“لم يأت بجديد” في خطابه.. بن غفير ينافسه في “الابتزاز” والإسرائيليون يصفونه بـ”الفاشل”: لماذا صفق الكونغرس؟

عاموس هرئيل

كما هو متوقع، ثمة فرق بين الطابع الاحتفالي الذي حاول مكتب نتنياهو إعطاءه لخطابه في الكونغرس أمس، وبين ردود إسرائيل والولايات المتحدة. مؤيدو نتنياهو، خصوصاً أبواقه الكثيرة في وسائل الإعلام الإسرائيلية، أظهروا انفعالاً من هذا الحدث التاريخي. ولكن حسب الاستطلاعات، يمكن الافتراض بأن أغلبية الجمهور تنشغل أكثر في مسألة متى ستنتهي الحرب ومتى يطلق سراح المخطوفين. بالنسبة للأمريكيين فإن الحملة الانتخابية العاصفة تشغلهم الآن أكثر بكثير من زيارة شخصية زعيم دولة صغيرة في الشرق الأوسط.

في الخطاب نفسه، تصرف نتنياهو بصورة محترمة أكثر مما تصرف في خطابه السابق في 2015؛ فقد حاول في حينه استغلال منصة الكونغرس لتشجيع التمرد الداخلي على الرئيس باراك أوباما بسبب قراره التوقيع على اتفاق لتقييد المشروع النووي الإيراني (اعتقد في حينه بأن الاتفاق خطير على أمن إسرائيل). في هذه المرة، بعد إعلان الرئيس الأمريكي بايدن انسحابه من المنافسة، حافظ نتنياهو على مقاربة تشجيع تجاه بايدن، الذي أنقذ إسرائيل عقب هجوم حماس الإرهابي بكل ما تعنيه الكلمة. ومثل أي خطاب آخر لنتنياهو في الخارج، فقد احتلت إيران المكان الرئيسي. ولكن لم يتم التأكيد في هذه المرة على خطر المشروع النووي، بل على دور إيران في تشجيع حماس وحزب الله، وعن مشروعها الذي يتقدم لإقامة “حلقة نيران” لمليشيات مسلحة حول حدود إسرائيل. هو يعرف كيفية التحدث، وبالتأكيد باللغة الإنجليزية الطليقة التي تثير انطباعاً مقارنة بمنافسيه. خطاب رئيس الحكومة استدعى أمس ردوداً انفعالية، لا سيما من قبل الجمهوريين. ولكن السؤال هو: هل هذا التعاطف الجارف، الذي رفض فيه أعضاء الجناح التقدمي في أوساط الديمقراطيين المشاركة، هل سيترجم إلى استمرار الدعم الفعلي لإسرائيل دائماً؟

بعد نصف ساعة على ابتزاز نتنياهو لدموع السيناتورات وأعضاء الكونغرس، عندما وصف فظائع المذبحة وضائقة المخطوفين، نشر “كيبوتس نير عوز” بأن قوات الجيش الإسرائيلي عثرت وأنقذت جثة المخطوفة مايا غورين في خان يونس. وأعلن “كيبوتس نير إسحق” عن إنقاذ جثة المخطوف اورن غولد، اللذين قتلا في 7 تشرين الأول. الوزير السابق بني غانتس قال أمس، إن كثيراً من المخطوفين ماتوا في الأسر بسبب تأخر عقد الصفقة، على الأقل في الأسابيع الأخيرة، ونتنياهو هو المسؤول الرئيسي عن هذا التأخير. رئيس الحكومة محق بالطبع عندما يتحدث عن الفظائع التي ارتكبتها حماس وعن الدعم غير المعقول للمذبحة في بعض الجامعات الأمريكية. ولكنها أقوال لا وزن كبيراً لها ما لم يعترف نتنياهو بمسؤوليته عن فشل إسرائيل في 7 تشرين الأول ولا يسارع لإعادة المخطوفين ويرفض منذ أشهر الدفع قدماً بخطة عملية ومفصلة لليوم التالي بعد انتهاء الحرب في غزة.

قبل ساعات قليلة من الخطاب، واجه رئيس الحكومة محاولة تصفية مركزة من الداخل. أعلن وزير الأمن الوطني بن غفير، بأنه هو “المستوى السياسي، مسموح صلاة اليهود في الحرم”. واضطر نتنياهو لإصدار بيان مستعجل جاء فيه بأن الوضع الديني في الحرم سيبقى على حاله. أعضاء آخرون في الائتلاف كانوا أقل لطفاً منه، قادة الأحزاب الحريدية، أعلنوا بأن الصلاة في الحرم مخالفة للشريعة، وحذروا من نتائج هذا التصريح. وأطلق وزير الدفاع غالنت، أطلق اسماً مناسباً على وزير الأمن الوطني، “مشعل الحرائق الذي يريد إشعال الشرق الأوسط”. سمعت من مناطق في العالم العربي ردود شديدة على تصريحات بن غفير.

المسؤولية والتهمة ملقاة في نهاية المطاف على نتنياهو؛ هو الذي اختار بن غفير لمنصب حساس جداً وخطير. بالمناسبة، قبل أربع سنوات تفاخر رئيس الحكومة بأنه رفض “اقتراحاً كان يمكن أن يشعل الشرق الأوسط”، الموافقة على طلب بن غفير السماح بحج اليهود للحرم أيام السبت، الذي طرحه مرة أخرى أمس.

ثمة اعتبارات سياسية تقف من وراء خطوة بن غفير؛ فهو يجد صعوبة في ابتزاز نتنياهو حول الثمن الذي طلبه في السابق- دعم قانون وظائف الحاخامات الذي قدمته “شاس” وضمان مكانته في الهيئة الاستراتيجية التي ستعمل في إدارة الحرب، بدلاً من كابنت الحرب الذي تم حله. وربما يشتم بن غفير أن الائتلاف يقترب من نهايته رغم خروج الكنيست إلى العطلة الصيفية لمدة ثلاثة أشهر في الأسبوع القادم. ويلاحظ فرصة جيدة للتشاجر مع نتنياهو.

الاختلافات في الرأي تحدث في ظل مفاوضات تجري لعقد صفقة التبادل، التي تعارض أحزاب اليمين المتطرف التوقيع عليها. منذ فترة طويلة ونتنياهو يرسل رسائل متناقضة، ويتعرج في مواقفه بخصوص المخطوفين، ولم يغير هذه العادة حتى في واشنطن. أمس، أمر بتأخير سفر الوفد الإسرائيلي للمفاوضات إلى قطر، الذي كان من المخطط أن يكون اليوم، بذريعة أنه عليه تنسيق المواقف مع بايدن قبل ذلك، وهو ما قد يكون مقنعاً لو لم يخفض نتنياهو مستوى الوفد قبل ذلك، ولم يقيد أعضاءه بالمواقف المتشددة.

لو كان مصير المخطوفين أمراً ملحاً جداً لنتنياهو، كما يقول، لما أجل استئناف المفاوضات مرات. أقواله قيلت نتيجة الضغط، وهي تنعكس أيضاً في تعامله البارد مع عائلات المخطوفين. استمراره في الخط المتشدد قد يؤدي قريباً إلى مواجهة بينه وبين كبار جهاز الأمن. إن انتقادهم لرئيس الحكومة والمطالبة بالتوقيع على الصفقة في القريب معروفة للجمهور. والسؤال هو: كيف ومتى سيختارون قول ذلك علناً وكيف سيكون رد الرأي العام؟

النظر في العيون

في وقت وضع اللمسات الأخيرة لخطابه، وعمل لدى مكتب الرئيس الأمريكي السابق ترامب، على تحقيق هدفه الأسمى من الزيارة، (البقاء حتى نهاية الأسبوع في الولايات المتحدة والاحتفال بعيد ميلاد ابنه) كان رئيس الأركان هاليفي منشغلاً في أمور مختلفة كلياً. ذهب هاليفي للالتقاء مع رؤساء “كيبوتس بئيري” ليناقش معهم التحقيقات العسكرية حول المذبحة في الكيبوتس، التي نشرت قبل أسبوعين.

كان اللقاء صعباً ومشحوناً، وسمع رئيس الأركان انتقاداً شديداً من رؤساء “الكيبوتس” حول سلوك الجيش أثناء المعركة وفي التحقيقات. ولكن هاليفي على استعداد للنظر مباشرة في عيونهم والاعتراف بمسؤوليته عن الإخفاقات والإجابة عن أسئلة المصابين في الكارثة، التي حدثت في فترته. كل هذه الأمور يرفض نتنياهو القيام بها. وبدلاً من ذلك، يسافر بطائرة “جناح صهيون”.

إن طرح الجيش الإسرائيلي قرار التحقيق بدءاً في “بئيري”، استهدف تحسين العلاقات مع سكان الكيبوتس (أيضاً إزاء الادعاءات بشأن اتخاذ قرار حول قائد فرقة غزة القادم، العميد براك حيرام، وحول تمترس المخربين مع رهائن في أحد البيوت). عملياً، رغم تقدير شفافية الجيش، فقد ثارت عدة مشكلات وادعاءات جديدة، بعضها يتعلق بالانتقاد الذي ظهر في التحقيقات لقرارات قادة دورية هيئة الأركان “شلداغ”، التي وصفت بأنها انقضاء على الجنود الذين جاءوا لتقديم المساعدة. هذا في الوقت الذي لم يعرض فيه الجيش بعد نتائج التحقيقات المتعلقة بإخفاقات الاستخبارات ونظرية الدفاع في قيادة المنطقة الجنوبية. هناك سيتم توجيه إصبع الاتهام إلى أهداف أعلى رتبة.

بشكل عام، قضية التحقيقات قد تكون مؤلمة جداً من ناحية هيئة الأركان. تحقيق “بئيري” أعاد الفشل الذريع في 7 تشرين الأول إلى مركز النقاش. ربما تزداد حدة ردود الجمهور كلما تبينت أبعاد الأخطاء والعيوب في كل مستويات القيادة. يمكننا معرفة التوجهات الآخذة في التطور من الاستطلاع الجديد الذي أجراه معهد بحوث الأمن القومي.

يظهر الاستطلاع رقماً قياسياً سلبياً في نسبة المستطلعين الذين أظهروا الثقة الكبيرة بالجيش الإسرائيلي. 71 في المئة من إجمالي السكان، 78 في المئة في أوساط اليهود. هذا انخفاض 6 في المئة مقارنة مع الشهر الماضي، و11 في المئة مقارنة مع بداية الحرب. انخفاض الثقة يتم الشعور به في كل الهيئات والمنظمات. الثقة الكبيرة بالحكومة نسبتها 17 في المئة في أوساط المستطلعين، و18 في المئة في أوساط اليهود.

حسب الاستطلاع، فإن أقل من ثلث الجمهور اليهودي يقول بأنه كان سيشجع ابنه أو ابنته في سن التجنيد على التجند للخدمة، 28 في المئة مقابل 31 في الشهر الماضي. الرقم الذي قد يكون الأكثر إقلاقاً لهيئة الأركان، وحتى عند الأخذ في الحسبان نشر التحقيقات في القريب: انخفاض حاد في ثقة الجمهور بتقارير المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، 60 في المئة من المستطلعين اليهود قالوا إن لديهم ثقة عالية بالتقارير، مقابل 72 في المئة في الشهر الماضي و88 في المئة في كانون الأول الماضي. وهو الرقم القياسي الأعلى في الحرب. في أوساط المستطلعين العرب النسبة أقل بكثير، لكن المنحى مشابه، حركة باتجاه الأسفل، من 24 في المئة في حزيران إلى 19 في المئة الآن.

المصدر: هآرتس /القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى