تلقي حادثة سقوط الصاروخ في قرية مجدل شمس بالجولان السوري المحتل، الضوء على هذه الأرض السورية المنسية في عهد حكم آل الأسد، والتي ضاعت في عهد الأسد الأب حين كان وزيراً للدفاع في حرب حزيران 1967، مثلما تضيع منذ سنوات أجزاء أخرى من البلاد، في عهد الأسد الابن.
ومن المفهوم أن نظام الأسد كان منشغلاً طوال السنوات الـ 13 الماضية بالدفاع عن كرسي الحكم في وجه الاحتجاجات الشعبية والثورة المسلحة التي اندلعت ضده، لكن حتى قبل هذا التاريخ لم تكن الأراضي السورية المحتلة على جدول أعماله، إلا كمناسبة لرفع الشعارات الجوفاء دون أي برنامج جدي لاستعادة الأرض المحتلة سلماً أو حرباً.
لقد قاوم من بقي من سكان الجولان طيلة عقود المحاولات الإسرائيلية لتهويد منطقتهم، وتمسكوا بالهوية العربية، مع علمهم أن النظام في دمشق يتاجر بقضيتهم، ورفضوا قبول الجنسية الإسرائيلية برغم ما توفره لهم من امتيازات حياتية.
وبعد عام 2011، وما ظهر من انقسام أفقي في الساحة السورية بين موالاة ومعارضة، انسحب المشهد أيضاً على أهالي الجولان الذين توزعوا بين مؤيد للثورة ومؤيد للنظام، وهو ما كان له أثره في تراجع الشعور بالانتماء لهذا الوطن الممزق، فتزايد تالياً عدد الذين يقبلون الجنسية الإسرائيلية بدرجة ملحوظة خلال السنوات الماضية ليصل إلى نحو 20 بالمئة من سكان الجولان، بعد أن ظل هؤلاء لعقود محدودي العدد، ومنبوذين من مجتمعهم المحلي.
وترافق ذلك، مع تكثيف للجهود الإسرائيلية لتهويد الجولان، حيث وضعت حكومة الاحتلال نهاية عام 2021 خطة بقيمة 317 مليون دولار لمضاعفة أعداد المستوطنين في الجولان إلى خمسين ألفاً من 25 ألفاً في الوقت الحالي من خلال بناء 7300 منزل للمستوطنين على مدى خمس سنوات، وذلك بعد أن ضمت الجولان رسمياً عام 1981، وهي خطوة لم تعترف بها أية دولة في العالم باستثناء الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. وبطبيعة الحال، فإن نظام الأسد الذي قاتل بشراسة للدفاع عن كرسي الحكم طيلة السنوات الماضية، حافظ طيلة عقود على الهدوء التام في جبهة الجولان، دون أن يطلق، أو يسمح لأحد بإطلاق طلقة واحدة ضد إسرائيل، وهو ما جعله يحظى بالرضى الإسرائيلي الكامل، فيما بدا واضحاً أنه الشرط الإسرائيلي على النظام لمواصلة تل أبيب تزكيته لدى الإدارات الأميركية المتعاقبة، بوصفه خير حليف “سري” يرفع شعارات المقاومة والتحرير، بينما يمنع في الواقع أية مقاومة قد تقود إلى تحرير الأرض المحتلة.
والنظام نفسه، لم يطور طيلة العقود الماضية أية استراتيجية عسكرية أو دبلوماسية تردع إسرائيل، وتجبرها على التفاوض حول مستقبل الجولان، على نحو ما فعل مثلاً حزب الله في لبنان والذي أجبر إسرائيل على الانسحاب من جنوبي لبنان، وحتى التفكير في الانسحاب من مزارع شبعا في إطار صفقة قد تتم مستقبلاً بين الجانبين، علماً أن منطقة المزارع هي في الأصل أرض سورية، ويقيم فيها مواطنون سوريون، لكن النظام تركها لحزب الله لتمكينه من مواصلة لعبة المواجهة مع إسرائيل.
وما يشير أيضاً إلى هذا الإهمال الجسيم لقضية الجولان وسكانه، هو مصير سكان الجولان النازحين منه، والذين كان عددهم عام النزوح نحو نصف مليون نسمة، ويزيدون اليوم عن المليون، يعيش معظمهم في مخيمات ومناطق مخالفات في محافظتي ريف دمشق ودرعا، وشارك غالبيتهم في الاحتجاجات الشعبية ضد النظام بعد عام 2011، كتعبير عن سخطهم على هذا النظام الذي تعامل معهم كمواطنين من الدرجة الثانية، من ناحية السكن والخدمات والتوظيف في مؤسسات الدولة. وإذا كان الجولان ليس البقعة الوحيدة في سوريا غير المدرجة على اهتمامات النظام، ومثله مجمل المحافظات الشرقية، وأطراف المدن، التي باتت أحزمة فقر ونقمة على النظام، فإن الجولان بخسارته، فقدت البلاد منطقة هي الأغنى بالمياه (يؤمن ثلث حاجة إسرائيل من المياه) والأخصب أرضاً، والأرفع في قيمتها السياحية، فضلاً عن موقعه الاستراتيجي على التخوم الجنوبية للبلاد، بما يضم من جبال وأنهار ووديان وهضاب، تعد حصناً منيعاً لأية دولة، وهو ما يستدعي التفكير ملياً، بكيفية سقوط هذه المنطقة عسكرياً، لو كان يتوفر لأي جيش حد أدنى من إرادة القتال، وهذا يصادق على التحليلات والشهادات الكثيرة بأن حافظ الأسد سلم الجولان لإسرائيل بالفعل، مقابل وصوله إلى الحكم.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا