
ليست فكرة من بنات المزاج والارتجال تلك التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول تهجير فلسطينيي قطاع غزّة وتشتيتهم ما بين مصر والأردن، أو في دول أخرى، بهدف “إسعادهم” وإخراجهم من حالة الخراب والبؤس. فمقولة ترامب تندرج في سياق استراتيجية أميركية عمرها من عمر النكبة، ورائدها الرئيس هاري ترومان.
قبل الحديث عن ترامبية التهجير وما سبقها، لا بأس باستعادة مقالة ليوسي ميلمان، نشرها في صحيفة هآرتس العبرية (20/11/2023)، عن مفهوم “إسعاد” المهجّرين الفلسطينيين في منافيهم، وفقاً لرؤية تيودور هرتزل، التي لا تبتعد قيد أنملة عن نظرية ترامب “الإسعادية”. فقبل مؤتمر بازل بسنتَين، أي عام 1895، وبالتحديد في يونيو/ حزيران، كتب هرتزل: “الأراضي المخصّصة لنا يجب أن نأخذها من أصحابها بالتدريج، سننقل الفقراء إلى خارج دولتنا ونعمل على توفير أشغال لهم في البلاد التي سينتقلون إليها، وإخراج الفقراء من دولتنا يجب أن يتم بحذر وهدوء”.
إلى أين يمكن تهجير الفلسطينيين؟… إلى “أرض آدم وحواء”، كما طرح ذات مرّة أول رئيس لإسرائيل حاييم وايزمان. وبحسب صحيفة الجزيرة الأردنية (27/4/1949)، فإن وايزمان قال للصحافيين بعد لقائه الرئيس الأميركي هاري ترومان: “إنه يقترح إسكان اللاجئين من عرب فلسطين في وادي دجلة والفرات، وهذا أحسن مكان يصلح لذلك، لأنه مقفر وغزير المياه، وحيث سكن آدم وحواء”. هذا الطرح، الذي عرضه وايزمان على الرئيس ترومان، مستقى من العهد القديم، إذ ثمّة تفسيرات توراتية لمكان هبوط آدم وحواء من الفردوس، بأنه في أرض العراق، أو بين الأخيرة وسورية، في منطقة الجزيرة. وورد في سِفر التكوين: “لما خلق الرب الإله الأرض والسماوات، غرس جنةً في عدن شرقاً، وأسكن هناك آدم، وكان يخرج من عدن نهر فيسقي الجنة، ويتشعّب من هناك فيصير أربعة أنهار، أحدهما فيشون، والثاني جيحون، والثالث دجلة، والرابع الفرات، وأخذ الرب الإله آدم وأسكنه جنة عدن، وقال الرب الإله لا يحسن أن يكون آدم وحده، وفيما هو نائم أخذ أحد أضلاعه، وخلق امرأة من الضلع الذي أخذه من آدم، وسمّى آدم امرأته حواء لأنها أم كلّ حي”.
فكرة ترامب عن تهجير الفلسطينيين تندرج في سياق استراتيجية أميركية عمرها من عمر النكبة، ورائدها ترومان
في قاموس الكتاب المقدّس، الذي أشرفت على تعريبه وإعداده نخبة من كبار اللاهوتيين والمؤرّخين، فموقع “جنة عدن غير مجمع عليه، بعض منهم يعتبر أرمينيا أنها عدن، وهناك من يرى أن نهر عدن ما هو إلا نهر الفرات ـ دجلة، الذي يصبّ في شط العرب، فجنة عدن، حسب رأيهم، هي القسم الجنوبي من العراق، ويُعتقد أنه أقرب الأمكنة إلى الصواب”. وبالعودة إلى صحيفة الجزيرة، وخصوصاً أعدادها في يونيو/ حزيران 1949، يمكن تتبّع مقترحات توطين الفلسطينيين في الجزيرة السورية أو في العراق، ففي 19 إبريل/ نيسان، كتبت “أسندت وزارة الخارجية الأميركية إلى المستر جورج ماكجي مهمة دراسة مشروع لإسكان عدد من اللاجئين في سورية والعراق لقلّة عدد سكانهما”. وفي اليوم التالي، كتبت بلغة تهكمية واعتراضية: “جاء من لندن أن المكاتب (المراسل) الدبلوماسي لجريدة التايمز، عقد (كتب) مقالاً رئيسياً عن قضية اللاجئين أشار فيه إلى مشاريع إسكانهم في سورية والعراق، وتبرعت وزارة الخارجية الأميركية بإرسال أحد خبرائها لدراسة مشاريع إسكان اللاجئين في سورية والعراق”.
والمفاجئ أن الصحيفة الأردنية عينها كشفت في 22 من الشهر نفسه (إبريل)، أن الرئيس السوري حسني الزعيم يوافق من حيث المبدأ على توطين الفلسطينيين في سورية، وممّا أوردته: “تحدّث دولة الزعيم عن اللاجئين الفلسطينيين، فقال إذا اقتضت الظروف الدولية بإبقائهم في بلادنا، فسنفتح بوجههم منطقة الجزيرة التي تُعد من أخصب المناطق الزراعية في سورية، وسنعدّ مشروعات زراعية وصناعية كبيرة تفتح في وجوههم سبل العيش والعمل”.
ونقلت “الجزيرة” في الرابع من أغسطس / آب من العام نفسه، عن “مصدر موثوق” أن الحكومة الأميركية اقترحت على الدول العربية توزيع 500 ألف لاجئ فلسطيني في ما بينها. ونشرت في الخامس من الشهر إياه خبراً صاعقاً، شكله ومضمونه في هذا الوجه “عُرِف أن عدداً من اللاجئين العرب في مصر، أبلغوا جامعة الدول العربية برغبتهم في السفر إلى سورية، حيث توزع الحكومة السورية الأراضي على اللاجئين الذين حُرموا من أملاكهم في فلسطين”.
يقول محمد جمال باروت، في كتاب فائق القيمة، صادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (2013)، بعنوان “التكوّن التاريخي الحديث للجزيرة السورية”: أنه “منذ عام 1909 كانت الجزيرة السورية، وحتى الأشهر الأولى من عام 1948، عرضة لمطامع الحركة الصهيونية وصندوقها القومي في الاستثمار وبناء مستوطنات يهودية فيها، أو تحويلها إلى ملجأ لاستيعاب الفلاحين الفلسطينيين، وبعد قيام إسرائيل غضت حكومتها النظر عن مشروع التوطين، لكن إدارة الرئيس هاري ترومان، حملته بنوع من النشوة العقائدية والعملية، ليغدو مشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية وفي الجزيرة خصوصاً، مشروعاً أميركياً، وسيفسر هذا المشروع جزءاً أساسياً مستوراً من قصّة معظم الانقلابات العسكرية السورية منذ عام 1949، وحتى عام 1954”.
بحسب جمال باروت، كانت الجزيرة السورية منذ 1909 عرضة لمطامع الحركة الصهيونية في الاستثمار وبناء مستوطنات يهودية فيها، أو تحويلها ملجاً لاستيعاب الفلاحين الفلسطينيين
وفي تفاصيل تلك المشاريع أن اللجنة الإسرائيلية لترحيل السكّان العرب من فلسطين، اقترحت عام 1937 إرسال عضو منها إلى الجزيرة السورية لإجراء تحقيق حولها، وفي اجتماع آخر في السنة نفسها برزت آراء حول ترحيل الفلسطينيين إلى الأردن أو سورية أو العراق. وخلال الحرب العالمية الثانية انشدّت اللجنة نحو وجهتَين للترحيل، سورية والعراق. وفي عام 1941، جال مدير الهيئة الإسرائيلية لتطوير الأراضي يوسف فايتس في الجزيرة السورية، وكتب تقريراً عن إمكانية توطين مليون نسمة فيها، وغداة حرب 1948 تبنّت لجنة الترحيل، التي شكّلتها الحكومة الإسرائيلية، مشروعاً رأت فيه قدرةً كاملةً لكل من سورية والعراق على استيعاب اللاجئين الفلسطينيين.
وفي واقع الأمر، تبنّت الولايات المتحدة الخطوط العامّة لذلك التقرير، وعرضتها على الحكومة السورية، وفي 28 إبريل 1949، أبلغ السفير الأميركي في سورية إدارته بأن دمشق تفكّر في توطين 250 ألف فلسطيني في منطقة الجزيرة، فيما عدد اللاجئين في سورية حينذاك كان يقارب 80 ألفاً فقط. وعن هذا المشروع، كتب الأمير عادل أرسلان في مذكّراته: “يقول ترومان إنه سيجعل بين النهرين فردوساً، ترومان لا يعرف النهرين ولا ما بينهما، ترومان وقوم ترومان يريدون أن يُنقل كلّ لاجئ من فلسطين إلى الجزيرة، وأن يصيروا فيها زرعاً، وإن نُقلوا إلى الجزيرة ووادي الفرات نسوا فلسطين”.
لم تسدل الولايات المتحدة الستار على مشروعها، ففي عام 1951عرضت واشنطن خريطة طريق لتوطين اللاجئين في سورية والعراق، بكلفة قدرها 250 مليون دولار، لكن المشروع أصابه الإخفاق، ثم تراجع منذ منتصف خمسينيّات القرن العشرين، ليطلّ برأسه من جديد مع الرئيس جو بايدن، الذي قال، إثر مشاركته في عيد الحانوكا (13/12/2023)، إنه طلب من الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي فتح معبر رفح لتسهيل عبور فلسطينيي غزّة إلى مصر.
دونالد ترامب لا يبتدع ولا يبتكر، إنه يكمل طريق أسلافه.
المصدر: العربي الجديد
الأنظمة الغربية منذ 1887 تفكر بإجلاء اليهود من أوروبا ووضعهم بدويلة، وكانت مطروحة أوغندا ومن ثم جمهورية الخزر بروسيا ولكنهم إختاروا وضمن الأجندة الغربية لتمزيق الوطن العربي “فلسطين” ومنذ إحتلالهم فلسطين بعد وعد من لا يملك لمن لا يستحق “بلفور” بدأ البحث عن مناطق لتهجير الفلسطينيين من أرضهم ليسكنها اليهود من الشتات، أيوجد عهر سياسي أكبر ؟؟.