تتعدد نعوت غرابة الرئيس الأميركي ترامب الآتي إلى السياسة من عالم صناعة الترفيه الأميركية وتجارة العقارات، وكل رصيدهما “الأخلاقي”. ومنذ فوزه بالانتخابات الرئاسية، والعالم يستعد لمواجهة إعصار غموضه وسيل أفكاره، التي تضرب بعرض الحائط بالمواثيق والقوانين الدولية. والالتزام بها شأن إنتقائي، لا يختار منها ترامب إلا بما يخدم شعاره “أميركا أولاً”، ولو على حساب مصالح الآخرين، من حلفاء وأصدقاء ومنافسين وأعداء.
بعد فرض رسوم جمركية مرتفعة على الحليفين كندا والمكسيك، والعدو المنافس الصين، عقد الاتحاد الأوروبي قمة تشاورية غير رسمية، للبحث في كيفية مواجهة الرسوم الجمركية المرتفعة الآتية حتماً. ولم يدع ترامب الأوروبيين ينتظرون طويلاً، بل أعلن في اليوم الذي التقى فيه القادة الأوروبيين في 3 الجاري، أن الولايات المتحدة ستفرض بالتأكيد رسوماً جمركية إضافية على الواردات من الاتحاد الأوروبي، “لأنهم يستغلوننا فعلاً”.
في يوم عودته إلى البيت الابيض، نشر موقع الخدمة الروسية في دولوتشيه فيله DW نصاً قدم فيه صورة ترامب في رئاسته الاولى. وصفه الموقع بأنه أكثر الزعماء الأميركيين تناقضاً، وتفرد بكونه الرئيس الأميركي الوحيد الذي تعرض مرتين لمحاولة إسقاطه، والمرة الثانية كانت قبل أسبوع من نهاية ولايته، وبموافقة عشرة أعضاء من مجلس النواب الجمهوريين.
المعلق السياسي الرئيسي في وكالة نوفوستي Peter Akopo وصف ترامب بأنه “رشاش أفكار”، ويقترح الآن خطة جديدة لغزة، تقضي بتوطين الفلسطينيين في دول أخرى، “وبطبيعة الحال، فقط من باب الاهتمام بهم”.
نص معلق نوفوستي نقلته في 27 المنصرم وكالة الأنباء الروسية Regnum، وأشار فيه إلى تبرير ترامب ترحيل الفلسطينيين. في تفسيره لإطلاق مبادرته، قال ترامب بأن كل شيء في غزة مدمر تقريباً، والناس يموتون، ولذلك “أفضل أن نتعاون مع بعض الدول العربية ونبني مساكن في مكان آخر حيث أعتقد أنهم يستطيعون العيش بهدوء وسلام… هذا السكن قد يكون مؤقتاً أو طويل الأمد. نحن نتحدث عن مليون ونصف المليون شخص، وسنعمل بكل بساطة على استعادة النظام ونقول “كل شيئ أصبح وراءنا الآن”.
يشير المعلق إلى ترحيب وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش بمبادرة ترامب، ودعوته إلى وضع خطة لتنفيذها بأسرع وقت ممكن، ومساعدة “هؤلاء الناس” للعثور على أماكن أخرى حتى يتمكنوا من بدء “حياة جديدة جيدة”. لا يستغرب الكاتب رد فعل القادة الإسرائيليين المماثل على خطة ترامب، إذ يرى أنها تكرر ما يحلم به هؤلاء وهم يشنون حربهم على غزة منذ 7 أكتوبر 2023. فالضغط على الفلسطينيين وإخراجهم من غزة، ثم ضمها، إن لم يكن بالكامل، فجزئياً، هو الحد الأقصى للبرنامج الذي وضعته إسرائيل لنفسها. لقد قتلت إسرائيل وجرحت 200 ألف فلسطيني، ودمرت معظم مساكن غزة وبنيتها التحتية، وارتكبت إبادة جماعية حقيقية، ومع ذلك، لم تتمكن من إفراغ القطاع من الفلسطينيين.
تحدث المعلق عن معلومات لم يذكر مصدرها، تشير إلى مفاوضات أجرتها إسرائيل مع دول أوروبية (هنغاريا والنمسا على قوله) لتتلمس إمكانية أن تتقدم أوروبا بخطة “مهمة إنسانية” تقضي بترحيل سكان غزة إلى أي بلدان أخرى في أفريقيا أو آسيا. وتحدث الإسرائيليون علناً عن رواندا، واقترحوا على مصر شطب ديونها الأوروبية، مقابل استقبال مئات الآلاف من سكان غزة. وها هو ترامب يطرح الآن فكرة مماثلة، يغطيها بالقلق على الموتى في غزة المدمرة.
ويرى المعلق في ذلك “حلقات سلسة واحدة”، حيث يقوم البعض بتدمير كل ما يمكنهم تدميره وقتل عشرات الآلاف من النساء والأطفال، ثم يقوم آخرون، بحجة إنقاذ من تبقى من التعساء، بعرض بناء منازل لهم في دول أجنبية: مؤقتة أو دائمة، “فقط، إرحلوا”. يتساءل الكاتب ما إن كان لخطة ترامب حظوظ بالنجاح، ويسهب في عرض الأسباب المعروفة التي تحول دون استقبال الفلسطينيين من قبل مصر والأردن ودول إسلامية أخرى، وفي مقدمها الخشية من المساهمة في طمس حل الدولتين.
موقع Vesty-Ynet الناطق بالروسية والتابع لمجموعة يديعوت أحرونوت نشر في 29 المنصرم نصاً رأى فيه أن مخطط ترامب لترحيل سكان غزة قد صدم العالم. قال الموقع أن مخطط ترامب لتهجير سكان غزة، وكرر الحديث عنه في الأيام الأخيرة، أحدث صدى كبيراً في العالم، وشكل صدمة حقيقة في البلدان المقترحة لاستضافة 1,5 مليون فلسطيني من غزة. وفي الوقت عينه، ليس من الواضح تماماً مدى الجدية التي يأخذ بها ترامب نفسه فكرته. فهل هي وسيلة للضغط على الفلسطينيين، أم أنها خطة حقيقية ستروج لها الإدارة الأميركية.
الموقع عينه نقل إلى الروسية في 30 المنصرم نصاً لمتابع للشؤون العربية في يديعوت أحرونوت Smadar Peri، عنونه بالقول “الشرق الأوسط الجديد في رؤية ترامب: كيف ستنتهي “الهجرة الكبرى” من غزة؟”. وأرفق الكاتب العنوان الرئيسي بآخر ثانوي “دونالد ترامب لا يفرق بين العرب، فهم مجرد بيادق في لعبته الكبرى”.
رأى الكاتب أن التحدي الأخلاقي، الاجتماعي، السياسي والاقتصادي بالمقدمة، الذي ألقاه ترامب على مصر والأردن من خلال مطالبته بقبول سكان غزة، من الصعب عليهما هضمه، كما يقولان، لأنه لا يمكنهما تحمله. ويسهب الكاتب في الحديث عن الصعوبات التي قد يواجها الأردن في حال قبول مبادرة ترامب، ويقول بأن تنهدات الغضب وخيبة أمل الأردنيين، “كان يمكن سماعها في تل أبيب”.
وقال الكاتب أن قصة مصر مع اللاجئين من غزة أكثر تعقيداً مما في الأردن. وينسب إلى الرئيس السيسي قوله إنه لم يسمع قط عن مكالمة من البيت الأبيض، أي لم يكن هناك طلب بشأن قبول لاجئين من غزة. لم يكلف ترامب نفسه عناء الرد على السيسي، بل كرر مرتين أنه يتوقع تفهم القاهرة. ويشير الكاتب إلى أن ردود فعل القاهرة وعمان وسكان غزة على خطة ترامب، جاءت وكأنه صاغها رجل واحد: “لا أحد سيتحرك مكانه”.
في حديثه عن المعالم التي يرسمها ترامب للشرق الأوسط الجديد، قال الكاتب بان العالم العربي يراقب بقلق الرياح الجديدة في الأبيت الأبيض. فالسعودية لن تمول مصر والأردن، بل تفضل الإنضمام إلى الشرق الأوسط الجديد، وتولي اهتمامها لحاكم سوريا الجديد الذي طرد الإيرانيين من أراضيه. كما تولي اهتمامها للبنان جوزاف عون الجديد. وعندما يحين الوقت، ستنضم إلى خطة السلام السرية التي يتم تطويرها في واشنطن. ولهذا السبب سيكون نتنياهو الضيف الأول في البيت الأبيض: و”ترامب ينوي أن يعانقه بشدة ويضغط عليه بشدة”.
موقع Detaly الإسرائيلي الناطق بالروسية أيضاً، نقل في 28 المنصرم عن صحيفة هآرتس نصاً للكاتب السياسي الإسرائيلي المخضرم Zvi Barel عنونه بالقول “فكرة ترامب تهدد بزعزعة استقرار الشرق الأوسط”.
أسهب الكاتب في الحديث عن الصعوبات “الوجودية” التي تواجه مصر والأردن في حال استقبال لاجئين جدد من غزة. ويرى أن فكرة ترامب بشأن ترحيل سكان غزة، ليست مشكلة مصرية وأردنية فقط. فقد يترك هذا التهجير تأثيره على علاقات الولايات المتحدة مع العالم العربي بأكمله. وسوف يعرض للاختبار قدرة الأنظمة الحليفة الاستراتيجية للولايات المتحدة على التعامل مع الضغوط الشعبية في بلدانها بشكل جدي. وفي مثل هذا الوضع، قد يصبح حلم تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية ضحية هامشية لصفقة العقارات التي أبرمها ترامب في غزة.
المصدر: المدن