامل في جميع هذه المناطق. وفي جرمانا، قال مصدر أمني لـ”العربي الجديد”، إن قوات تابعة لوزارة الداخلية انتشرت في المدينة بهدف تعزيز الأمن. وكان مدير أمن ريف دمشق، المقدم حسام الطحان، قد كشف في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، عن التوصل إلى اتفاق ينص على عدة بنود رئيسية تهدف إلى ترسيخ الاستقرار وتهيئة الظروف لعودة الحياة الطبيعية.

https://www.alaraby.co.uk/politics/%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%AD%D8%B0%D9%8A%D8%B1-%D8%AD%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A-%D9%84%D9%84%D8%B4%D8%B1%D8%B9#:~:text=%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9%3A%20%22%D8%AA%D8%AD%D8%B0%D9%8A%D8%B1%22%20%D8%AD%D8%B1%D8%A8%D9%8A,%D9%84%D8%B9%D9%88%D8%AF%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D8%B9%D9%8A%D8%A9.

المصدر: العربي الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى