هذه رسالة موجهة إلى كل المعارضة السورية في الخارج….. إلى ائتلاف قوى الثورة والمعارضة، إلى هيئة التفاوض، إلى منصة القاهرة، إلى منصة موسكو، وإلى الشخصيات العامة وكل التشكيلات التي أعلنت عن نفسها بأنها معارضة للنظام الأسدي البائد، وأنها تسعى إلى تغييره، وأن وجودها خارج سوريا كان بحكم الاضطرار.
إلى كل هؤلاء أتوجه برسالتي، رسالة مفتوحة، ومعروضة على الجميع، وعلى جميع الأصدقاء والأخوة، وهي بطبيعتها لا تحمل تقويما لأحد، ولا حكما على أحد، وإنما تأخذ بما يقول كل من هذه التشكيلات والمؤسسات والشخصيات عن نفسه، من موقع وصفة.
لقد انتهى نظام الأسد، وأمكن بنضال وجهاد الشعب السوري الذي كان الحراك الثوري الذي ابتدأ في مارس 2011مشواره الأخير في الثورة على النظام الأسدي أن يصل إلى الهدف الذي أراد، وأن يكنس هذا النظام محققا إنجازا فاق أكبر طموح للعقل السياسي والقوى السياسية في سوريا.
ولا شك أن السوريين متباينين ـ منذ فترة ليست بالقصيرة ـ في الحكم على هذه المعارضة الخارجية، كما أنهم متباينين في الحكم على المعارضة الداخلية التي رفضت مغادرة سوريا، وتحملت عبء العمل والنضال تحت إرهاب النظام ودفعت من رجالاتها وقياداتها الكثير من الشهداء والمفقودين شأن كل شعبنا.
لا شك في وجود هذا التباين، وقد تكون هذه المعارضة عظيمة، وأدت دورها كأفضل ما يمكن وفق الظروف التي أحاطت بها، وقد تكون خلاف ذلك، كل هذا الآن ليس مهما.
لقد طويت صفحة ذلك النظام المجرم، وعشنا جميعا جانبا من فرحة الشعب السوري ابتهاجا حتى درجة النشوة بما تحقق، وسعادة لا تطالها سعادة بالخلاص من كابوس كان الظن أن الخلاص منه أقرب إلى المستحيل، وبتنا الآن أمام نظام جديد، نظام تتشكل بالكاد ملامحه، قد نتوافق معه توافقا تاما، وقد نختلف معه اختلافا تاما، وقد يكون بعضنا بين هذا وذاك.
كل الظروف التي كانت معتبرة سببا في الخروج من سوريا قد انتهت، وبات مطلوبا من قوى المعارضة السورية أن تساهم مساهمة فاعلة في صوغ سوريا المستقبل، وإذا كان مفهوما، ومقبولا عند الكثير أن تكون محاولة مساهمة السوريين من “الخارج”، فقد انتهت هذه المبررات، وصار مطلوبا أن تكون مساهمة السوريين بمختلف تشكيلاتهم مساهمة من “الداخل”، لم يعد الوجود في الخارج مبررا، بل بات منقصة، وغير مقبول، على الجميع أن يعود إلى سوريا، وأن يساهم مساهمة مباشرة في صوغ مستقبل هذا البلد، وأن يعمل مع الجمهور السوري مؤثرا في الحراك الوطني الراهن، وإذا كانت سوريا في مرحلتها الراهنة بأمس الحاجة إلى أبنائها ورجالاتها، فإن هذه المعارضة هي نفسها بأمس الحاجة لاختبار أفكارها ومشاريعها ورؤاها في بيئتها الشعبية الطبيعية.
لم يعد هناك مبرر لأن تجتمع المعارضة في أي مكان خارج سوريا، لم يعد هناك مبرر لأن يكون اجتماع المعارضة استضافة من اي دولة أو مؤسسة أو منظمة.
باب دمشق مفتوح لكل سوري، لكل معارض، لكل هيئة من هيئات المعارضة السورية.
لا ضرورة لمناقشة القرار الأممي 2254 خارج سوريا، أو مع أي جهة خارجية، لقد صدر هذا القرار عن مجلس الأمن الدولي في 18 ديسمبر 2015 وكانت المعارضة في جانب، والنظام الأسدي في جانب، وقد بني هذا القرار على هذه القاعدة، وعلى مدى ثماني سنوات، ونتيجة موقف النظام البائد لم تستطع كل الاجتماعات والجهود والمبعوثين الدوليين أن يحققوا أي تقدم في تطبيق هذا القرار رغم كل التساهل والتنازل والليونة التي أبدتها المعارضة.
الآن انتهى هذا الأساس الذي بني عليه هذا القرار، هذا يفرض بالتأكيد تغييرا في صلب هذا القرار وفي آليات تطبيقه وعمله، وعدم إدراك هذه الحقيقة يعني عدم إدراك أبعاد ما تحقق بإسقاط النظام.
يجب على القوى السياسية السورية، قوى المعارضة السورية، أن تناقش هذا الأمر مع القوى الثورية الجديدة التي أسقطت نظام الأسد، حتى يتفق الجميع على ما يجب أن يتغير من هذا القرار، وحتى يتجه الجميع إلى المنظمة الأممية، لتعديل هذا القرار ليصبح في خدمة سوريا المستقبل بشكل حقيقي.
مع سقوط النظام ـ وعلى وجه الحقيقةـ، لم يعد هناك طرفان، صار هناك طرف واحد، مكون من قوى متعددة، فيها آراء مختلفة أو قد تكون مختلفة، ومن العقل والحكمة أن تتجه هذه القوى بمختلف مكوناتها إلى المجتمع الدولي، وإلى النظام العربي أيضا، لدعم المرحلة الجديدة، ولطلب مساعدة سوريا للخروج من الجحيم الذي صنعه النظام البائد لها شعبا وأرضا وحضارة، وليتحقق لسوريا وحدتها الجغرافية التامة، ووحدتها المجتمعية الصحية، وأمنها الداخلي والخارجي. وليستطيع هذا الشعب تحقيق سلامه الاجتماعي بمعرفة مصائر أبنائه الذين غيبوا في سجون النظام البائد، وبإعمال آليات “العدالة الانتقالية” حتى تطمئن النفوس، وتهدأ.
مطلوب مع كل المعارضة أن تتجه إلى الداخل، إلى دمشق، وأن يصبح الداخل هو ميدان الحوار، وحاضنه ومستقره، وأن تنتهي مرة واحدة ونهائيا الحاجة إلى الجوء للخارج لممارسة حق المعارضة، ولممارسة حرة الكلمة، وحرية تشكيل الأحزاب، وحرية التيارات السياسية في التعبير عن نفسها، وحرية المفكرين والأدباء والفنانين في تقديم اسهاماتهم دون خشية ودون خوف وتحسب.
لن يُقبَل من أحد من أصحاب الرأي والموقف أن يتخلف عن العودة بأي سبب أو عذر عام، وسيكون أي تأخر أو تحجج مصدرا للقلق والشك، وطعنا في المصداقية.
لتكن عودة هذه المعارضة بمختلف أطيافها إلى الداخل رسالة إلى كل السوريين في الخارج من أجل العودة، ومقدمة لعودة اللاجئين، وبيانا بأننا أمام وضع جديد يبنيه السوريون بعملهم وتعاونهم وتنافسهم. وإليهم يعود تحصين سوريا من المخاطر التي لا تزال تحيط بها، ومنها مخاطر التقسيم، ومخاطر بقايا النظام البائد والمنتفعين منه، ومخاطر قوى الإرهاب.
17 / 12 / 2024