حروب اسرائيل الناقصة

معقل زهور عدي

تذكر صواريخ القسام التي أطلقت على تل أبيب في ذكرى هجوم السابع من اكتوبر حكومة نتنياهو بأن معركة غزة مازالت مفتوحة , وأن كل ماقام به الجيش الاسرائيلي من أعمال عسكرية لم يكن كافيا لحسم المعركة وجني نتائجها السياسية , صحيح أن جزءا كبيرا من غزة قد دمر تماما , لكن مازال هناك في غزة مايقارب من مليوني فلسطيني يسكن بعضهم بالخيام وبعضهم الآخر في المباني التي بقيت سالمة والمباني التي دمرت بصورة جزئية . كما أن كتائب القسام تعيد تنظيم صفوفها , وهناك آلاف الشباب الذين فقدوا بيوتهم وأهلهم أو أقرباءهم ولم يعد لهم في الدنيا من قضية سوى الالتحاق بكتائب القسام , وهكذا أمنت حكومة نتنياهو لحماس خزانا بشريا كافيا لتعويض خسائرها من المقاتلين , أما السلاح فلن يكون مستحيلا على حماس وكوادرها المدربة صناعة المزيد من قذائف الياسين والعبوات الناسفة من مخلفات آلاف القذائف التي أمطرتها الطائرات الاسرائيلية . كما تتكفل بقية الأنفاق في الحفاظ على مخازن ومصانع القسام ومراكز سيطرته , وطالما أن سنة كاملة من القصف الشديد لم تفلح في تدمير تلك الأنفاق فلاشيء يدعو للتفكير بأن ذلك الوضع سيتغير عما قريب .

هرب نتنياهو من الأسئلة الصعبة حول مصير غزة فيما عرف باستراتيجية اليوم التالي , كما هرب من قضية المحتجزين لدى حماس وبدلا عن مواجهة تلك المسألتين توجه لفتح حرب جديدة في الشمال مع حزب الله .

لكن حتى في لبنان فهو يواجه اليوم وضعا من الصعب احتواؤه , فرغم مافعلته عملية ” البيجر ” بكوادرحزب الله ثم العمليات التالية التي تناولت قيادات الحزب العسكرية للصفوف الثلاثة الأولى وصولا لاغتيال قائد الحزب ورمزه الكبير حسن نصر الله ثم إطلاق الهجوم البري على جنوب لبنان والقصف المكثف للجنوب والضاحية , ودفع مايزيد عن المليون نسمة لمغادرة بيوتهم والتحول إلى نازحين , رغم كل ذلك مازالت المسافة بعيدة نحو تحقيق أي انتصار سياسي منجز . وهذا ما أجبر نتنياهو على استخدام تعابير غامضة وإنجازات غير قابلة للصرف بصيغة نتائج سياسية واضحة حين تحدث عن تغيير موازين القوى في المنطقة ليس إلا .

فحزب الله لم يرفع راية الاستسلام , ومازال نفوذه قويا داخل لبنان لدرجة تمنع الحكومة من اتخاذ أي موقف لايوافق عليه , وحتى لو تم اتخاذ مثل ذلك الموقف فلن يقدر له أن يرى النور مالم تسمح ايران وحزب الله بذلك , وتلك هي رسالة وزير خارجية ايران في زيارته الأخيرة لبيروت .

وفي الجنوب تشكل خلايا حزب الله المتوزعة في كل مكان والتي تمتلك كل ماتحتاج إليه من سلاح وذخيرة ومؤونة حاجز صد لأي توغل بري اسرائيلي وقد برهنت الأيام الماضية أنها لم تتفكك مع فقدان القيادات في الضاحية , مما يعني إمكانية تحول الاجتياح البري لحرب استنزاف ثانية لاسرائيل تضاف لغزة .

ليس سهلا تحويل الضربات الاسرائيلية لحزب الله وللبنان إلى نصر سياسي لاسرائيل يحسم الوضع في لبنان , فالمسألة تبدو في الواقع أصعب كثيرا مما تبدو عليه فوق طاولات الجنرالات العسكريين في تل أبيب , وحتى لودمرت اسرائيل الضاحية تماما فلن تحصل على ما تريده كحد أدنى يمكن أن يعتبر نصرا عسكريا وسياسيا في الأفق المنظور .

وعندما تتأكد تلك الحقيقة لحكومة نتنياهو فربما تهرب من معركة لبنان كما هربت من معركة غزة نحو فتح جبهة جديدة .

والسؤال الآن : ماهي الجبهة الجديدة التي سيهرب لفتحها نتنياهو حين سيفشل في حسم المعركة مع حزب الله خلال أسابيع كما هو معلن؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى