ترامب يعود.. قرارات صادمة تعيد تشكيل النظام العالمي وتختبر مستقبل التعاون الدولي

بشار الحاج علي

في 20 كانون الثاني 2025، وبعد عودته إلى البيت الأبيض، لم يضيع دونالد ترامب وقتاً في تأكيد رؤيته الانعزالية للعالم، حيث أصدر قرارات تنفيذية مثيرة للجدل في يومه الأول، ومن بين هذه القرارات، انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية.

هذه الخطوات لم تكن مجرد تحركات سياسية داخلية، بل كانت بمثابة تحدٍ مباشر للنظام الدولي القائم على التعاون متعدد الأطراف.

ماذا يعني الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ؟ هو ببساطة استمرارية في رفض الالتزامات البيئية.

فبعد العودة إلى السلطة، أعاد ترامب تأكيد موقفه الرافض لاتفاقية باريس للمناخ، معلناً انسحاب الولايات المتحدة و برر قراره بأن الالتزامات البيئية تعوق النمو الاقتصادي الأميركي، متجاهلاً التحذيرات العالمية من التغير المناخي وتأثيراته الكارثية.

هذه الخطوة أثارت قلقاً دولياً كبيراً، حيث كان العالم يأمل أن تعود الولايات المتحدة إلى لعب دور قيادي في مكافحة التغير المناخي، خاصة في ظل تصاعد الكوارث البيئية في السنوات الأخيرة.

قرارات ترامب في يومه الأول من العودة إلى البيت الأبيض تؤكد أن الولايات المتحدة تحت قيادته تتجه نحو سياسة انعزالية تعيد تشكيل ملامح النظام العالمي.

الانسحاب هذه المرة يأتي في سياق مختلف، إذ أن العالم شهد تطورات كبيرة في سياسات المناخ، مع تزايد التحذيرات العلمية حول تسارع التغير المناخي.

 هذا القرار يضعف الجهود الدولية، ويجعل من الصعب تحقيق الأهداف المناخية العالمية التي تعتمد بشكل كبير على التزام الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة.

الانسحاب من منظمة الصحة العالمية.. تحدي التعاون الدولي في الأزمات الصحية

قرار ترامب بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية، خاصة في ظل الأزمات الصحية المستمرة، يشكل ضربة جديدة للتعاون الدولي في المجال الصحي، وبعد سنوات من جائحة كوفيد-19، أدرك العالم أهمية منظمة الصحة العالمية في تنسيق الجهود الدولية لمواجهة التحديات الصحية العابرة للحدود. ومع ذلك، اعتبر ترامب أن المنظمة فشلت في إصلاح نفسها، واتهمها بأنها لا تخدم مصالح الولايات المتحدة.

هذا القرار يهدد بإضعاف النظام الصحي الدولي، حيث تعتمد العديد من الدول، وخاصة النامية منها، على دعم المنظمة في بناء أنظمتها الصحية.

الانسحاب الأميركي من المنظمة يعني تقليص التمويل والدعم الفني الذي تقدمه، ما قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الصحية العالمية.

أثر القرارات على النظام الدولي.. إعادة تعزيز النزعة الأحادية

قرارات ترامب، التي تكرس سياسة “أميركا أولاً”، تعكس توجهاً نحو تعزيز النزعة الأحادية على حساب التعاون الدولي. النظام العالمي، الذي يعتمد على مؤسسات مثل منظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس للمناخ، يعاني من تداعيات هذا الانسحاب المتكرر.

هذه المؤسسات تمثل الركائز الأساسية للنظام الدولي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، والذي يقوم على فكرة أن التحديات العالمية تتطلب حلولاً جماعية.

العودة إلى هذا النهج الأحادي يعزز الشكوك بين الحلفاء والشركاء الدوليين، الذين يعتمدون على التزام الولايات المتحدة في القضايا العالمية.

هذا الانسحاب يضعف الثقة في قدرة النظام الدولي على مواجهة التحديات المشتركة، ويعيد إنتاج أجواء التوتر والانقسام في العلاقات الدولية.

تداعيات القرارات على المدى الطويل.. تصاعد المنافسة الدولية

على المدى الطويل، قد يؤدي انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقيات ومؤسسات دولية إلى تصاعد المنافسة بين القوى الكبرى. الصين والاتحاد الأوروبي قد يستغلان هذا الفراغ لزيادة نفوذهما في الشؤون الدولية، ما يعيد تشكيل التحالفات ويؤدي إلى نظام عالمي أقل استقراراً وأكثر انقساماً.

كما أن هذه القرارات قد تشجع الدول الأخرى على تبني سياسات انعزالية مشابهة، مما يؤدي إلى تفكك النظام الدولي الذي يعتمد على التزامات مشتركة وتعاون متعدد الأطراف في غياب مواقف  أميركية موثوقة، يصبح من الصعب تحقيق تقدم في القضايا العالمية الكبرى، من تغير المناخ إلى الأزمات الصحية.

والجدير بالذكر أن هذه القرارات هي قرارات تنفيذية، وبالتالي فإن مدتها ستكون محددة بعام واحد، ما لم يتم تجديدها أو مراجعتها من قبل الكونغرس الأميركي. القرارات التنفيذية تتيح للرئيس اتخاذ إجراءات سريعة دون الحاجة إلى موافقة فورية من السلطة التشريعية، لكنها تظل خاضعة للرقابة والمراجعة من قبل الكونغرس، الذي يمكنه تعديلها أو إلغاؤها إذا لزم الأمر. هذه الطبيعة المؤقتة للقرارات تعني أن مصيرها قد يتغير بناءً على التحولات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة.

قرارات ترامب في يومه الأول من العودة إلى البيت الأبيض، تؤكد أن الولايات المتحدة تحت قيادته تتجه نحو سياسة انعزالية تعيد تشكيل ملامح النظام العالمي. هذه السياسات تعمق الانقسامات وتضعف الجهود الدولية لمواجهة التحديات المشتركة. العالم اليوم يقف على مفترق طرق، حيث بات من الضروري التفكير في كيفية الحفاظ على النظام الدولي القائم على التعاون، وضمان استمرارية العمل المشترك لمواجهة التحديات التي تواجه البشرية جمعاء.

في النهاية، تبقى التساؤلات قائمة حول مستقبل النظام العالمي في ظل هذه القرارات. هل سيستطيع المجتمع الدولي تجاوز هذه الأزمات وبناء نظام أكثر تعاوناً، أم أن النزعة الأحادية ستستمر في تقويض أسس النظام الدولي؟ فقط الزمن كفيل بالإجابة على هذه التساؤلات، لكنه سيكون زمناً مليئاً بالتحديات والاختبارات.

المصدر: تلفزيون سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى