تفجير بيروت يعرقل إعادة إعمار سورية..ويخفف آثار العقوبات

على قدر ما كان تفجير مرفأ بيروت كبيراً، وشرره متطايراً، على قدر ما سينعكس هذا على البلدان المحيطة، خصوصاً سوريا، التي ترتبط بشريط حدودي من الشمال والشرق بطول يصل إلى 375 كم مع لبنان، ويسيطر بشكل أو بآخر على جزء كبير من هذه الحدود “حزب الله”، الذي كان أحد أسباب صمود النظام السوري بعد الثورة الشعبية التي اندلعت ضده عام 2011.

خلال السنوات الماضية استفاد النظام السوري من ميناء بيروت الذي يسيطر عليه “حزب الله” من أجل الالتفاف على العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه، حيث وفّر الكثير من احتياجات النظام عبر استيرادها إلى لبنان من خلال شركات محلية، ومن ثم تهريبها إلى سوريا عن طريق معابر خاصة يشرف عليها الحزب.

وتضاعفت حاجة الطرفين لهذا النوع من العمليات مؤخراً، مع دخول قانون العقوبات الأميركي الجديد “قيصر” حيّز التنفيذ، بدءاً من 17 حزيران/يونيو، ما يجعل من تفجير ميناء بيروت والآثار المترتبة عليه شديدة الأهمية بالنسبة للنظام السوري والقوى اللبنانية المرتبطة به والداعمة له.

مكاسب وخسائر حزب الله

الباحث اللبناني وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس خطار أبو دياب، رأى أن “تفجير هذا المرفق البحري الهام يشكل ضربة لجهود إطلاق عملية إعادة الإعمار في سوريا، التي كان الروس يخططون لها. ميناء بيروت الذي يُعتبر أحد أهم مرافئ شرق المتوسط، كان يعول عليه كثيراً كقاعدة رئيسية في هذا المجال كون المرافئ السورية محدودة الفاعلية”.

وأضاف أبو دياب في حديث ل”المدن”، أن هذا التفجير لن تقتصر آثاره الاقتصادية على لبنان، بل ستمتد إلى جميع دول المنطقة، ومنها سوريا، موضحاً “أن الهدف البعيد لمن قام بهذا العمل الإجرامي هو التدخل في عملية إعادة تركيب المنطقة التي باتت أكثر وضوحاً الآن”.

حزب الله يستفيد

ويرى الباحث السوري عبد الرحمن الحاج في تصريحات ل”المدن”، أن التفجير يصبّ في مصلحة “حزب الله” تماماً، وبالتالي مصلحة النظام السوري، فهو يستدعي تدخلاً دولياً عاجلاً لتقديم المساعدة التي حرم منها لبنان بسبب “حزب الله”.

وأضاف أن “هناك عدة نتائج سياسية واقتصادية مباشرة ستتولد عن انفجار ميناء بيروت، الأولى: هي التداعي من أجل مساعدة لبنان المنكوب وتخفيف القيود المفروضة عليه بسبب مساهمة حزب الله في الالتفاف على العقوبات المفروضة على النظام السوري، والنتيجة الثانية هي الدفع نحو حكومة جديدة سيستكمل من خلالها حزب الله السيطرة على القطاعات التي لم يسيطر عليها بعد في لبنان”.

فتح معابر برية

يقول عبد الرحمن الحاج إن الأثر الأساسي لقانون “قيصر” في لبنان قبل التفجير كان بالدرجة الأولى على البنوك والمصارف اللبنانية التي تمثل شريان تنفس للنظام، حيث قام “حزب الله” مع الإيرانيين بسحب الدولارات من سوق الصرافة، عبر صرافيه المنتشرين في كل مكان وحولها إلى سوريا، إلى جانب تشديد الرقابة على المعابر البرية غير الشرعية التي يديرها الحزب مع سوريا.

“حزب الله” الذي رفض سابقاً أي نوع من الرقابة على المعابر تحت حجة التواصل، ويرفض اليوم أي شكل من أشكال التحقيق الدولي المستقل حول التفجير، يرى الباحث اللبناني خطار أبو دياب، أنه سيستغل الانفجار الكارثي للمطالبة بفتح خطوط برية تصل لبنان بالعالم، وكل حدود هذا البلد البرية هي مع سوريا، وهذا لا يتم دون عودة التواصل اللبناني الرسمي مع النظام السوري.

تحسن الليرة السورية

وكان مسؤول فرنسي، رفض الكشف عن اسمه، قد صرح لوسائل إعلام لبنانية أنهم “سيراقبون عن كثب سير المساعدات الفرنسية والدولية، وسيضمنون عدم وصولها أو تسربها للنظام السوري”.

ولكن كيف سيكون تأثير هذا الحدث على الليرة السورية التي تعرضت الشهر الماضي لانهيارات كبيرة، قبل أن يتوقف هذا الانخفاض وتستعيد الليرة جزء مهماً من قيمتها؟

سؤال يجيب عليه عبد الرحمن الحاج بالتأكيد على أن “التفجير سيجعل جزءاً مهماً من المساعدات المخصصة للبنان تتدفق على سوريا، وهو ما سيخفف من تأثيرات قانون قيصر بخصوص توفر القطع الأجنبي، وبالتالي قد نشهد تحسناً في الليرة السورية في الأيام القادمة”.

لكن الحاج استدرك بالقول: “مع ذلك علينا ألا نتوقع أن هذا سيحل مشكلة لبنان والنظام السوري اقتصادياً، بقدر ما هو تخويف للدول الكبرى بأن الضغط على لبنان سيؤدي لانهياره، وبالتالي يجب تخفيف الضغط عنه عموماً، وإعادة تقييم هذا الضغط حتى لا يؤدي لانهيار لبنان”.

يبدو التخوف كبيراً من استغلال “حزب الله” والأطراف الداعمة للنظام السوري أي حراك إيجابي لصالح لبنان بعد الكارثة التي تعرض لها، من أجل تخفيف الضغط على حكومة دمشق، خاصة مع الخبرة الكبيرة التي بات يتمتع بها نظام الأسد وحلفاؤه بالالتفاف على العقوبات والتهرب منها.

تخوف دفع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للتعهد من بيروت “أن أموال المساعدات لن تصل ليد الفاسدين، بل ستشرف الحكومة الفرنسية على توزيعها”، لكن ذلك لا يبدو كافياً كضمانات حسب الكثيرين، الذين يرون أن على اللبنانيين العمل بيقظة كبيرة لضمان عدم تسرب المساعدات التي ستقدم لهم إلى النظام في سوريا.

 

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى