علي أبو دهن؛ مواطن لبناني عاش تجربة الاعتقال والسجن السياسي في سورية على مدى 13 عاما، من عام 1987 وحتى عام 2000، في هذا الكتاب – الشهادة – يكتب تجربته وما لاقاه من سوء معاملة وتعذيب وإساءة على يد أجهزة أمن النظام السوري.
علي أبو دهن المواطن اللبناني الذي ساقه حظه السيء ليأتي وعائلته الى سوريا ليكمل معاملة الهجرة الى استراليا، وليذهب زيارة الى مدينة السويداء السورية، وهناك سيتم اعتقاله من فرع مخابرات السويداء، الذي سيسلمه لفرع مخابرات المنطقة في دمشق. علي متفاجئ بما حصل معه، فهو يعرف أنه لم يقترف أي ذنب لا في لبنان ولا سوريا، لكنه خائف أن الأمن السوري مرعب بسمعته وممارساته، وفعلا سيكتشف علي من خلال التعامل معه انه تحول لكائن منتهك الإنسانية مستباح أمام المحققين وجلاديه، سيستقبل بالإهانة والضرب والسب و الإساءة، ويحقق معه -عبر التعذيب- من اجل ان يدلي باعترافات عن علاقته مع (الإسرائيليين)، وهو ينكر ويصر أنه لا يعرفهم ولم يتواصل معهم، لكن آلة التعذيب لا تتوقف؛ زيادة على وجوده في زنزانة منفردة ضيقة، فقد مورس عليه جميع أنواع التعذيب بدأ بالضرب المبرح، إلى وضعه بالدولاب وضربه على قدميه وأجزاء جسده، إلى الشبح والتعليق من اليدين لفترة طويلة من الزمن، إلى تعذيبه بالكهرباء، ليصل أخيرا إلى الانهيار والإقرار بكل التهم المنسوبة إليه. علي داخل المعتقل يعاني من التعذيب الغير محتمل، وخوفا من تبعات التهم التي اعترف بها مرغما، وعائلته التي تركها خلفه، زوجة وأطفال وكيفية إدارتهم للحياة بكل صعوباتها، وهو غائب عنهم، فكر أن يتراجع عن اعترافاته ولكن عودته ضحية التعذيب جعلته لا يتراجع عنها. مرت الأيام ثقيلة عليه في فرع المنطقة، في ظروف قاسية لا إنسانية، الطعام شبه معدم، التواصل مع العالم الخارجي ممنوع، والشمس والهواء أصبحوا من المنسيات، وبعد فترة من الزمن نقل إلى فرع أمني جديد؛ انه فرع فلسطين، ليعود إلى ذات الدوامة: التعذيب والتحقيق والذل والخوف، و يحاول إنكار اعترافاته السابقة، لكنه سعود عن إنكاره ويستمر باعترافاته تحت التعذيب والتهديد والوعيد. وتطول مدة وجوده في فرع فلسطين لمدة تسع أشهر، ثم يحول بعدها إلى فرع التحقيق العسكري لفترة قصيرة، حيث ينتظر تحديد مصيره ومستقبله. كان علي قد قضى عشرة أشهر في أقبية التحقيق في الفروع المختلفة، ذاق فيها كل أصناف التعذيب والإذلال، وعاش فيها احاسيس الفقد لكل شروط الحياة الطبيعية، فلا تواصل مع أحد، يعيش في زنزانة منفردة، يستحضر اهله واحبابه في فكره، لكي يستطيع الاستمرار بالعيش، يصادق جرذا ويطعمه جزء من طعامه على قلته، ليستأنس به ويتجاوز وحشة المكان والزمان والمصاب والمصير. وحول مع غيره -اخيرا- الى سجن تدمر العسكري، السجن ذائع الصيت بالقسوة والتعذيب والوحشية بالتعامل مع نزلائه. وصل علي إلى السجن واستقبل مع غيره – لبنانيين وغيرهم – بالتعذيب و الإساءة والسباب والوعيد بحياة اقرب للجحيم، وهكذا حصل؛ لقد أودع في غرفة مكتظة، محكوم مع آخرين بقواعد صارمة، ممنوع تجاوزها، علي ومن معه بشر مهدوري الإنسانية والكرامة، هم في حالة تعذيب دائم، وكأن مهمة السجن والسجانين محصورة في تعذيبهم وإيذائهم جسديا ونفسيا، ولا قيمة حتى لحياتهم، وان مات احدهم تحت التعذيب فالأمر طبيعي ويقيد على انه (سقوط في الحمام أدى للموت)، أن تتبع ما حصل في سجن تدمر يدرك أن من يصله يكون قد انتهى من متابعة قضائية او تحقيق او مصدر معلومات، هو بمنطق الدولة يقضي عقوبته سنوات حبس؛ لكن في سجن تدمر العقوبة هي السجن مع الإذلال والتعذيب بكل شكل وطريقة كهدف بحد ذاته، وهنا تميز سجن تدمر بكونه الأسوأ من جهة الهدر الإنساني في سجون سوريا كلها، لا يجاريه إلا فروع التحقيق الممتدة في المدن السورية التابعة لأجهزة المخابرات على كثرتها في سوريا، ضحية الاستبداد المجرم. علي ومن معه يعاني من طعامه على سوئه وقلته واختلاطه بالقاذورات واحيانا بالبول، يعانون من المراقبة على مدار الساعة في حركتهم و سكونهم، في استيقاظهم ونومهم، وفي علاقتهم مع المرحاض لقضاء حاجاتهم الطبيعية، لهم فترات تنفس يخرجون بها -فعلا- للتعذيب، وكذلك الحمام حيث يعذبون، اما مراقبتهم من كوة السقف والعب بهم كحجارة الطريق، تعليمهم لينالوا حصتهم من التعذيب في صباح اليوم الثاني، سيعيش علي في سجن تدمر ثلاث سنوات من العذاب الدائم، سيطلع على حكايا من سبقه من المسجونين السابقين، وخاصة ما حصل مع مساجين الإخوان المسلمين الذين قتلوا تصفية جماعية في مهاجعهم؛ هنا كانوا وها هي آثار دمائهم مع حفر طلقات الرصاص على الأرض والجدران، سيصاب علي ومن معه في أمراض عدة كادت تودي بحياتهم كالجرب وغيره، كان الهم المسيطر على علي ومن معه: كيف يحافظون على حياتهم و يخففون التعذيب الدائم عليهم؟. وتمر ثلاث سنوات من العذاب على علي في سجن تدمر، ويتحول بعدها إلى سجن صيدنايا؛ حيث تختلف الحياة فيه نوعيا، فلم يعد هناك تعذيب، فقط احتجاز حرية وشروط حياة اسهل، ستأتيه زيارات من أهله، ويقدمون له المال والمواد المعيشية التي تجعل السجين في حالة أفضل إلى أن ينقضي سجنه، لكن وشاية تمنع عنه الزيارة؛ تجعله يعود إلى المعاناة من غياب أهله عنه، أن التواصل مع الاهل اهم شيء عند السجين، اضافة لنقص ما لديه من موارد، لأن السجناء اكثر انسانية من سجانهم المستبد المجرم، فقد صنعوا لهم صندوق معونة حيث يضع كل سجين له زيارة جزء مما يأتيه ليوزع على من لا زيارة له، إضافة لنظام عمل وخدمة ممن ليس معه؛ يخدم من معه؛ لتستمر دورة الحياة داخل السجن. سيقضي علي في سجن صيدنايا تسع سنوات متنقلا بين مهاجعهم، ومستقرا أخيرا في مهجع الإخوان المسلمين، يتفاعل مع من حوله يسمع حكايا المعتقلين، يتابعون ما يتسرب من معلومات من الخارج، ويأملون دوما بالإفراج، خاصة من كان منهم سجينا سياسيا. وتأتي فرصة علي وغيره من المساجين اللبنانيين عندما يموت حافظ الأسد، ويأتي ابنه بشار رئيسا جديدا لسوريا، مقدما نفسه بثوب الشفافية والديمقراطية والتحديث والتطوير، وهذا شجع بعض المسؤولين اللبنانيين أن يطالبوا بإخلاء سبيل السجناء اللبنانيين في سورية، وعلى رأس المطالبين الكاردينال الماروني مار بطرس صفير ووليد جنبلاط و ثلاث نواب من المجلس النيابي. وتمر الايام ويتم الافراج عن علي وغيره من اللبنانيين المسجونين في سورية، ويسلموا للسلطات اللبنانية التي تحتجزهم لفترة من الزمن؛ ومن ليس عليه قضية في لبنان يطلق سراحه، سيواجهه النائب بكونه عميلا ل(اسرائيل) ، وانه التقى شارون ورئيس الأركان الصهيوني، واكد ان ذلك مجرد تهمة لا أساس لها، أخذت من عمره ثلاث عشر سنة وجعلته يعيش الجحيم. خرج علي من التوقيف عند السلطات اللبنانية بسرعة، وجد عائلته وبناته اللواتي كبرن وتزوج بعضهم وابنه الذي غادر الى استراليا، افتقد أمه التي ماتت قبل خروجه بأشهر، شعر بغصة تراكمت مع غصاته الأخرى. خرج علي وفي ذهنه قرار ان يوثق جرائم النظام السوري بحقه شخصيا، و بحق السجناء اللبنانيين في السجون السورية، وبحق كل سجين سياسي مظلوم في سوريا، وكتب شهادته هذه بعد بداية الثورة السورية بسنة ونشرها واهداها للشعب السوري وثورته وثواره.
.تنتهي الرواية وعلي أبو دهن بين أهله وناسه، يعيد تعويض ما فاته وبناء مستقبله، لكن ما لم تذكره الرواية أن علي أبو دهن وغيره من السجناء السياسيين السابقين في السجون السورية؛ خرجوا بقضية يحملوها ويعملوا لها؛ وهي فضح النظام الاستبدادي السوري المجرم وأفعاله ضد الشعب السوري و السجناء السياسيين. شكلوا جمعية المعتقلين اللبنانيين السابقين في السجون السورية، وتابعوا قضايا من لم يطلق سراحه ومن قتل ومن لم يعرف مصيره، ودونوا بشكل فردي وجماعي شهادات اعتقالهم وسجنهم وصمة عار على النظام الاستبدادي السوري المجرم، وذلك في كتاب بخمسة أجزاء بعنوان الخارجون من القبور، و صوروا فلما وثائقيا هم السجناء السابقين عن سجن تدمر؛ وكيف عاملوهم فيه، حيث أصبحوا يتنقلون بين عواصم العالم مع فيلمهم الذي لقي ما يستحق من اهتمام ونال الجوائز العالمية. وكذلك مسرحية الكرسي الألماني التي عرضوها في أكثر من مكان في العالم.
شكرا علي أبو دهن؛ ثورتنا السورية هي ثورتكم ايضا: مظلومين نالوا من ظلم النظام الاستبدادي السوري كما نال الشعب السوري، نحن اخوة في المعاناة، واخوة في العمل للانتصار لانسانية الانسان وحقه بالحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية والحياة الأفضل. ومحاسبة النظام الاستبدادي السوري المجرم سلطة وأفراد الان او بعد حين…
المصدر: الأيام
شكرا دكتور أحمد لدخولك مأساة السجن والاعتقال معي ومع مئات الآلاف من معتقلي الرأي السياسي .قريبا وقريبا جدا وتوضع الأحفاد في يدين هذا النظام
وستحرر جميع المعتقلين .. واجبي وواجب كل من اعتقل الكتابة لانها تأرخ الظلم وتوثقه كي لا تذهب حياتنا سدى
الحرية لسوريا الحرية للمعتقلين