تحديات واسعة تحملها تطورات اليوم التالي لسقوط الأسد

ما إن بسطت الإدارة العسكرية سيطرتها على عموم البلاد – باستثناء مناطق سيطرة قسد – حتى أنشأت “إدارة سياسية” في العاصمة دمشق، للإشراف على تسيير شؤون البلاد، في انتظار إجراء الترتيبات اللازمة لإقامة نظام سياسي جديد.

وأرسلت الإدارة برسائل طمأنة خارجية، بعد نشرها لرسائل مشابهة وجهتها للداخل، تؤذن بعهد جديد خال من الصراعات والعداوات، وهو ما تلقته العديد من الجهات الإقليمية والدولية بإيجابية وترحيب.

وكان من أبرز تلك المواقف إعلان الخارجية الصينية عن أملها في أن “تتمكن جميع الأطراف من إيجاد حل سياسي للأزمة في سوريا”، فيما سمحت روسيا برفع علم الثورة السورية على مبنى السفارة السورية في العاصمة موسكو، ونقلت صحيفة واشنطن عن مسؤول رفيع في الإدارة الأمريكية، توقعه “رفع هيئة تحرير الشام من قائمة الإرهاب”، فيما وصف مسؤولون أمريكيون الخطوات التي قامت بها الإدارة الجديدة بالإيجابية “حتى الآن”، لكن المفوضية الأوروبية أكدت عدم تواصلها معها، حيث “نحتاج لتقييم أفعالها قبل النظر في إزالتها من قائمة العقوبات”.

وحول ما هو مطلوب من إدارة الشؤون السياسية في المرحلة الحالية، قال حسام نجار الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الدولي، لموقع حلب اليوم، إن “المرحلة الجديدة لسوريا يجب أن تبنى على قواعد أساسية راسخة لا تقبل التعديل والهدم، وتبنى على التكاتف والتعاون وإعطاء كل ذي حق حقه، وعلى الرؤى المستقبلية التي تحتاجها البلاد”.

من جانبه قال الكاتب والمحلل السياسي السوري أحمد مظهر سعدو، لحلب اليوم، إنه “لا بد من الاشتغال على بدء اليوم التالي عاجلا، بعد سقوط نظام وعصابة الطغيان الأسدي.. وأولى أولويات ذلك تشكيل حكومة انتقالية تمسك بالشؤون المدنية والخدمية والسياسية حتى لاتنفلت الأمور”.

وبدت تركيا من أكثر الدول المرحبة بالتغيير الجديد، حيث قال وزير خارجيتها هاكان فيدان إن أنقرة تنتظر من اللاعبين الدوليين والأمم المتحدة دعم الشعب السوري في تشكيل إدارة شاملة، حيث أن “السلام الدائم في سوريا يتحقق عبر تسوية وطنية بين الأطراف السورية”.

كما أعرب عن أمله في أن تكون سوريا “بلدا تحكمه إدارة تشمل كل الأطراف والأعراق ولها علاقة جيدة مع جيرانها”.

إرادة إلهية بإنهاء الظلم والاستبداد

كانت التطورات مفاجئة جدا لجميع المراقبين، داخل البلاد وخارجها، ولم يُخف مسؤولون أمريكيون ذلك، كما أكد السوريون أنفسهم أن حجم التغير كان أكبر بكثير من المتوقع.

ووصف نجار ما جرى بأنه “إرادة إلهية بإنهاء عصر الظلم و الاستبداد، وبدء عهد النور و النهوض.. أدواتها نفوس لا تخاف ويقين بقدرة الله على تحقيق العدل والنصر، سواعد حملت البندقية تحميها عناية ربانية ودعوات الأمهات الثكالى وأرواح الشهداء وآهات المعتقلين وصرخات النساء، لقد انتهى عصر طالما جثم على صدور السوريين وفعل بهم ما لم تفعله الهمجية الأولى، هذا العصر علينا أن نضعه خلف ظهورنا لكن يجب أن لا ننساه لأنه درس وعبرة لكل ما يأتي”.

ومع ذلك التغير الكبير، برزت الحاجة إلى جهود استثنائية تناسب حجم التطورات، وباتت المسؤولية الملقاة على عاتق السوريين أكبر من ذي قبل.

تغيير الدستور والحكومة

يقول نجار إن “تشكيل الحكومة يجب أن يكون من التكنوقراط وأهل الاختصاصات” مضيفا أنه من المهم “دعم هذا الأمر بروح شابة قادرة على ملء الفراغ، تضاف لهم مجموعة من المستشارين من أهل الخبرة و الدراية، وأن تكون متوازنة ولا تهم الطائفة أو العرق فيها ما دام هدفها بناء سوريا.. الرجل المناسب في المكان المناسب”.

ومضى بالقول: “في كل الدول التي تنتصر فيها إرادة الشعوب يتم تشكيل حكومة مؤقتة لتسيير الأعمال، لكن أهم عقدة يمكن أن تواجه سوريا الآن هي الدستور و ما يرتبط به، هل تتابع اللجنة الدستورية عملها أم يتم تشكيل لجنة جديدة؟ أو يتم الاعتماد على الدساتير السابقة؟ هذا الأمر يجب أن لا يعيق الحكومة المؤقتة عن تسيير أمور البلاد، والموضوعان غير مرتبطين ببعضهما البعض، فالحكومة تنفيذية والدستور سيادي”.

من جانبه دعا سعدو إلى “الاتكاء على القرار الأممي ٢٢٥٤ وإنجاز متطلباته عبر حوار جدي آني بين فصائل ردع العدوان وكل الطيف السياسي السوري وكل مكوناته في الداخل والخارج، وعلى أسس موضوعية وتكنوقراطية بعيدا عن كل من كان يشارك في حكومة الأسد المجرم”.

ووجهت إدارة الشؤون السياسية في دمشق، اليوم الاثنين، نداء إلى “السوريين الذين أجبروا على المغادرة للعودة والمساهمة في بناء سوريا”، مؤكدة أنها “ستعمل على تهيئة الظروف وضمان بيئة آمنة لاستقبال السوريين العائدين”.

كما تعهدت ببناء “دولة قانون تضمن الكرامة والعدالة ومؤسسات تلبي طموحات الشعب”، مؤكدة أن “المرحلة القادمة تتطلب مصالحة مجتمعية شاملة مبنية على العدالة والمساواة”، وأنها “ستعمل على معالجة آثار الماضي عبر آليات شفافة تهدف لتحقيق السلام الدائم”.

إنهاء الصراعات الخارجية

عقدت إدارة الشؤون السياسية في دمشق، صباح اليوم، اجتماعات مع بعثات دبلوماسية أجنبية لبحث الوضع الحالي في سوريا، وقالت إن “قيادة سوريا الجديدة تتطلع لتعزيز علاقتها مع كل الدول على أساس الاحترام، وتسعى إلى دور بناء في المنطقة والعالم بما يحقق الأمن والاستقرار.

ويرى نجار أنه “على من يكلف بإدارة البلاد في هذه المرحلة التي تحمل في طياتها خطوات التأسيس لسوريا حديثة، إنشاء علاقات دبلوماسية متينة وتعاون وتفاهم مع الجميع ووضع سوريا لتكون مؤثرة في المجتمع الدولي، فهذه المرحلة هي مرحلة تثبيت وتمكين الانتصار والبدء بخطوات إيجابية لتأمين معيشة الشعب واحتياجاته الضرورية كي تثبت أنها آتية للتغيير الحقيقي”.

وأشار إلى وجوب “سحب السلاح وضبط الأمن وتشكيل لجان محلية في كل منطقة لتطمين الناس وحل مشاكلهم، وتطمين الخائفين من الأقليات وزرع الثقة بينهم وبين الحكومة والدولة الجديدة، وإنشاء وحدات ومجموعات عمل قانونية للبحث بالاتفاقيات التي أبرهما الأسد والبحث في طرق الانتهاء منها، وأيضا موضوع الأملاك العقارية المستولى عليها من النظام و أتباعه، وهو ما يحتاج فترة لا بأس بها”.

ماذا عن الجيش؟

مع الانهيار الكبير لقوات الأسد وفرار الميليشيات الإيرانية لخارج البلاد، تحولت جلّ الأسلحة التي كانت بحوزتهم إلى غنائم سيطرت عليها الإدارة العسكرية، باستثناء المستودعات والمطارات التي دمرها الاحتلال الإسرائيلي عبر غاراته المستمرة منذ أمس.

ولفت نجار إلى أهمية الجيش، فهو “مشكلتنا التي يجب الوقوف عندها مطولاً”، متسائلا: “ما هي طبيعة الجيش وعن أي جيش نبحث؟ هل هو قتالي دفاعي؟ أم لحماية الحدود؟ هل يملك عتادا وأسلحة متطورة دفاعية وهجومية؟ وهل سيسمح ببناء هذا الجيش؟.. عندما نجيب عن تلك الأسئلة يمكننا البحث مطولاً بكيفية العمل عليه”.

بدوره رأى سعدو أن جيش المستقبل “يحتاج إلى مزيد من الوقت ولابد من وضع الأسس الموضوعية استنادا إلى التشكيل المجتمعي المتنوع وليس الطائفي”، لافتا إلى أن “هناك الكثير من الضباط المنشقين في سوريا وخارجها لابد من الاعتماد عليهم ليكونوا العمق الأساسي للجيش الجديد”.

المصدر: حلب اليوم

زر الذهاب إلى الأعلى