” نتنياهو وصمة عار ويجب اعتقاله فوراً”!

بسام مقداد

الشهادة المكتوبة والموقعة التي أدلى بها في 21 الجاري رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي الشاباك رونين بار، فجرت أزمة غير مسبوقة في تاريخ إسرائيل، على وصف الإعلام الإسرائيلي. وبوادر الأزمة بدأت تظهر في مطلع آذار/مارس المنصرم، على إثر صدور نتائج تحقيق الشاباك في أسباب هجوم حماس على غلاف غزة الإسرائيلي، وتحميل الجهاز نفسه إلى جانب الحكومة المسؤولية عن الحدث. وشن حينها أنصار الحكومة ووزراؤها حملة شعواء على رونين بار، وطالبوا بتنحيته عن موقعه. ورد بار على المطالبة باستقالته، بأنه لن يتنحى إلا بعد أن تتشكل اللجنة الرسمية للتحقيق في هجوم 7 أكتوبر، “وحينها أسلم الراية إلى أحد نائبيي لإثنين الرائعين”.

في أواسط آذار/مارس التقى نتنياهو مع رونين بار، وطلب منه أن يبادر بنفسه للتنحي عن موقعه، وإلا ستتخذ الحكومة قراراً بإقالته. وبعد رفض بار للاستقالة الطوعية، وإعلان نتياهو عن نيته بإقالة بار، اجتمعت أحزاب المعارضة الإسرائيلية الأربعة بقيادة يائير لابيد، وقررت تقديم التماس للمحكمة العليا للتدخل والحؤول دون إقالة رئيس الشاباك من منصبه. ولم يقتصر الأمر على التماس هذه الأحزاب، بل تقدم المعارضون لحكومة نتياهو بالتماسات مماثلة عديدة تطلب من المحكمة الأمر عينه. وكانت تترافق هذه الالتماسات باحتجاجات شعبية واسعة ضد الحكومة، وتطالب باستمرار رونين بار في منصبه.

في 17 الشهر المنصرم نشر موقع قناة “الجزيرة” نصاً نقل فيه عن صحف إسرائيلية تحذيرها من حرب أهلية ومن تحول إسرائيل إلى ديكتاتورية. ونقل الموقع عن المحلل العسكري الإسرائيلي ناحوم برنياع قوله في مقالة في صحيفة يديعوت أحرونوت، إن المواجهة بين نتنياهو ورونين بار تقرب إسرئيل من نوع من الحرب الأهلية، “في الوقت الحالي من دون سلاح”. وتحدث برتياع في نصه عن “نتنياهو والعصابة المحيطة به”، وقال إن “رئيس الوزراء فقد مكابحه، وسيحكمنا كما يشاء، وستتبعه حكومة فاشلة”.

كما نقل الموقع عن الكاتب السياسي في صحيفة معاريف بن كسبيت وصفه نتنياهو في مقالة بالصحيفة بأنه “وحيد قرن في متجر خزف”، ورأى أن نتينياهو لم يكن عاجزاً  لفترة طويلة فحسب، “بل هو أم كل العاجزين”. ودعا الكاتب الشارع الإسرائيلي للخروج للاحتجاج ضد حكومة نتنياهو، واعتبر أن الحكومة فقدت الشرعية الأخلاقية، ورأى أنه “لن تكون لدينا فرصة أخرى لإنقاذ هذا البلد. نحن في أيام مصيرية لا مثيل لها”.

في 21 الشهر المنصرم اتخذت حكومة نتنياهو بالإجماع قراراً بإقالة رونين بار من منصبه “بسبب انعدام الثقة به”. لكن المحكمة العليا قررت في 8 الجاري وقف تنفيذ القرار مؤقتاً حتى تنتهي من النظر في الالتماسات المقدمة، واستدعت بار للإدلاء بشهادته أمام المحكمة.

وكما تشير تعليقات الصحافيين الإسرائيلين أعلاه، كانت ترتفع حدة المواجهة بين مؤيدي نتنياهو ومعارضيه المدافعين عن عدم التدخل في عمل الأجهزة. وجاءت شهادة رونين بار المكتوبة والموقعة من قبله، والتي سلمها للمحكمة العليا في 21 الجاري، لترفع حدة المواجهة إلى أقصاها. مع العلم أنه لم  يكشف منها إلا القليل وبقي، حسب صحيفة هآرتس، 31 صفحة سرية، قالت إن “مجرد محاولة تصور ما تتضمنه، أمر لا طاقة للإنسان العادي على تحمله”.

أثناء تسليم بار شهادته التي جاءت على شكل رسالة للمحكمة العليا، احتشد آلاف الإسرائيليين حول مبنى المحكمة العليا، ورددوا الهتافات المؤيدة للرجل والداعية لبقائه في منصبه، والهتافات المنددة بنتياهو وحكومته والداعية لرحيله. ونقل موقع Detaly الإسرائيلي الناطق بالروسية آراء بعض الناشطين المشاركين في الاحتجاجات حول المجابهة القائمة بين نتيناهو والأجهزة الأمنية.

إحدى الناشطات الرئيسيات في “حركة الاحتجاج” قالت للموقع إن “ذاك الذي يسمي نفسه رئيساً للوزراء، ذاك الذي صنع حماس كرصيد له، حاول إجبار رئيس الشاباك على تنفيذ تعليماته الشخصية حتى لو كانت مخالفة للقانون. ولوخضع بار، لكانت إسرائيل قد أصبحت ديكتاتورية، “إنها محاولة انقلاب ضد سيادة القانون”.

ناشط آخر رأى أن اللحظة، “هي لحظة مضيئة- بداية النهاية لعهد نتنياهو. واليوم تبدأ عملية شفاء الدولة. لقد تمكنا من إيقاف معظم القوانين المتعلقة بتقويض النظام والتهرب من الخدمة العسكرية. لقد قمنا بإرجاع 196 رهينة. نحن قادرون على إيقاف حتى الديكتاتور. وسوف يكون للبلاد قريباً حكومة تهتم بمواطنيها، وليس حكومة تتجسس عليهم”.

ناشط ثالث رأى أن نتنياهو هو “بوتين إسرائيل”. وقال إن المقاطعة الشاملة هي الطريقة الوحيدة للتعامل معه. ودعا المعارضين إلى التوقف عن “الخطابات الفارغة، والإعلام للتوقف عن بث تصريحاته”.

وفي السياق عينه،على مدى يومين متتالين -22 و23 الجاري- شنت صحيفة هآرتس حملة شعواء على رئيس الوزراء نتنياهو. وتولى موقع Detaly الإسرائيلي الناطق بالروسية، نقل عدة نصوص ناقش فيها كتّاب الصحيفة الإسرائيلية إفادة رونين بار، وأغدقوا عليها أوصافاً نارية، واستنتجوا منها أحكاماً بحق نتنياهو، ليس أقلها، “عار حي يتنقل، وصمة عار على جبين إسرائيل”، “يجب القبض على نتنياهو فورًا كإجراء وقائي. من أجل إنقاذ دولة إسرائيل. الآن”.

نقل Detaly في 22 الجاري عن الكاتب Uri Misgav في هآرتس نصاً بعنوان “رونين بار قدم مضبطة اتهام. إنها الوثيقة الأخطر في تاريخ إسرائيل”. ورأى أن 21 نيسان/أبريل سيدخل التاريخ باعتباره اليوم الذي نُشرت فيه الوثيقة الرسمية الأكثر أهمية والأكثر إثارة للقلق في تاريخ دولة إسرائيل بأكمله. ويصف إفادة رئيس الشاباك أمام المحكمة العليا بأنها إقرار مصدق من مسؤول عام رفيع المستوى مقدم إلى المحكمة العليا، وهو إقرار”مثير للدهشة، مخيف ومؤلم”.

ويقول الكاتب بأن عينيه اغرورقت بالدموع  لدى قراءة المقطع الثاني من الإفادة، وأعاد القراءة ثم أعاد، وكان كأنه يرفض أن يصدق ما يعرفه منذ زمن، لكنه الآن أمامه، موثقاً وموقعاً من رئيس جهاز الشاباك. “وكأن ذلك لم يكن كافيا، فهناك أيضا جزء سري من الوثيقة غير متاح للعامة”. ومجرد محاولة تصور ما يتضمنه، أمر لا طاقة للإنسان العادي على تحمله.

اعتبر الكاتب أن إفادة رونين بار هي قرار إتهامي. وهي أقسى وأكثر إثارة للخوف من أي تقرير للجنة حكومية أو قرار محكمة صدر في إسرائيل على الإطلاق. وقال إن كثيرين ارتكبوا أخطاء، ولحقت بهم الهزائم، وأخطأوا في الحسابات، ولكن لم يحاول أحد قط عمداً تدمير الديمقراطية الإسرائيلية والدولة نفسها من أجل مصالحه الشخصية والعائلية.

ورأى أن الإستنتاج الوحيد الذي يمكن الخروج به الآن: يجب القبض على نتنياهو فورًا كإجراء وقائي، من أجل إنقاذ دولة إسرائيل.

في 23 الجاري أدلى بدلوه في حملة هآرتس على نتنياهو محلل شؤون الشرق الأوسط وإسرائيل في الصحيفة Yossi Verter، وعنون نصه بالقول “رونين بار فتح صندوق باندورا الأكثر رعبًا في تاريخ إسرائيل”.

استهل الكاتب نصه بالقول إن ما كشف عنه رينون بار يؤكد مرة أخرى أن بنيامين نتنياهو يشكل تهديدًا مباشرًا للديمقراطية الإسرائيلية، والدولة، ومعايير العدالة والإنصاف، بل وللصهيونية نفسها. ورأى بأن  وصف إفادة رونين بأنها “زلزال” أو القول بأنها “تتطلب توجيه اتهامات، هو كليشيهات فارغة في بلد مجنون تحدث فيه “الزلازل” كل يوم.

استرسل الكاتب في الحديث عن صراع نتنياهو خلال حياته السياسية مع كل من يخالفه الرأي، وانتهى إلى القول بأن نتنياهو “هو عار يتحرك، وصمة عار على جبين إسرائيل”.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى