كيف يمكن للمؤتمر الوطني أن ينجح ويحقّق مصالح السوريين؟

أحمد زكريا

في ظل الظروف المعقدة التي تعيشها سوريا بعد سنوات طويلة من الأزمات السياسية والاقتصادية والإنسانية، يبرز المؤتمر الوطني كمنصة حاسمة لصناعة مستقبل البلاد.

هذا المؤتمر، الذي يتوقع عقده قريباً، ليس مجرّد حدث سياسي عابر، بل هو فرصة تاريخية لإعادة بناء الثقة بين مختلف مكونات الشعب السوري ووضع خريطة طريق للانتقال إلى دولة جديدة قائمة على العدالة والديمقراطية، ومع ذلك فإن نجاح هذا المؤتمر وتحقيق أهدافه لن يكونا أمراً سهلاً أو بدهياً، بل يتطلبان جهوداً كبيرة وإرادة حقيقية للتغيير.

المؤتمر الوطني يأتي في وقت حساس للغاية، حيث تتصاعد الجهود الدولية والإقليمية لإيجاد حلول للملف السوري، ومع اجتماع مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا، وحديث المبعوث الدولي غير بيدرسن عن الإرث الثقيل الذي ورثته حكومة تصريف الأعمال، يبدو أن هناك رغبة حقيقية في التحرك نحو مرحلة جديدة من التحول السياسي.

السيد أحمد الشرع، رئيس الجمهورية الحالي، أكد أن المؤتمر سيكون منصة مباشرة للمداولات والمشاورات واستماع مختلف وجهات النظر حول البرنامج السياسي المقبل، لكن وعلى الرغم من هذه الطموحات، لا يوجد التزام رسمي باعتماد مخرجات المؤتمر من قبل الحكومة، مما يضع على عاتق القائمين عليه مسؤولية ضمان تحقيق نتائج ذات قيمة فعلية.

لكي ينجح المؤتمر ويحقق مصالح السوريين، يجب التعامل مع مجموعة من التحديات الجوهرية:

  • تمثيل عادل وشامل: أحد أكبر التحديات هو ضمان تمثيل عادل وشامل لجميع فئات المجتمع السوري، إذ يجب أن يحضر المؤتمر شخصيات مدنية سورية تمثل مختلف الطوائف والأعراق والفئات الاجتماعية. لتحقيق ذلك، يجب أن تكون اللجنة المنظمة للحدث مستقلة تماماً وغير مرتبطة بالسلطات القائمة.

وإذا جرى تعيين الشخصيات المشاركة من قبل الحكومة أو السلطات الحالية، فإن ذلك سيؤدي إلى فقدان ثقة العديد من الأطراف، وبالتالي إحداث انقسامات قد تفشل المؤتمر قبل أن يبدأ.

  • إجراء مشاورات مكثفة: لضمان نجاح المؤتمر، يجب أن تجري اللجنة المعينة مشاورات مكثفة مع الشخصيات والتجمعات السياسية داخل سوريا وخارجها.

هذه المشاورات يجب أن تكون هادفة وتركّز على ترتيب برنامج المؤتمر بدلاً من فرض مخرجاته مسبقاً، أي محاولة لفرض نتائج معينة ستؤدي إلى فقدان شرعية المؤتمر.

  • تجنب القضايا الهامشية: من الضروري تنظيم جدول أعمال توافقي يركز على القضايا الجوهرية التي تهم الجميع، فالدخول في قضايا هامشية سيؤدي إلى إضاعة الوقت وتفتيت الجهود.

ويجب أن تتضمن المناقشات قضايا مثل العدالة الانتقالية، الاقتصاد والتنمية الاقتصادية، صياغة الدستور الجديد، إذ إن هذه المواضيع هي الأكثر أهمية لتحقيق مصالح السوريين وبناء مستقبل مستقر.

ولتحويل هذه الرؤى إلى واقع، هناك خطوات عملية يجب اتباعها:

  • إشراك الخبراء والكفاءات: كما أشار حسن الدغيم (عضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني)، يجب إشراك ذوي الخبرات والكفاءات الحقوقية والعلمية في الحوار الوطني، ما سيضمن أن النقاشات ستكون مبنية على أسس علمية وقانونية، مما يعزز من جدية المخرجات.
  • الابتعاد عن المحاصصة الطائفية: من المهم أن يكون الحوار بعيداً عن المحاصصة الطائفية التي كانت سبباً رئيسياً في تعقيد الملف السوري، والتركيز يجب أن يكون على الكفاءة والخبرة بدلاً من الانتماءات الطائفية أو الحزبية.
  • زيارة المحافظات: زيارة جميع المحافظات والاستماع إلى آراء المواطنين حول المؤتمر تعد خطوة أساسية، وهذا الأمر سيساعد على تحديد الأولويات الوطنية بدقة وفهم احتياجات الناس على الأرض.
  • استبعاد الجهات المثيرة للجدل: استبعاد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) من الحوار، كما أشار حسن الدغيم، كان قراراً استراتيجياً لتجنّب الجدل والتوترات، ومع ذلك يجب أن يتم التعامل مع هذا القرار بحذر لضمان عدم إشعال فتيل جديد من الخلافات.

وإذا ما نجح المؤتمر الوطني في تحقيق أهدافه، من المتوقع أن ينبثق عنه لجان حقوقية وقانونية، بالإضافة إلى تيارات سياسية متعددة ستشارك في كتابة الدستور الجديد، وهذا الدستور سيكون حجر الزاوية في تحديد شكل الدولة السورية المستقبلية وهويتها، كما أن التركيز على العدالة الانتقالية والتنمية الاقتصادية سيخلق بيئة مواتية لعودة اللاجئين وتحقيق الاستقرار.

في المقابل، من المهم لنا كسوريين التمييز بوضوح بين نوعين من المؤتمرات التي يتم الحديث عنها في السياق السوري: المؤتمر الوطني العام ومؤتمر الحوار الوطني، فكل منهما يلعب دوراً مختلفاً في عملية إعادة بناء سوريا المستقبل.

المؤتمر الوطني العام هو منصة تهدف إلى تمثيل مكونات المجتمع الأهلي والمدني من جميع المحافظات السورية، بعيداً عن التمثيل السياسي أو الحزبي أو المؤسسي، وهذا يعني أن الأعضاء المشاركين لن يكونوا ممثلين لأحزاب سياسية أو تيارات فكرية أو تنظيمات، بل سيعكسون صوت الشعب السوري بكل تنوعه الاجتماعي والجغرافي.

على سبيل المثال، يمكن لكل محافظة اختيار عشرة ممثلين بطريقة انتخابية لضمان الشفافية والشمولية، والقرارات التي سيخرج بها هذا المؤتمر ستكون ملزمة للجميع، وستحدد الإطار العام للمرحلة الانتقالية، بما في ذلك الاستحقاقات الدستورية، وإعداد الأرضية المناسبة للمرحلة المقبلة، والإشراف على لجنة صياغة الدستور.

وهذا المؤتمر سيكون بمنزلة “الحاكم” المؤقت خلال المرحلة الانتقالية، وسيتحمل مسؤولية ضمان تحقيق العدالة والمساواة بين جميع السوريين.

أما مؤتمر الحوار الوطني فهو إطار مختلف تماماً، هذا المؤتمر يشمل الأحزاب السياسية والتيارات الفكرية والمؤسسات والمفكرين وغيرهم من الفاعلين في المشهد السياسي والثقافي، الغرض منه هو توفير منصة للنقاش والحوار حول القضايا الوطنية الكبرى، لكنه لا يملك صلاحيات إلزامية، والقرارات التي تصدر عنه ليست ملزمة وقد يتم اعتمادها أو تجاهلها بالكامل، وبالتالي فإن دوره يقتصر على تقديم رؤى وتوصيات قد تكون مفيدة لكنها ليست حاسمة في تحديد مستقبل البلاد.

التمييز بين هذين النوعين من المؤتمرات أمر بالغ الأهمية لتجنب الخلط بين أدوارهما وأهدافهما، إذ إن المؤتمر الوطني العام يمثل الشعب السوري بشكل مباشر، ويهدف إلى اتخاذ قرارات ملزمة ترسم خريطة الطريق للمرحلة الانتقالية، أما مؤتمر الحوار الوطني، مجرد منصة للنقاش والتداول ولا يمتلك السلطة التنفيذية أو التشريعية.

المطلوب هو تقديم المصلحة الوطنية على المصالح الفئوية والحزبية، إذ يجب أن يشارك جميع مكونات الشعب السوري بحماس وإيجابية وإرادة حقيقية للتغيير، كما يجب أن يكون هناك إيمان من الجميع بمبدأ العدالة..

وإذا ما أُديرت هذه المؤتمرات بشكل صحيح، يمكن أن تكون خطوة كبيرة نحو تحقيق التحول الديمقراطي المنشود، ولكن إذا لم يتم التعامل معها بجدية فقد يؤدي ذلك إلى مزيد من الانقسامات والخلافات، مما يزيد من تعقيد الأزمة بدلاً من حلها.

نجاح أي من هذه المؤتمرات يعتمد على مدى التزام القائمين عليه بمبادئ الشفافية والعدالة والشمولية، ويجب أن يكون الهدف الرئيسي هو تمثيل مصالح الشعب السوري بكامله، وليس فقط فئات معينة أو جهات محددة، لأنّه فقط من خلال العمل المشترك والرؤية الواضحة يمكننا بناء سوريا جديدة تستحق التضحية والجهد.

في النهاية، المطلوب هو تقديم المصلحة الوطنية على المصالح الفئوية والحزبية، إذ يجب أن يشارك جميع مكونات الشعب السوري بحماس وإيجابية وإرادة حقيقية للتغيير، كما يجب أن يكون هناك إيمان من الجميع بمبدأ العدالة في المرحلة القادمة، وفقط من خلال الوحدة الوطنية والعمل المشترك يمكننا الانتقال إلى مرحلة مستقرة جامعة، وكلنا أمل في بناء مستقبل مشرق وواعد لسوريا.

المؤتمر الوطني ليس مجرد فرصة بل هو مسؤولية تاريخية، وإذا ما تم التعامل معه بجدية ومسؤولية، فإنه يمكن أن يكون الخطوة الأولى نحو سوريا جديدة، سوريا يسودها السلام والعدالة والازدهار، لكن إذا ما تم إهمال هذه الفرصة أو التعامل معها بسطحية، فإننا سنعود إلى المربع الأول، وستظل سوريا غارقة في دوامة الأزمات، الخيار بين النجاح والفشل يعتمد علينا جميعاً.

المصدر: تلفزيون سوريا

تعليق واحد

  1. أولاً يجب أن يكون هناك مؤتمر وطني وليس مؤتمر الحوار الوطني، لأن المؤتمر الوطني يجب أن تكون مخرجاته ملزمة ومؤتمر الحوار الوطني ينتج توصيات ، ثانياً لإنجاح المؤتمر الوطني بالحالتين إن لم يتم تقديم المصلحة الوطنية على المصالح الفئوية والحزبية، وبمشاركة جميع أطياف المجتمع السوري بإيجابية وإرادة حقيقية للتغيير وإيمان بمبدأ العدالة، لن يحقق الغايةمنه.

زر الذهاب إلى الأعلى