واقع العمل السياسي المعارض في مرحلة الاسد الابن ومستقبله في سورية الحرة

أحمد العربي

إن محاولة بشار الأسد أن يؤمن شرعية شكلية لحكمه التوريثي أعطى انطباعا بأنه مع الديمقراطية التدرجية. ووجد المثقفين والمعارضين من كل الأحزاب وبعض الناشطين المدنيين و الاجتماعيين ذلك فرصة وبادروا لإحياء منتديات في أغلب محافظات القطر مثل منتدى رياض سيف و منتدى جمال الأتاسي والكواكبي وغيرهم. لكنها لم تستمر حيث أغلقها النظام كلها تباعا واعتقل بعض رموزها من الناشطين لسنوات. وعاد العمل المعارض للكمون والانكفاء على بعض الرموز كما ذكرنا سابقا.

المتغير الآخر الأهم كان الربيع السوري في عام ٢٠١١م الذي فجره حس المظلومية الذي طال الشباب السوري وانطلقوا يطالبون بالعدالة واسترداد الكرامة والحرية بمعناها الإنساني الواسع.

كان الكثير من المعارضين للنظام وحتى أبناءهم من الناشطين في حراك الربيع السوري والذي أصبح ثورة بعدما أعلنها النظام إرهابا وواجه الشعب بالقوة المسلحة وبدأ بشن حرب ابادة على الشعب السوري كله.

في هذا المنعطف من تاريخ سورية من جهة المعارضة السورية وقوى الثورة الناشئة فقد أخذت مساران للعمل المواجه للنظام.

أولهما العسكري الذي ضم الشباب المندفع لمواجهة مظلومية النظام وكان منهم ومعهم بعض المعارضين للنظام من القوى السياسية واطلقوا على انفسهم الجيش الحر. وبدأ يتلقى الدعم من أطراف عدة ودول شكلت غرف للدعم الموك والموم فيها أمريكا وبعض الدول الخليجية والأردن وتركيا. وأصبح العمل العسكري مضبوطا بايقاع التوافقات الدولية والإقليمية والتناغم أو الصراع مع روسيا وإيران. وأصبح العمل العسكري اقرب لوظيفة. كما ضُبطت سياسيا إيقاع مؤتمر جنيف الذي لم يفعّل واجهض بعد ذلك وكذلك بعده لقاءات استانة برعاية روسيا وإيران وتركيا المدعومة من أمريكا والغرب. وكان يحصل على هامش هذا العمل العسكري عمل سياسي ابتدأ بالمجلس الوطني السوري ثم الائتلاف وتفرع عنه لجان تفاوض  وحكومة في المناطق المحررة.

المهم ان الكوادر السياسية للعمل السياسي المعارض في المجلس الوطني والائتلاف وما تفرع عنه كان يضم بعض المعارضين للنظام الذي يرجعون بانتسابهم للأحزاب المعارضة السابقة.

هكذا تم اعادة احياء دور بعض الأحزاب للقيام بهذا الدور.

لكن النظام ابتدع معارضة أطلقت على نفسها معارضة الداخل هيئة التنسيق الوطنية. ثم خلق هيئة تمثل مؤتمر القاهرة وآخر مؤتمر موسكو حسب الدول التي اجتمع به هؤلاء المعارضين الموهومين. كل ذلك لالغاء وحدة تمثيل المعارضة السياسية السورية ، وابتداع مقولة معارضة الداخل “تحت سقف الوطن” الصادقة ومعارضة الخارج “المنضوية في اجندة اعداء سورية” كما يدعي النظام وإهدار وطنيتهم ودمهم ان امكن.

ومع ذلك كانت معارضة الداخل مجرد ديكور أجوف دون اي دور واي فاعلية.

ورغم ذلك انتهت كل صيغ المعارضة السياسية عموما بهيئة تتابع مع النظام برعاية دولية مناقشات جوفاء حول الدستور. دون أي جدية وجدوى.

وهكذا تم تجميد الدور السياسي والعسكري للمعارضة منذ أقل من عقد حيث توافق الفرقاء الإقليميين والدوليين على اعادة شرعنة نظام الأسد الابن رغم كل ما فعله في سورية وشعبها. ليقضوا على سابقة مطالبة الشعوب العربية بحقوقها.

في مستوى آخر كان قد تشكلت حركات عسكرية في كل من سورية والعراق امتدادا لتنظيم القاعدة الذي كان تأسس قبل عقود بإيحاء ودعم اميركي في افغانستان ضد الاحتلال السوفييتي له. ثم امتد وتوسع بعد ضرب أمريكا بالطائرات وتدمير برجي التجارة العالمية عام ٢٠٠١م ثم زادت قوته بعد احتلال أمريكا للعراق عام ٢٠٠٣م. التي استمرت لعام ٢٠٠٦م. وما أن بدأ ربيع سورية وثورتها في عام ٢٠١١م. حتى بدأت طلائع الجهاديين السوريين بالحركة في سورية. فقد كان النظام قد اعتقل الكثير منهم وجعل السجون مكانا لإعادة تأهيلهم وتأصيل انتمائهم وبلورة هويتهم الفكرية والعقائدية ك جهاديين اسلاميين وما أن بدأت الثورة السورية حتى أفرج النظام عن أغلب هؤلاء الجهاديين وهو يعلم أنهم سيحملون السلاح ضده ولكي يستخدم ذلك حتى يروج لمقولة ان حربه على “الإرهاب” وليس ضد الشعب السوري، وبرره بأن ما يحصل هو الحرب الدولية على سورية ونظامها وان الحراك في سورية هو إرهاب  إسلامي، وهكذا حصل بالفعل مما دفع الفاعلين الدوليين أن يعيدوا قبول نظام الأسد الابن كخيار وحيد في سورية.

لكن السوريين الذين انضموا للقاعدة و انشقوا عن داعش واطلقوا على انفسهم النصرة ثم فتح الشام ثم تحرير الشام كان همهم الأساسي هو الهم السوري. تحرير سورية من النظام وأعوانه الروس وايران الذين أصبحوا محتلين فعليين لسورية. هذا غير الأمريكيين الذين حضروا تحت دعوى محاربة إرهاب داعش ودعموا حزب العمال الكردستاني وسيطروا على شرق الفرات ودعموا ما اسموه بعد ذلك قسد: قوات سورية الديمقراطية.

توقفت الأوضاع في سورية عند هذه القسمة منذ سنوات حيث سيطر الجيش الحر بدعم من الأتراك على اغلب الشمال الغربي السوري وكونوا حائطا أمنيا لتركيا في مواجهة حزب العمال الكردستاني الـ ب ك ك وفرعه السوري ال ب ي د. وشكلوا شبه دولة بحكومة مؤقتة مدعومة من تركيا على كل المستويات.

 وبقيت محافظة ادلب وبعض ريف حماة وحلب بيد هيئة تحرير الشام بدعم خفي من بعض الدول بعدما أكدت هويتها السورية و تنصلت من القاعدة. التي صنعت ايضا شبه دولة وحكومة إنقاذ لها تقوم بكل مسؤوليات الدولة في إدلب وجوارها.

في غمرة كل ذلك وبينما كان هناك حراك دولي وإقليمي لإعادة شرعنة نظام الأسد. حصل الصراع بين مقاومي غزة ودولة الصهاينة وتدخل حزب الله معهم وبدعم ايراني وتطور الحال ليتم القضاء على حزب الله ليتم إبعاد إيران عن تمددها الإقليمي في لبنان وسوريا وحتى العراق. بقرار امريكي اسرائيلي مدعوم عربيا. وكان من تداعياته حصول فراغ القوة في سورية ودفع  ثوار سورية الذين كانوا جاهزين لاقتناص الفرصة لاسقاط النظام بدء من الشمال السوري حيث الجيش الوطني السوري المدعوم تركيا. وهيئة العمليات العسكرية المنطلقة من إدلب. كذلك غرفة عمليات الجنوب التي تكتل بها ثوار درعا والسويداء. وانطلقوا كل من مواقعه. وعبر أيام معدودة وصلوا جميعا وتباعا الى دمشق حيث سقط النظام الذي كان “الى الأبد”. لقد كان الظروف مواتية والتحضير مستمرا والتخطيط وانتصر الثوار.

هذه اللحظة التاريخية مازال يكتنفها الكثير من نقص المعلومات كما قال  احمد الشرع. رئيس سورية الجديدة ، سورية الوليدة الشرعية لثورة السوريين.

المهم دخل الرئيس احمد الشرع كقائد لهذا الحراك واستطاع بحنكته السياسية و معرفته واطلاعه، ونضج ادائه السياسي الداخلي والعربي والدولي. الى ان يصل الى ما يجب أن يتم فعله في سورية لصالح شعبها وهو استرداد دولة السوريين وأن يستردوا معها حريتهم وكرامتهم وحقهم بالعدالة العامة والانتقالية والمحاسبة والمواطنة والتجاوز عن الماضي واعادة الاعمار وكتابة دستور متوافق عليه وتشكيل مجلس وطني يسبقه مؤتمر حوار وطني، وهذا ما حصل فعلا، ثم يتم إعلان شكل الدولة الديمقراطية في سورية التي يعمل كل حسب إمكانياته لبنائها والحفاظ عليها.

نحن هنا الآن.

 وفي هذه اللحظة التاريخية اعتقد ان لا حضور للبنية الحزبية والفكرية التي توالدت قبل سبعة عقود وأكثر في سورية إلا في حال اعادت مراجعة تجاربها بوحي عقلية النقد الذاتي وأن تكون الاولوية عند من يتصدى لبناء الأحزاب السورية التي تعتمد على قراءة الواقع وما يجب فعله من أجل المستقبل و أن يكون الهم المجتمعي والسياسي هو الحاضر وليس البعد العقائدي الأيديولوجي الذي تراجع للخلف عالميا وليس في سورية فقط.

 كما يجب أن يكون الهم المجتمعي من تأمين فرص العيش والبناء ودعم العقلية الديمقراطية في الحكم والبنّاءة مجتمعيا وان يكون الصالح العام هو الحكم وان يتم بناء عقلية تقبل الآخر والتعاضد معه لبناء سورية المستقبل.

سورية تحتاج عقلا جديدا يتجاوب مع عقل جيل شبابها الذي صنع الثورة والذي سيصنع مستقبلها الافضل.

محققا الحرية ومحافظا على الكرامة ويبني دولة العدالة. وينصف المظلوم ويسترد الحقوق بالعدالة الانتقالية ويبني للشعب السوري الحياة الأفضل…

يستحق الشعب السوري المنتصر حياة حرة مليئة بالسعادة والهناء والرفاه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى