القانون و السياسة الفرق بين الجاسوس و الخائن

طارق غريبي

تعتبر جريمتي التجسس و الخيانة من الجرائم الخطيرة التي تقع على أمن الدولة الخارجي وفقاً للمواد 263-274 من قانون العقوبات السوري الصادر عام 1949 و أمنها الداخلي و خاصة في المواد 291-311 .

ففي معظم قوانين الدول إن لم يكن كلها نجد أن عقوبة جريمة الخيانة مغلَّظة (تصل في كثير من الأحيان للإعدام) أكثر من عقوبة جريمة التجسس.! و السبب الرئيسي لتشديد عقوبة الخائن هو أن الفاعل فيها دائما يحمل جنسية بلده  كما هو في جريمة حمل السلاح في صفوف العدو و بالتالي فإن هذا الشخص يعرف تفاصيل و معلومات كثيرة عن دولته بما فيها نقاط الضعف.! و هذا يعني أنه في حالة إساءة استعمالها أو تسريبها متعاونا مع دولة أخرى عدوة أو أجنبية…(لسنا في معرض تعداد حالات جرائم الخيانة) يُعتبر خائنا لوطنه مما أوجبَ على المشرِّع تشديد و تغليظ عقوبته..!

أما جريمة التجسس فالفاعل فيها غالباً لا يحمل جنسية الدولة المُتجَسس عليها بل جنسية دولة أخرى يعمل لمصلحتها أو حتى دولة أخرى استأجرته للتجسس لصالحها… لذلك قد يغدو الجاسوس بطلاً حال تسريبه بعض المعلومات (على سبيل المثال) لدولته/وطنه عن دولة أخرى قد تغير هذه المعلومات مسار معركة أو سياسة عامة للدولة …لذلك و في عموم حالات التجسس لم يُغلِّظ المُشرِّع عقوبة التجسس مقارنة بعقوبة الخيانة مراعاة منه لجهة الدافع النبيل الذي قد يكون لدى الجاسوس خاصة في حالة تجسسه لصالح دولته/وطنه فقد يغدو بطلاً كما ذكرنا إذا نجح بمهمته و عاد لوطنه..! مع ملاحظة أن المُشرِّع قد شدد كلَّاً من عقوبات جرائم التجسس و الخيانة في حالات الحرب و الطوارئ أو الأزمات الداخلية للدولة التي نعتقد بأنها تنطبق على الحالة السورية لحد كبير..!

فإذا تأملنا الفترة الحرجة التي تمر بها سوريا و التي تعاني و تواجه فيها تحديات و ضغوطات و أطماع خارجية و داخلية كبيرة سياسية و عسكرية و أمنية مجتمعية و رهانات حول تحقيق سلم أهلي و عدالة إنتقالية …إضافة لتنامي جذوة مشاريع أقلوية انفصالية بدأت تفوح منها روائح الإستقواء و التعاون مع دولة/دول توصف بالعدوة للدولة السورية.! هذه كلها و مثيلاتها لا شك أنها تحدُّ و تؤخر من بدء عملية بناء مؤسسات الدولة بكافة أشكالها..! فلا شك أن هذه الفترة تتطلب من كل السوريين الصبر و إعطاء الوقت الكافي المناسب للإدارة الجديدة و التغاضي عن الجزئيات و الإستثناءات و الإهتمام بأمهات الأمور لتأسيس سوريا جديدة قوية ديمقراطية..! و هذا يؤدي إلى حتمية تُوجِب

على الدولة إيلاء قضية البحث عن الخونة (أشخاص أو مجموعات ) و دحرهم و السيطرة عليهم و تقديمهم للعدالة أولوية خاصة تتقدم عن باقي الأولويات لأنه لا يمكن أن تقوم للدولة قائمة إلا إذا بسطت سيادتها على كامل جغرافيتها و خضع كل مواطنيها لسلطتها تحت سقف قانون وطني مركزي واحد .! لأن بسط و فرض سيادة الدولة المركزية و قوانينها على كامل ترابها و ثرواتها و مواطنيها دونما تمييز هو الأساس و المقدمة الأولية لبدء و نجاح أية عملية بناء للدولة و بالتالي يغدو إعداد العدة و مباشرة عمليات مستعجلة لدحر الخونة و المجرمين و ملاحقتهم قضائيا و عسكريا و القضاء عليهم و بالسرعة القصوى ضرورة لا بد منها و لا يمكن تجاوزها من أجل وضع لبنات الإستقرار المجتمعي و السياسي و حماية الأمن الداخلي و الخارجي للدولة السورية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى