أعلن القائمون على “مبادرة المناطق الثلاث”، السياسية السورية المعارضة، تشكيل هيئة سورية للعمل والتنسيق السياسي والاجتماع الوطني، تحت اسم “تضامنية العمل والاجتماع السوري”، وترتكز على مبادئ تدعو إلى تنسيق العمل السياسي في عموم البلاد. ووفق بيان صدر، أمس الأول الثلاثاء الماضي، فإن مبادرة المناطق الثلاث، والتي تم الإعلان عنها في الثامن من مارس/آذار الماضي، “تطورت إلى آلية تضامن وعمل سوري مشترك، تكوّنت بعد سلسلة حوارات ضمت مجموعة من القوى والتشكيلات المحلية من المؤمنين بضرورة تنسيق العمل على المستوى الوطني السوري، وبتلازم الأخلاق والسياسة والاستقواء بالسوريين بوصفه منهجاً لازماً في العمل السياسي”.
الانتقال السياسي
وشدّد البيان على عدة مبادئ، أبرزها، أن “القضية السورية قضية وطنية”، ورفض أي محاولات لـ”شرعنة النظام”، مشيراً إلى أن “حاجة السوريين إلى ملكية قرارهم السياسي الوطني، حاجة ضرورية ولازمة لبناء مشروع السوريين التحرري والتأسيسي الذي بدأ في 2011”. كما ذكر أن الهيئة الجديدة “سورية محضة لم تشارك أي جهة غير سورية في إنشائها”، مشيراً إلى أن “الانتقال السياسي انتقال إلى الديمقراطية بالضرورة، بما تتضمن من قيمٍ أخلاقية، واحترام مشترك، واعتداد بالاختلاف”. ووقّع على بيان تأسيس التضامنية عدد كبير من التيارات، والهيئات السياسية، والشخصيات المعارضة والناشطين السياسيين من مختلف المناطق السورية.
وقال عبد الرحمن الحاج، وهو أحد القائمين على المبادرة، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “التضامنية هي آلية تواصل بين الأطراف المنضمة إلى مبادرة المناطق الثلاث في سورية”. وأضاف: “بعد إعلان المبادرة والنقاشات التي نشأت بين الأطراف منذ إعلانها قبل خمسة أشهر صار لا بد من آلية تنظم المشترك بين المناطق، فأطلقنا هذه التضامنية لتشكل الآلية اللازمة”.
وأوضح الحاج أن “الهدف من هذه الآلية هو تنظيم العمل المشترك وتنسيق الجهود من مختلف الأطراف المنضمة للمبادرة”، مشيراً إلى أنها وأطرافها “ليسوا حزباً ولا يريدون أن يعطوا أي نوع من الانطباع بأن هذه الآلية هي شكل تنظيمي سياسي، لذا حاولنا تجنب الأسماء التقليدية المستخدمة وركزنا على الطابع العملي لها”. وأضاف: “وجدنا أن صيغة تضامنية أكثر تعبيراً وأقرب إلى ما نريده، فباختصار: التضامنية هي آلية عملية للتنسيق والعمل المشترك بين أطراف مبادرة المناطق الثلاث وليست حزباً جديداً”. وأمِل الحاج أن تحقق هذه الخطوة تقدماً في النشاط والعمل في الشارع السوري.
إطلاق مبادرة المناطق الثلاث
وأطلقت مبادرة المناطق الثلاث في الثامن من مارس الماضي، من قبل مثقفين في مناطق السويداء ودرعا، في الجنوب السوري، وفي ريف حلب الشمالي، والتي انضم إليها لاحقاً “تجمع العمل الوطني”، الذي شكلته مجموعة من أبناء الساحل السوري. وحاول هؤلاء المثقفون تحريك مياه المشهد السوري المعارض الراكد، من خلال هذه المبادرة التي ألقيت أمام الناس في وقت واحد في جنوب البلاد وشمالها، في دلالة على التمسك بوحدتها الجغرافية. وقال الحاج، إن القائمين على المبادرة رفضوا ترحيب مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) بها، “لأننا نرى أن هذا الترحيب غير بريء ويتناقض مع سلوكه (مسد) وممارساته التي تتعارض تماماً مع المبادرة”. وشدّد على “أن هناك رفضاً مطلقاً ومجمعاً عليه بين أطراف المبادرة لأي اقتراب من قسد”.
ولاحقاً انسحب “اتحاد ثوار حلب” من المبادرة “لأن تطورها لم يتلاءم مع خط سير الاتحاد”، وفق أحد أعضائه، والذي أشار في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “عدم وضوح الرؤية تجاه قسد (قوات سوريا الديمقراطية)”، كان سبباً آخر للانسحاب من المبادرة. وتُتهم “قسد” من مختلف تيارات المعارضة السورية بأنها امتداد لحزب العمال الكردستاني، وأنها لا تحمل مشروعاً سياسياً وطنياً خالصاً.
وتنهض مبادرة المناطق الثلاث، على عدة مرتكزات، أبرزها: “تأميم السياسة، أي عدم تسليم القرار العمومي السوري لأي قوة أجنبية، أو دولة أخرى، أو مليشيا، أو جماعات حزبية، أو عصبية، وعدم مصادرة قرار السوريين”، وفق ما جاء في نص المبادرة. والمرتكز الثاني هو أن “الحياة، والحرية، والأمان، والكرامة، حقوق مصونة للسوريين كلهم، تقع في مركز تفكير السياسة السورية”، كما “تناهض كل فعل، أو خطاب يدعو إلى الكراهية، أو يروج للقبول بمصادرة الحريات والكرامة ومقايضتها بالاستقرار”. كما أكد القائمون على المبادرة أن “الدولة الوطنية لجميع أبنائها، وليست دولة ملّة، أو طائفة، أو جماعة عرقية، أو حزب، أو تيار سياسي”، مشدّدين على “رفض العصبيات والتحزبات”.
وتعليقاً على تشكيل تضامنية العمل والاجتماع السوري، رأى الباحث السياسي السوري أحمد القربي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن مبادرة المناطق الثلاث “تحوّلت من الشكل الموضوعي إلى الإطار التنظيمي”، معتبراً أن “المبادرة تسير في سياق تطور طبيعي”. ورأى أن تطور المسار السوري وخصوصاً لجهة التطبيع مع رئيس النظام بشار الأسد “دراماتيكي”، ما يجعل أي مبادرة أو حراك سياسي “يظهر وكأنه غير مواكب لهذا التطور ولا يتلاءم مع متطلبات المرحلة”. وباعتقاد القربي، فإن “أهم ما ورد في بيان تأسيس التضامنية هو التأكيد على الانتقال السياسي، بعد التشديد على أن المبادرة ليست محصورة بأيديولوجيا واحدة وقرارها سوري مستقل، أي أنها تجمع حتى المختلفين معها ما داموا يؤمنون بأهمية الانتقال السياسي، وملكية السوريين لقرارهم”.
ويزدحم المشهد السوري المعارض بالتيارات والهيئات والمجالس والاتحادات السياسية، والتي ولدت بعد انطلاق الثورة السورية في عام 2011، إلا أنها لم تستطع حتى اللحظة نيل ثقة الشارع السوري المعارض الذي يكاد يجمع من خلال الشعارات التي يرفعها في التظاهرات على أن القضية السورية أكبر من كل الأحزاب والتيارات في واجهة المشهد. وتبذل شخصيات في الشمال السوري منذ فترة جهوداً لتشكيل مجلس لقيادة الثورة، ينبثق من اعتصام “الكرامة” في مدينة أعزاز كبرى مدى ريف حلب الشمالي، وذلك رفضا للأداء السياسي لائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية أبرز العناوين السياسية للثورة المتهم بالتبعية لأجندات دول إقليمية. وتأمل هذه الشخصيات بتشكيل جسم سياسي ينال ثقة الشارع السوري المعارض، واعتراف الدول الفاعلة في المشهد السوري لسحب الشرعية الثورية من الائتلاف الوطني، والذي أغلق المحتجون مقره في الشمال السوري أكثر من مرة. وكان الحراك الثوري في محافظة السويداء، اختار أواخر الشهر الماضي، لجنة لتكون العنوان السياسي لهذا الحراك الذي دخل عامه الثاني قبل أيام.
المصدر: العربي الجديد