لم تنتظر فلول نظام المقتلة الأسدية الإجرامية طويلًا كي تعيد ترتيب صفوفها، وصولًا إلى تحركات بالسلاح أو بسواه، بذريعة وجود المزارات الدينية والنصرة لها. ومهما قيل حول صحة أوعدم صحة التعدي على المزار الديني المشار إليه في مدينة حلب، وعن قدم الواقعة وعلى أنها فردية بحتة، ولا تتعدى ذلك، وقد تمت محاسبة من قام بها أو ارتكبها، من قبل قيادة العمليات العسكرية في حلب إبان تلك الفترة، لكن الذريعة هذه التي أدت إلى كل تلك التحركات الملفتة، جاءت بالضرورة بعد تهويلات وتحريضات حصلت منذ يومين عبر خامنئي مباشرة، وهو مايشير ويوحي إلى خطورة دولة إيران/ الملالي على ثورة الشعب السوري، واستمرارها في التعدي على الواقع السوري، ومحاولاتها المستمرة في إقلاق الحالة الأمنية السورية، بعد أن تم وعبر ثورة السوريين كنس الاحتلال الإيراني وكل ميليشياته الطائفية من الجغرافيا السورية، ومن ثم فرار رأس النظام بشار الأسد المجرم ومن معه، إلى دولة روسيا تحت جنح الظلام.
إن ماجرى مؤخرا في غير مكان من المحافظات السورية، ثم تمظهر السلاح بشكل كبير الموجود بين أيدي شبيحة النظام البائد، يؤشر ويدلل على مسائل عدة كان لابد من الانتباه إليها ومنها:
أن النظام السوري المجرم الهارب والمنسحب من المشهد السياسي السوري، من الممكن جدًا، بل من المؤكد أيضًا، أن يحاول إعادة ترتيب أموره، ليعود من النافذة الطائفية، وهو الذي طالما اشتغل عليها، وأثارها وأنتش بذورها، على مدى سنوات اختطافه للوطن السوري منذ 16 تشرين ثاني/ نوفمبر1970 وحتى الآن.
كذلك فإن نظام الملالي في طهران، وهو النظام الذي يحمل مشروعًا طائفيًا فارسيًا يستهدف المنطقة العربية برمتها، يشعر اليوم أنه انتكس وتراجع، وخسر سوريا وهي أهم بقعة جغرافية في مشروعه الفارسي وأطماعه، وهو الذي ظن منذ سنوات أنه قد حقق كثيرا على طريقه، بعد أن تمكن من الهيمنة على عدة عواصم عربية، بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. إذ إنه يعيش اليوم حالة فاقعة من الفوات والهزيمة، لن يقبل بها بسهولة، بل سيعمل نظام الملالي جاهدًا على إعادة الاشتغال من أجل الخروج منها، وقد تكون اليوم بوابة الخروح من ذلك هي مسألة إعادة إقلاق راحة السوريين، وكل أهل الثورة في سوريا.
علاوة على أن عدم الانخراط بمسألة التسويات المعلن عنها في المحافظات السورية، من قبل كثير ممن كانوا يعتبرون بمنزلة المداميك الأساسية في بنية النظام السوري السابق والآفل، يبين أن في جوانية تفكيرهم مازال يقبع موضوع وبؤرة الانتقام، ومن ثم إمكانية تحريك الأدوات، تحت ذرائع شتى، من أجل تحقيق وإنجاز بعض ماخسروه في ٨ كانون أول/ ديسمبر مع سقوط الطاغية.
كما أن ميليشيا حزب الله المنهزمة والمنسحبة من سوريا إلى الداخل اللبناني، هي اليوم تستقبل وتستضيف كثيرا من كبار ضباط النظام المجرم، وهي تحاول أيضًا لملمة الصفوف المنكسرة والمهزومة، وإعادة تنظيم كياناتها، وتفعيل تنظيم بعض خلايا ضباط الأمن للنظام السوري السابق وبتعليمات إيرانية مباشرة، إذ يجري العمل على تجميعهم من أجل إعادة تحريك الوضع السوري، والعمل على إزعاج الدولة السورية الجديدة، بشتى السبل، ومنه بالضرورة استخدام أدوات من العسكرتاريا كانوا من الأجسام المهمة في بنية النظام السوري السابق.
ولايغيب عن البال ولا المخيال ولايجب أن يغيب أنه مايزال هناك بعض الدول الأخرى ذات المصالح المختلفة، وقد تكون عربية، فإنها سوف تعمل على زعزعة الحالة الأمنية في سوريا مابعد انتصار الثورة، وإعادة إنتاج النظام السابق المحسوب عليها، فيما لو استطاعت، وتهيئة الظروف دوليًا وإقليميًا للقول: إن أهل الثورة السورية، وهم حكام دمشق الجدد، يثيرون النعرات الطائفية، ويعتدون على بعض الأقليات داخل الجغرافيا السورية، حيث يدرك الجميع أن التعدي على الأقليات يعتبر خطًا أحمر لدى الغرب ودوله جميعا.
أمام هذه التحديات وهذا الواقع المشتبك ببعضه (كوقع الصياصي في النسيج الممدد)، لابد من إعادة ترتيب الصفوف، والإسراع في حل الفصائل السورية، وبناء الجيش السوري الوطني الموحد، وأيضًا العمل على بناء جهاز أمني شرطي متمكن، يسهم في ضبط الانفلات الأمني، في بعض أماكن تواجد حاضنة النظام السوري السابق وإحالة كل من شارك أو يشارك في إقلاق الوضع الداخلي في الوطن السوري، إلى المحاكم العادلة، التي لابد أن تتشكل عاجلًا وغير آجل، وبإشراف دولي، حرصًا على نزاهتها، واستمرار عملها القانوني الحقوقي العادل والنزيه. ومن ثم إعطاء المزيد من الحرية، من دون أن يسمح ذلك أبدًا، أو يؤدي (مهما كانت الظروف)، إلى وجود أي سلاح في أيدي المنفلتين من عقالهم، والعمل بكل حزم وتمكن واعٍ في ذلك، من دون ترهل أو تراخٍ، فالوطن السوري ووحدته ورفعته أهم من أي تشكيل أو فرد أو مجموعة أفراد مهما كانوا.
إن الواقع الآني مابعد انتصار الثورة السورية ثورة الحرية والكرامة، وبعد كل تلك التضحيات على مذبح الحرية، هو واقع دقيق وصعب، ويمكن أن يشتغل فيه سلبًا من قبل كثيرين، ممن سبق وكانوا مع النظام البائد، أو أنهم شاركوا في المقتلة الأسدية والإجرام الأسدي والإيراني شريكه في القتل والاحتلال، وكذلك من ساعد النظام المجرم الفاشيستي سابقًا، في تشييد وإقامة دولته الأمنية الكبتاغونية، وهؤلاء من الممكن أن يكون لديهم خبرة ودراية في العمل العسكري والإجرامي، بكل تأكيد، وهو مايفترض المزيد من الانتباه والرصانة والحرص الشديد، وعدم السماح لأي من القوى المنتشرة في بعض أماكن تواجد حاضنة النظام الهارب والفار، والقبض عليهم، وإحالتهم قانونيًا إلى المحاكم العادلة، في حين يتجه الوطن بكليته هذه الأيام وبعد كنس الطاغية، إلى بناء الوطن السوري الذي تسوده الحرية وسيادة القانون، التي طالما حرم منها السوريون على مدى حكم آل الأسد.
المصدر: تلفزيون سوريا