السلطة بين البارحة واليوم

د- حازم نهار

أولًا: البارحة تغلَّب عقل السلطة على عقل الثورة والدولة في آن معًا؛ كنا أمام اجتماع فصائلي يريد أن يكون جيشًا من دون مراعاة أساسيات تكوين الجيش الوطني: عقيدة عسكرية وطنية، غياب فصائل وجماعات عسكرية عديدة، غياب المنشقين عن الجيش السابق، غياب التنوع السوري في تشكيلات الجيش، إعلاء للجانب العسكري على حساب السياسة والمدنية، إلغاء المؤتمر الوطني السوري… إلخ.

ثانيًا: اليوم كنا أمام حالة أخرى فيها كثير من الإيجابيات، تغلَّب فيها عقل الدولة على عقل السلطة:

1- احترام تضحيات السوريين، الإعلاء من شأن المعتقلين والشهداء والجرحى والنازحين والمفقودين، وهو ما لم يحصل طوال 54 يومًا من عمر السلطة الحالية.

2- الاعتراف بفضل كثير من السوريين في إسقاط النظام السابق: “بسبب تضحياتهم وتضحياتكم جميعًا أقف هنا اليوم” (وهذا ضد كل من يردد عبارة غبية ومهينة للسوريين جميعهم: من يحرِّر يقرِّر).

3- تحديد دقيق وصحيح لوظيفة الرئيس: “لا كحاكم بل كخادم لوطننا الجريح” (وهذا ضد كل مظاهر وعبارات التبجيل التي بدأ بعضنا بترديدها).

4- الاعتراف بضرورة مشاركة السوريين والسوريات في الداخل والخارج في العملية السياسية (وهذا ضد منطق الإقصاء والاستبداد وضد منطق الغلبة العسكرية المدمِّر الذي يروج له بعضنا، وضد المنطق الذكوري ومع الاعتراف بدور المرأة السورية).

5- الإقرار بمبدأ الانتخابات الحرة والنزيهة مستقبلًا.

6- نقاط أخرى مهمة وإيجابية: الاعتراف بأهمية العدالة الانتقالية بدلًا من منطق الثأر والانتقام، لجنة تحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، الإعلان الدستوري، السلم الأهلي، وحدة سوريا، تحسين المعيشة والخدمات… إلخ.

ثالثًا: أما السلبيات التي ظهرت اليوم فهي:

1- عدم وضوح الإطار القانوني لتكليف رئيس إدارة العمليات العسكرية بمهمات رئاسة الجمهورية.

2- فقدان الاعتراف بدور الضباط والعساكر المنشقين الذين يُفترض أن يكون لديهم دور في بناء الجيش المستقبلي.

3- غياب الإقرار بخضوع الجيش المستقبلي للقيادة السياسية، وهذه نقطة من المهم أن تكون حاضرة ومعروفة للفصائل كلها.

4- الإشارة إلى نظام الشورى بدلًا من النظام الديمقراطي، فالأول يقتصر على الاستشارة بينما الثاني يتضمن المشاركة في القرار وفق مبدأ التصويت والانتخاب، على الرغم من إقراره في الخطاب بالانتخابات الحرة والنزيهة.

5- الإشارة إلى “مؤتمر الحوار الوطني” بدلًا من “المؤتمر الوطني السوري”؛ فالأول لا يزيد على كونه دردشة ومداولة بينما الثاني صاحب قرار.

6- لا يجوز بناء المجلس التشريعي عن طريق التعيين من قبل فرد واحد، بل يجب أن يكون حصيلة مؤتمر وطني سوري.

رابعًا: نصيحة متواضعة:

1- إذا أرادت هذه السلطة الحالية أن تكون سلطة وطنية فإن آخر ما تحتاج إليه هو التطبيل والتزمير، بل إن أكثر ما تحتاج إليه فعلًا هو النقد ثم النقد ثم النقد، ولا سيما مع وضوح أنها تستمع وتعدل من خطابها وأدائها.

2- إن أكثر ما يسيء إلى هذه السلطة إن أرادت أن تكون سلطة وطنية حقًا هو تقزيم نفسها أو أن يقزِّمها آخرون إلى سلطة “سنيّة”، ومن ثم إلى سلطة “أقلوية” مثل السلطة السابقة. كل سلطة لا تكون بحجم الوطن السوري وبحجم جميع السوريين، خطابًا وممارسة، هي سلطة “أقلوية”، بصرف النظر عن طائفة الرئيس.

3- من مصلحة السلطة الحالية، ومصلحتنا جميعًا، أن تشكل فريقًا استشاريًا متنوعًا وواسعًا قبل اتخاذها أي قرار بدلًا من إصدار قرارات والتراجع عنها مرات عديدة؛ مثلًا: أعلنت السلطة في البدايات عن أن المؤتمر الوطني سيعقد خلال أيام قليلة، ثم أعلنت عن عقده في 4 و5 يناير، ثم تأجيله إلى 15 يناير، ثم تأجيله إلى 20 فبراير، ثم أعلنت عن إلغائه لعدم توافر شروطه البارحة، ثم أعلنت اليوم عن نيتها تشكيل لجنة تحضيرية له.

المصدر: صفحة د- حازم نهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى