رسائل تركية من الجامع الأموي في دمشق

سمير صالحة

امتعض البعض في طهران وموسكو والعديد من العواصم عندما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أسبوعين: “إدلب ثم حلب وبعدها حماة وحمص، والأنظار نحو دمشق”. حتمًا هم منزعجون وقلقون أكثر اليوم، بعدما اختار رئيس جهاز الاستخبارات التركية إبراهيم كالن خلال زيارته الخاطفة والمفاجئة لدمشق الذهاب لأداء الصلاة في الجامع الأموي والتجول في المكان وسط حشد جماهيري كبير. فلمن كانت الرسالة وما هو مضمونها؟

بعض الإجابات قد تكون عند وزير الخارجية التركي هاكان فيدان عندما يقول إن الشعب السوري ليس في وضع يسمح له بإعادة البناء بمفرده، وإن الجهات الفاعلة الدولية والقوى الإقليمية يجب أن تتصرف بحكمة وتحافظ على سلامة الأراضي السورية.

بعضها الآخر قد يكون عند المرشد الإيراني علي خامنئي الذي يردد أنه يمتلك أدلة لا تقبل الشك بأن ما حصل في سوريا تم التخطيط له في غرفة عمليات أميركية وإسرائيلية، وأن دولة جارة لنا لعبت دورًا واضحًا في إسقاط نظام الأسد وهي تواصل العمل في ذلك.

أو عند رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني الذي قال قبل عقد من رحيل الأسد إنه لا ينبغي لتركيا تحميل إيران وحزب الله مسؤولية فشلها في سوريا بسبب حساباتها الخاطئة.

أو ربما عند وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي قال قبل أيام من فرار الأسد إلى موسكو: من الضروري فصل مسلحي جماعة “هيئة تحرير الشام” الإرهابية المحظورة في روسيا عن المعارضة المعتدلة. وأن “هجمات هيئة تحرير الشام الإرهابية تم التخطيط لها مسبقًا ونحن نساعد سوريا في التصدي لها”.

أو لدى الرئيس الأميركي جو بايدن الذي بعث بوزير خارجيته بلينكن إلى أنقرة لإبلاغها أن بلاده ستدعم “بشكل كامل” العملية الانتقالية في سوريا التي ستتم تحت رعاية الأمم المتحدة وتحت قيادة السوريين، وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2254.

أو قد تسهم في حسمها مفاوضات السوريين حول مستقبل شرق الفرات وما تطرحه قوات سوريا الديمقراطية على من يساومها بشأن مشروعها السياسي والدستوري في هذه الساعات بعد نجاح تجارب الانسحاب من تل رفعت ومنبج ودير الزور بانتظار الرقة.

رسالة الجامع الأموي حملت معها حقيقة وجود تفاهمات إقليمية على إزاحة الأسد، لكن الحوار الإقليمي حول ما بعد الأسد لم يكتمل أو يُحسم حتى الآن. وطرحت تساؤلات حول: هل المسألة تتوقف عند إعادة بناء سوريا؟ أم أن هناك مراحل ومسارًا تفاوضيًا سياسيًا ودستوريًا وأمنيًا طويلًا سيسبق ذلك، بدأه كالن من الجامع الأموي الذي كان لسنوات طويلة في قلب النقاشات السياسية التركية بسبب تعقيدات الملف السوري؟

فأي مسار ستدعمه أنقرة لبناء الدولة السورية الجديدة؟ الإقليمي أم الأممي؟

  • مسار إقليمي يبقي الطاولة التي تم ترتيبها لإزاحة الأسد وإيصال الأمور إلى ما هي عليه اليوم، ويطلق يدها مجددًا لبحث المشاركة في رسم معالم خارطة الطريق السورية السياسية والدستورية والاقتصادية الجديدة؟
  • أم المسار الأممي المدعوم من قبل واشنطن وأوروبا والعديد من العواصم العربية باتجاه الذهاب نحو مرحلة انتقالية تُشرف عليها الأمم المتحدة انطلاقًا من القرارات الدولية حول سوريا؟

ما سيساعد أنقرة على حسم موقفها هو:

  1. فرص مواصلة الحوار أمام الطاولة الإقليمية القائمة حول سوريا، والتي تجمع أنقرة وواشنطن وبعض العواصم العربية وموسكو وتل أبيب في مفاوضات مباشرة أو عبر قنوات تواصل استخباراتي ودبلوماسي.
  2. نتائج زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي غاب طويلًا عن أنقرة، وها هو يعود “مرغمًا أخاك لا بطل” للتفاوض معها حول الممكن والمستحيل في الصفحة الجديدة من العلاقات، وتحديدًا الشق السوري فيها، وما الذي سيضعه في حضن دونالد ترمب قبل وصوله إلى البيت الأبيض.
  3. فرص تشكيل حكومة ائتلافية سورية واسعة تشارك فيها كل القوى الثورية والمجتمعية الرئيسية، بما يضمن تمثيل المكونات السورية أمام طاولة المصالحة الوطنية. وأن وصول هيئة تحرير الشام إلى دمشق لا يعني بالضرورة بقاءها هناك أو تبني السوريين لما تقوله وتريده.
  4. التفاهمات السورية-السورية حول الانطلاق في عملية وضع دستور سوري عصري ديمقراطي جديد بمشاركة سياسية وشعبية واسعة، بعيدًا عن الهدف الأميركي بتقديم النماذج العراقية واليمنية والسودانية.

يؤكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن تركيا ستواصل تقديم دعم قوي للشعب السوري وضمان وحدة أراضيه والحفاظ على سلامتها، بالإضافة إلى محاربة الإرهاب وتحقيق التعايش السلمي بين جميع السوريين بمختلف مكوناتهم العرقية والدينية. ويتابع: “عملية العودة الكريمة والآمنة والطوعية للسوريين إلى وطنهم قيد التخطيط، وأعمال إعادة إعمار سوريا ستسهم في تسريع هذه العودة”.

تعرف أنقرة أن هناك من سيحاول إضعافها في سوريا بعد أخذها للكثير في الأيام الأخيرة من دون أن تعرض نفسها ومصالحها للخطر الكبير هذه المرة. وتعرف أن واشنطن لن تكتفي بما يقوله وزير خارجيتها بلينكن قبل ساعات من وصوله إلى أنقرة: “يجب أن تكون العملية الانتقالية شاملة وغير طائفية”، و”يجب أن تدعم جميع السوريين وتحمي حقوقهم، بمن في ذلك الأقليات ومنها النساء”. لكن ما لا يريد بعضهم تذكره هو حجم التكاليف والأعباء التي تحملتها في سوريا طوال سنوات وقبل توجه كالن للصلاة في المسجد الأموي.

ستضع تركيا مصالحها وحساباتها في سوريا أمام أعينها وهي تفاوض وتتحدث إلى اللاعبين المحليين والإقليميين المؤثرين هناك. لكنها:

  • لن تتخلى عما شيدته من علاقة متماسكة مع كثير من القوى السياسية السورية، في إطار الدفاع عن وحدة سوريا وسيادتها واستقلالها وعروبتها والحؤول دون مخططات التفتيت والتقسيم هناك.
  • لن تتجاهل أن مشروع قسد في سوريا هو هدف إقليمي للبعض، حتى ولو اقتنعت قسد بمراجعة كامل سياستها السورية.
  • لن تعرض للخطر سياستها العربية الجديدة وعلاقاتها الاستراتيجية مع روسيا.
  • لن تتخلى عن حقيقة وجود اللاعب الإيراني المؤثر في الإقليم، حتى ولو تلقى كل هذه الضربات الموجعة في لبنان وسوريا.
  • لن تفرط بالعروض التي سيقدمها ترمب بعد أسابيع.
  • لن تتجاهل أن القوات الإسرائيلية تجلس فوق قمة جبل الشيخ لتستقوي بها عن بُعد.

بعد أقل من ثلاثة أشهر، من المفترض أن نتعرف إلى نتائج ما فعله الثنائي البشير-الشرع. لكن بالنسبة لأنقرة لا شيء محسوم أو نهائي حتى الآن، وهو مرتبط بالتفاهمات السورية-السورية والدعم الإقليمي لهذه التفاهمات، وديناميكيات التعامل مع الملفات الكثيرة الساخنة المرتبطة بسوريا، والعامل الإسرائيلي، ومتى سيخرج البعض من حالة الهستيريا السورية وقبول حقيقة وجود أكثر من فاعل إقليمي يريد معرفة ما سيحل بمصالحه في سوريا؟ وأي نموذج سيناقشه السوريون عند بناء دولتهم الجديدة؟ ومن الذي سيكون حاضرًا في نقاشات سوريا الموحدة أم سوريا الاتحادية؟ أم الذهاب وراء سيناريو تشكيل لجان حل سياسي على طريقة لجنة الإنصاف أم لجنة الحقيقة أم لجنة المصالحة الوطنية أو التسوية والوساطة؟ وبناء سوريا على الطريقة اللبنانية أم العراقية أم السودانية أم الجنوب أفريقية أم الأرجنتينية كما يخطط ويريد البعض؟

المؤشرات تذهب أكثر باتجاه أن سوريا بلباسها التقليدي وزيها العربي، ولكن بطلة سياسية دستورية اجتماعية معاصرة، دعمها البعض في مهمة تسهيل ولادة عقد اجتماعي سوري جديد، هي التي ستنتصر.

المصدر: تلفزيون سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى