
سألج إلى الموضوع مباشرة ومن دون مقدمات لأقول: ما يعنيني بالدرجة الأولى في ما حصل مع كادري حركة الجهاد الإسلامي هو مصلحة أكثر من نصف مليون فلسطيني سوري 95% منهم بحاجة لمساعدة عاجلة لأنهم يعيشون تحت خط الفقر بحسب تقديرات منظمة الأونروا ومعظمهم نزح أكثر من مرة وبينهم عوائل ما يزيد عن عشرة آلاف معتقل وشهيد، ثلاثة من مخيماتهم تم تدميرها تدمير شبه كامل وبحاجة لإعادة إعمار على وجه السرعة لترتيب موضوع العودة إليها.
وعليه فإن أي فصيل فلسطيني وصانع قرار رسمي معني بهم لا يقدم مقاربة سياسية وسلوكية تخدم مصلحة هؤلاء وجوده بين ظهرانيهم وفي أوساطهم غير مبرر؟!
ولا يمكن لأي فصيل فلسطيني أن يعيش في ظل فهمه السابق لتواجده في أي جغرافية دون إدراك حجم التغيير الذي حدث فيها، هذا ليس دفاعاً عن مسلكيات الادارة السورية الجديدة تجاه أي مكون فلسطيني أو نحو القضية الفلسطينية برمتها، بل محاولة للتكيّف مع المستجدات والتطورات التي حدثت في سوريا الجديدة بما يخدم الأهداف الوطنية الفلسطينية وينسجم ويتسق مع الأدوات لتحقيقها.
وهنا نسأل كيف يلتمس البعض على سبيل المثال لا الحصر عذراً للمواطن الأردني من أصل فلسطيني في طريقة تعاطيه مع القضية الفلسطينية احتراماً لطبيعة الأردن كما يدّعون، في ما يقيم الحد على اللاجئ الضيف في سورية ويحاكم الدولة السورية الجديدة قبل حتى أن يعرف حقيقة مواقفها؟!
قصارى القول وفي هذه الجزئية كل التواجد الفلسطيني في أي جغرافية يحتاج صياغة علاقة واضحة مع الدول المضيفة تُرسم ملامحها وتحدد بما يخدم مصلحتها ويراعي مصالح الدول ولا يمس بأمنها واستقرارها.
وعلينا أن ندرك من هذه الزاوية أن في سورية الجديدة ثمّة مجتمع فلسطيني منهك وهش، ضعيف وغير متماسك يحتاج إعادة ترميم واهتمام مضاعف حتى يعود إلى قوته ويتعافى ويسترد قدرته على التفاعل مع حقوقه وثوابته الوطنية واشتغاله في الحيز والهم الوطني الفلسطيني للشأن العام.
وآخر ما يحتاجه هذا المجتمع هو الفهلوة والتذاكي والحركات البهلوانية والقرارات الارتجالية من شخصيات غير مسؤولة لا تعرف عن واقعه شيئاً ولا تميّز حتى بين أسماء مخيماته وتجمعاته؟!
بعد انتشار خبر اعتقال مسؤولين لحركة الجهاد الإسلامي في سوريا ورغم تكتمها على الخبر في بداية الأمر فإنه كان من واجب الحركة أن تقدّم روايتها وسرديتها للموضوع حتى لا يُستغل الأمر ويُستثمر بطريقة لا تخدمها هي ومعتقليها بشكل خاص، ولا تخدم الوجود الفلسطيني السوري بشكل عام.
وكان من المفترض ومنذ بداية الاعتقال رسم ملامح محددات خطاب إعلامي واضح تجاه القضية وعدم تركها عرضة للإشاعات والتوظيف من قبل أي جهات لديها أي أجندات.
وما حصل هو أن أصدرت الحركة بيانها الأول عبر سرايا القدس وبيان السرايا غير أنه صدر من الجهة ليست صاحبة الاختصاص فهو أصلاً لم يقدم أي معلومة تفيد القضية سوى تثبيت حادثة الاعتقال والإعلان عنها، ومفرداته لم تحاك موضوع بهذا الحجم والبصمة فيه ليس فيها مصلحة خالصة للحركة ومكتوب بحبر لا يعكس قراراً مستقلاً.
ثم جاءت تصريحات السيد بسام الآغا لصحيفة القدس العربي لتناقض البيان وتعكس تخبطاً وارتباكاً واضحاً في أوساط الحركة وبكل الأحوال لا يمكن لنا أن نقول لحركة الجهاد الإسلامي أن هذا شأنكم الداخلي فما حصل ليس استحقاقاً داخلياً، بل هو حدث متعلق بملف فلسطينيي سوريا ككل وهو شأن عام ويخص ويعني كل فلسطيني سوري، وهذه القضية والتعاطي معها ستنعكس على واقعهم وأوضاعهم من دون شك.
ومن دون شك أيضاً وبدورها الحكومة السورية لا تزال مطالبة بضرورة التوضيح ونشر أسباب الاعتقال للرأي العام.
ولا يمكن أن تُعفى الحكومة وعبر ذراعها الأمن العام الذي نفذ الأمر من المسؤولية لكن نحتاج أن نعرف روايتها وسرديتها لما جرى حتى نستطيع أن نحكم على الموضوع بدقة ونحدد حجم هذه المسؤولية ونقدرها بقدرها.
ولقد أشار البعض إلى أن زيارة محمود عباس قد يكون لها علاقة بالحدث، لكن توقيت الاعتقال قبل وصوله دمشق بيوم لأحد المعتقلين يضعف هذا الاحتمال، ونعتقد أن محمود عباس في موقع أقل وأدنى من أن يُملي على الادارة السورية الجديدة مثل هذا الأمر أو يطلب منها ذلك، وهي ليست أبداً في وارد أن تتجاوب معه في هكذا مطالب هذا إذا فرضنا جدلاً أنه طلبها.
ومن دون شك محمود عباس وسلطته وحركة فتح ينافسون ويناكفون على تمثيل فلسطينيي سورية وكل الفلسطينيين حيثما وجدوا ويحاولون فرض أنفسهم كمرجعيّة لكن هذا الأمر يواجه برفض شعبي تحديداً في أوساط فلسطينيي سوريا وخاصة بعد ما حل بهم، ولا يوجد أصلاً مؤشر لقياس هذا التمثيل لا عبر صناديق اقتراع ولا بوسيلة الانتخابات المعطلة منذ عقود في كل الأطر التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية في الداخل والخارج.
والسلطة الفلسطينية ومحمود عباس نفسه ليس فاعلاً بهذه الزيارة إلا من بوابة قيامه بفعل الزيارة بحد ذاتها، وهو عملياً يترقب موقف الادارة السورية الجديدة منه ومن سلطته بشكل خاص ومن ملف فلسطينيي سوريا المتواجدين على أراضيها بشكل عام، وحتى لو كان لديه مقاربة ما لكل ذلك، فهو بحاجة لمعرفة رأي الادارة الجديدة بهذه المقاربة إلا إذا كان قد تم طرح شيء من هذا في اللقاء السابق بين محمود عباس والرئيس أحمد الشرع وينتظر رده.
وبخصوص مثل هذه الزيارة وبحكم التجربة نقول: إن مثل هذه الزيارات لم تصب يوماً في خدمة شعبنا ومخيماته ولا تعويل عليها، بل تقع في حيز العلاقات العامة للسلطة وحركة فتح وتحصيل مكاسب حزبية ذاتية وبعضها شخصية؟! فضلاً عن مآرب وغايات تنافسية مع خصومهم وهنا ومع هذه الادارة دوافعها أشد وأكثر ضرورة وإلحاحاً نظراً للخلفية الاسلامية لهذه الادارة فذلك مبعث تخوف ويثير قلق وهواجس للسلطة وحركة فتح.
ولا يمكن إغفال أن ملف إعادة الإعمار وأمواله حاضرة بقوة في حسابات السلطة.
فضلاً عن موضوع عقارات وأملاك حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية في سورية التي لها أولوية في تفكير محمود عباس ومن يدورون في فلكه فالاستثمار فيها وبغيرها أهم من مصير كل فلسطيني سورية الذين لم يستحقوا منه زيارة لمخيماتهم ولا لعاصمة شتاتهم مخيم اليرموك ولا حتى وضع إكليل ورد على قبور شهدائهم في مقبرة المخيم.
ولم يسأل يوماً عن معتقليهم عند النظام المجرم ولم يخرج حتى معتقلاً واحداً منهم رغم تبجحه بعلاقاته مع النظام المجرم وحلفائه الروس وبدا عدم الاهتمام واضحاً وجلياً لدرجة أن السفارة الفلسطينية في دمشق ذاتها صرّحت بعد سقوط النظام أنها لا تمتلك حتى جداول بأسمائهم وأعدادهم.
وثمّة اعتقاد آخر بأن السلطات السورية قد تتجاوب مع مطالب الادارة الاميركية بخصوص الحركات الفلسطينية وتحاول أن تقايض ذلك برفع العقوبات عنها والحقيقة أنه من المبكر الحكم والجزم النهائي بهذا الأمر وربما حادثة الاعتقال هذه وبعد الكشف عن ملابساتها وحيثياتها وتفاصيلها بدقة ستكون مؤشر يحمل شيئاً من الاجابة على ذلك، وعليه سننتظر ونرى مبررات وأسباب الاعتقال ورواية وسردية كلا الطرفين.
يبقى القول إن الحادثة لاقت اهتماماً غير مسبوق ومنقطع النظير رغم أنهما شخصين من فلسطينيي سورية؟!
وربما لو تم بذل واحد بالمليون من هذا الاهتمام الإعلامي لما خسرنا آلاف من المعتقلين في سجون نظام المجرم بشار الأسد وبعضهم تكتمت فصائلهم وصمت رفاق دربهم عن ذكرهم ولو بحرف واحد؟!
وباختصار جميع الفصائل الفلسطينية سقطت في اختبار أزمة فلسطينيي سورية على مدار ١٤ عاماً من كارثتهم. والآن وبعد سقوط النظام المجرم استذكرتهم بعد أن كان ملفهم متروك ومهمل بعناية. ناهيك عن تآمر بعض الفصائل عليهم وخذلانها لهم وقتلهم ومحاصرتهم في مخيماتهم بالشراكة والتعاون مع النظام الاسدي والميليشيات الإيرانية وغيرها من الجماعات المسلحة الحليفة له.
وعليه أختم بما كنت قد بدأت به مطلوب من هذه الفصائل ومن كل من هو معني أو يدّعي أنه معني ويمثل فلسطينيي سوريا أن يراعي مصالحهم بالدرجة الأولى لحين أن يكونوا قادرين على فرز من يمثلهم بحق وألا يغلّب مصلحته الحزبية والشخصية على مصالحهم وإلا فإن الكرة في ملعبهم وعليهم أن لا يسمحوا بتكرار الكارثة والنكبة التي حلّت بهم ولات ساعة مندم؟!
كاتب صحفي فلسطيني سوري مقيم في هولندا
المصدر: مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا