غموض حول أموال الدائرة المقربة من بشار الأسد بعد سقوط النظام في البلاد فجر يوم الأحد، سيما أن الأمور ما زالت في حالة الارتباك خلال الأيام الأولى بعد هروب الأسد من العاصمة دمشق إلى روسيا، مع عدم وجود أي معلومات رسمية عن أسماء مهمة من الدائرة المالية والاقتصادية المقربة من نظام الأسد ، وتجار الحرب الذين اعتمد عليهم في السنوات العشر الأخيرة، وحصدوا في المقابل مكاسب مالية ضخمة في شكل أراضي وعقارات وأسهم في شركات وحسابات مصرفية متخمة.
كل الترجيحات تشير إلى أن جزءاً كبيراً من أموال الأسد خرج من البلاد خلال الأيام الثلاثة التي سبقت سقوط النظام، حسب مصادر لـ”العربي الجديد”، مع تقدم عمليات “ردع العدوان” نحو دمشق، بعد السقوط الدراماتيكي للمناطق والمحافظات بقبضة المعارضة وفرار قوات النظام ورموز حزب البعث.
نقل أموال عبر طائرة خاصة
في الأيام الماضية، رصدت “العربي الجديد” حركة لطائرة خاصة أقلعت بشكل مستمر بين دولة خليجية ودمشق، يعتقد أنها كانت تنقل أموالاً وشخصيات من داخل الدائرة المقربة من النظام. الطائرة التي تحمل اسماً رقمياً (C5-SKY) مسجلة في دولة غامبيا الأفريقية، فيما تم تشفير معلوماتها طوال الطريق في رحلاتها المتعددة، بين دمشق وعاصمة الدولة الخليجية، وأن بعض الرحلات كان الفارق الزمني بينها لا يتجاوز الأربع ساعات.
وأشارت المصادر، لـ”العربي الجديد”، إلى أن الكثير من أموال النظام ومتعلقاته الأمنية باتت في ميناء طرطوس، الواقع تحت السيطرة الروسية، والذي يحوي قاعدة بحرية عسكرية روسية، دون معلومات عن أموال المقربين من النظام، في فصل بين أموال بشار الأسد وشقيقه ماهر وزوجة الأسد أسماء من جهة، وأموال تجار الحرب المقربين من النظام من جهة أخرى.
كما لفتت المصادر، التي رفضت ذكر اسمها لـ”العربي الجديد”، إلى أن قاعدة حميميم الجوية الروسية في ريف اللاذقية، وصلت إليها الكثير من المتعلقات والأموال، ورجحت المصادر بأن مصيرها سيكون موسكو.
الدائرة المقربة من نظام الأسد
تشمل الدائرة المقربة للنظام كثيراً من الأسماء الذين استخدمهم رئيس النظام المخلوع بشار الأسد في إدارة أمواله والتحكم حتى باقتصاد البلاد، وأولهم رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، والذي اختلف معه في الأعوام الأخيرة ونحاه جانباً بعد أن صادر الكثير من شركاته وأسهمه، لا سيما في شركة “سيرياتل” للاتصالات الخلوية، ومنذ ظهور الخلاف للعلن لا يزال مكان مخلوف مجهولاً، رغم ظهوره الإعلامي المتكرر على “فيسبوك” من مكان غير معلوم.
ولقد ظهر الكثير من تجار الحرب الذين قربهم النظام، من بينهم عائلة القاطرجي، وخضر الطاهر (المعروف بأبو علي خضر)، وسامر فوز الذي يملك طائرة خاصة تحمل اسمه، ربطتها أوراق بنما المسربة بملكيته، بالإضافة إلى محمد صابر حمشو، وجميعهم مدرجون في العقوبات الأميركية والغربية.
زوجة بشار وأمراء الحرب
في الأعوام الأخيرة، ظهرت أسماء الأسد، زوجة بشار، تحرك هذه الدائرة المالية والاقتصادية، فحاصرت عبر مكتبها الاقتصادي شخصيات معروفة وسطت على “إمبراطوريتها” الاقتصادية، كرامي مخلوف. والمكتب السري أو المكتب الاقتصادي الذي حاولت أسماء الأسد من خلاله التحكم في أموال النظام ودوائره بداية، ثم السطو على الكثير من أموال أمراء الحرب نفسهم لصالحها، كان يديره المسؤول المالي والاقتصادي في القصر الجمهوري يسار إبراهيم، كما عملت في المكتب شقيقتاه رنا ونسرين.
وتعتمد كذلك أسماء الأسد على فراس الأخرس شقيقها ومهند الدباغ ابن عمتها، وجميعهم مشمولون بالعقوبات الأميركية والأوروبية، إضافة إلى آخرين، كما يعتقد أن أقارب أسماء هربوا أموالهم خارج سورية في وقت سابق، سيما بعد غيابها أو تغييبها عن المشهد قبل أشهر، عندما تم الإعلان عن إصابتها بسرطان الدم.
في تصريح سابق لـ”العربي الجديد” أشار كرم شعار، وهو مؤسس “مرصد الشبكات الاقتصادية والسياسية”، إلى أنه لا يرى مبرراً بأن تكون أسماء الأسد متحكمة بعمل هذا المكتب، ملمحاً إلى دور أكبر لزوجها، الذي هرب من العاصمة إلى روسيا.
أين تهرّب الثروات؟
أما فيما يخص مصير الأموال للدائرة المقربة للنظام، بعد سقوط النظام، يرى الباحث الاقتصادي والمالي، خالد تركاوي، أنه “مبدئياً من المبكر الحكم على الأمر”، لكنه يعتقد في حديثه مع “العربي الجديد” أن الكتلة الأكبر لأموال الدائرة المقربة من النظام البائد، ستكون في روسيا والإمارات والنمسا ولبنان، وبدرجة أقل مصر.
عندما سألنا تركاوي عن النمسا، أشار إلى أنها “محسوبة بشكل أو آخر في التعاملات المالية على روسيا في الاتحاد الأوروبي، وأنها في السابق كانت تتضمن جزءاً كبيراً من أموال باسل الأسد شقيق بشار الأسد، الذي مات عام 1994 والتي تقدر بخمسة إلى ستة مليارات دولار”. وأشار تركاوي إلى أن “النظام عمل خلال السنوات الأخيرة، على إنشاء شبكات مالية تحسباً لهذا اليوم، لا سيما في دول مثل الإمارات وروسيا وبعض دول أوروبا الشرقية، حتى في بعض الدول الأفريقية”.
وحول كيفية استعادة هذه الأموال في المستقبل، قال تركاوي: “كخطوات عملية في تجارب كثيرة عند الدول المجاورة مثل تونس وليبيا استُعيد الكثير من الأموال”، وأضاف: “النقطة الرئيسية لا بد من إحصاء الأموال ثم وضع قوائم تفصيلية للعمل بها، وأتوقع أن القانون سيحكم بمصادرتها وملاحقة ما هو خارج البلاد”.
المصدر: العربي الجديد