ثورة “23 يوليو” والدور الغائب!

أحمد ذبيان

عندما قامت ثورة جمال عبد الناصر والضبّاط الأحرار، منذ 72 عامًا، ألزمت نفسها بمبادئ وأهداف لم تتوانَ يومًا عن العمل لتحقيقها – بغَضّ النظر عن مدى نجاحاتها وإخفاقاتها..

 

بالإضافة إلى المبادئ الستّ التي أعلنَتها، والتي هي: القضاء على الإقطاع والقضاء على الاستعمار والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم وإقامة جيش وطني قوي وإقامة عدالة اجتماعية وإقامة حياة ديموقراطية سليمة.
جاء مشروعها القوميّ العربيّ ليتكامل مع هذه المبادئ، ويتوِّجَها بالسعي للوحدة العربيّة ونهوض العرب والتكامل مع العالم الإسلاميّ ومساعدة أحرار العرب والعالم الثالث في التخلّص من نير الاستعمار، والعمل على استعادة حقوق الشعب الفلسطينيّ المسلوبة وصولًا إلى تحرير فلسطين والعرب من تداعيات المشروع الصهيونيّ الذي أنشأته أميركا ودول الغرب الاستعماريّ في بلاد العرب، لانهاء حضورهم والقضاء على مستقبل أجيالهم.
هذه كانت، باختصار شديد، معالم مشروع ثورة “23 يوليو 1952” (تمّوز) التي تمثّلت أصدق تمثيل بشخص قائدها وزعيمها (جمال عبد الناصر)، الذي تحوّل إلى أسطورة شعبيّة، إلى آخر لحظة في حياته القصيرة عمرًا والغنيّة حضورًا وانجازات..
أمّا نجاحات الثورة، فكانت في تحقيق استقلال مصر الكامل وتأميم قناة السويس وبناء السدّ العالي وأكبر قاعدة صناعيّة في تاريخ مصر والشرق والعالم الثالث، في ذلك الوقت، بحيث أصبحت البلاد تصنع من الإبرة حتّى الصاروخ، وتطوير الزراعة والتركيز على توسيع انتشارها وتحقيق التعليم المجّانيّ والطبابة المجّانيّة لجميع أفراد الشعب وإنشاء بنية تحتيّة متطوِّرة للمواصلات والكهرباء وجميع الخدمات للمواطنين من دون استثناء..
ذلك، وأكثر، في المجال الداخليّ. أمّا في المجال السياسيّ، فقد التزمت الثورة بالسعي الى تحقيق الوحدة العربيّة، حيث تمّ إعلان الجمهوريّة العربيّة المتّحدة عام 1958، فقامت دول الاستعمار باستخدام الدول العربيّة التي تعمل لصالحها والأدوات التي تستخدمها داخل سوريا بالانقلاب على الوحدة وإسقاطها عام 1961.
كانت قضيّة فلسطين في صلب المشروع القوميّ العربيّ لجمال عبد الناصر وثورته، حيث أنّها كانت المعيار للعمل الوطنيّ في أيّ بلد عربيّ والمعيار النضاليّ لأيّ جماعة تنشد الحرِّيّة والاستقلال في أيّ مكان من العالم، وقد خاض المعارك والحروب من أجلها، وبنى كل علاقاته الدوليّة على أساسها إلى أن أصبحت ملازمة لكل حركة الدولة المصريّة بكل مفاصلها وتفاصيلها..
قامت الثورة بمساعدة جميع أحرار العرب، من الجزائر إلى عمان، والعالم الثالث، في أفريقيا واميركا اللاتينيّة وآسيا، لتحرير بلدانهم من الاستعمار، فتحرّرت عشرات الدول في آسيا وأفريقيا وتحوّل قائد الثورة، جمال عبد الناصر، إلى رمز للقوميّة العربيّة ولأحرار العالم والشعوب التوّاقة إلى التحرُّر والنهوض والتنميّة.
قام عبد الناصر، بالتعاون مع الرئيس (جوزف بروز) تيتو والرئيس (جواهر لال) نهرو وأحمد سوكارنو، بتأسيس “منظّمة عدم الانحياز”، والعديد من المؤسسات المنضوية تحت لوائها، لتفعيل التعدُّدية في القطبيّة العالميّة في وجه القوى الاستعماريّة التي تقودها أميركا ودول الغرب.
في الإسلام، قام عبد الناصر، بتطوير الأزهر إلى جامعة تحتوي على كل العلوم، وأنشأ “إذاعة القرآن الكريم”، وأمر بتسجيل المصحف المرتّل وتوزيعه، وبنى أكثر من عشرة آلاف مسجد في مصر، ما يقارب الذي بُنِيَ خلال 1400 سنة، وجعل تعليم الدين في المدارس إلزاميًّا، وعلامة الدين شرطًا للنجاح. وقد دخل في الإسلام، بسبب نشاط البعثات الدينيّة التي بثّها عبد الناصر في العالم، ملايين البشر.
كل هذه الانجازات، وغيرها كثير لا يحصى ولا يُعَدّ، حقّقتها “ثورة 23 يوليو” (تمّوز) في 18 عامًا، كانت مليئة بالإنجازات والنجاحات والاخفاقات والأخطاء التي اعترف بها زعيم الثورة وقائدها في أكثر من موقع ومناسبة.
كانت أصعب اخفاقات الثورة، هي عدم تمكُّنِها من تحقيق الديموقراطيّة وصون الحرِّيّات، بسبب الظروف والضغوط الأمنيّة التي فرضها الصراع المرير مع المشروع الصهيونيّ، وأصحابه في الخارج، وأتباعهم واعوانهم في الداخل، وبسبب وجود الكثير من خلفيّات عسكريّة وأمنيّة في جهاز الحكم.
ثاني هذه الاخفاقات، هو عدم القدرة في الحفاظ على الوحدة بين مصر وسوريا، لأسباب، أيضًا، خارجيّة وداخليّة متنوِّعة.
ثالثها، هزيمة الجيوش العربيّة في حرب 1967، وما أحدثته من ردّة، تمّت دراسة نتائجها والإفادة منها – من قِبَل الأعداء – بدقّة وعناية.
رابعها، الاستخفاف بوجود (الرئيس المصري الراحل) أنور السادات، كشخصيّة تابعة وضعيفة، الذي تمكّن – بمساعدة مُشَغِّليه – من تغيير مسار الثورة، وإلغاء مفاعيلها الكبرى على المستويات كلها، والقضاء على إرث جمال عبد الناصر- كما صرّحَ هو لِهنري كيسنجر وزير خارجية أميركا الصهيونيّ.
هذه هي أبرز النجاحات والاخفاقات للثورة وزعيمها التي ستبقى عنوانًا لمرحلة من أبهى مراحل التاريخ العربيّ في العصور الحديثة – وهذا ما تؤكِّدُهُ حيثيّات الحرب العدوانيّة المجرمة الدائرة في غزّة – وستبقى الرمز والدليل لأجيال من العرب، تطمح إلى التحرُّر والنهوض والتنمية والوحدة وأخذ مكان لائق تحت الشمس..

المصدر: المدار نت

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. قراءة موضوعية وتحليل منطقي لأهم منجزات وإخفاقات ثورة 23يوليو/تموز بقيادة الرئيس الزعيم #جمال_عبد_الناصر ثورة جمال عبد الناصر الثورة التي ألزمت نفسها بمبادئ وأهداف لم تتوانَ يومًا عن العمل لتحقيقها – بغَضّ النظر عن مدى نجاحاتها وإخفاقاتها، ستبقى هذه الثورة وزعيمها عنوانًا لمرحلة من أبهى مراحل التاريخ العربيّ في العصور الحديثة – وهذا ما تؤكِّدُهُ حيثيّات الحرب المتوحشة القذرة بـ غZة.

زر الذهاب إلى الأعلى