مع تزايد قوة طهران في البحر ينبغي على واشنطن تكثيف جهودها الرامية إلى حماية البحار.
ينبغي على واشنطن العمل على تقوية نظام الشحن الدولي من خلال إنشاء طرق تجارية بديلة وبالتالي إضعاف حافز طهران في تعطيل النقل البحري
منذ بداية الحرب على قطاع غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تحول البحر الأحمر إلى ساحة معركة ثانية. فالحوثيون وهم جماعة مسلحة مقرها اليمن ومدعومة من إيران أطلقوا صواريخ وأرسلوا مسيرات حربية لضرب السفن التجارية التي تمر عبر الطريق البحري. وأغرقوا سفينتين وألحقوا أضراراً بعشرات السفن الأخرى. ومن خلال تعطيل هذا الطريق البحري الحيوي الذي يعبره ما لا يقل عن 12 في المئة من إجمال التجارة الدولية كل عام في الظروف الطبيعية، ارتفعت كلف الشحن بصورة كبيرة وانقلب النظام التجاري رأساً على عقب. وتعهدت الجماعة بمواصلة استهداف السفن التجارية إلى أن تنهي إسرائيل عملياتها العسكرية في غزة، معتقدة أن الفوضى التي تسببها ستزيد من الضغوط الدولية على الحكومة الإسرائيلية من أجل إنهاء الحرب.
ربما يقود الحوثيون هذا الهجوم لكنهم لا يعملون بمفردهم. فالجماعة جزء من “محور المقاومة” الإيراني وهو عبارة عن شبكة مؤلفة من شركاء غير حكوميين [من غير الدول] في معظمهم تحشدهم طهران لخدمة أهدافها الإقليمية. وفي الواقع قدمت طهران الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية لدعم حملة الحوثيين في البحر الأحمر، وأظهر القادة الإيرانيون تأييدهم العلني للهجمات على السفن التجارية.
وبالنسبة إلى إيران فإن مساعدة الحوثيين في الهجمات هي مجرد جزء واحد من تحول استراتيجي أوسع، يعتمد بصورة متزايدة على القدرات البحرية من أجل إبقاء أعداء إيران في موقف دفاعي. وقبل ما يقارب أربعة أعوام كانت أنشطة إيران البحرية تقتصر إلى حد كبير على عدة مئات من الزوارق السريعة التابعة للحرس الثوري الإيراني التي تقوم بدوريات في الخليج العربي، والتهديدات الدورية بإغلاق مضيق هرمز، وهو ممر حيوي ضيق تمر عبره شحنات النفط العالمية. ولكن في الآونة الأخيرة حصلت القوات البحرية الإيرانية على سفن أكثر تقدماً، بما في ذلك غواصات جديدة وسفن حربية مسلحة بالصواريخ، وبدأت توسيع نطاق عملها وصولاً إلى المحيطين الأطلسي والهادئ. وتتماشى هذه التغييرات مع عقيدة “الدفاع المتقدمة” التي تبنتها إيران بعد الحرب الإيرانية العراقية عام 1988 وتعززت في أوائل العقد الأول من القرن الـ21، وهي استراتيجية تهدف إلى مواجهة الخصوم بعيداً من حدود إيران قبل أن يتمكنوا من تشكيل تهديد للوطن.
والآن أصبحت القوة البحرية المحدثة عنصراً محورياً في استراتيجية إيران العسكرية. والأدوات التي كثيراً ما كانت أساساً في الدفاع الإيراني المتقدم في البر، على غرار الصواريخ والطائرات المسيرة والميليشيات الوكيلة، صارت تستخدم اليوم في البحر. ومن أجل تعزيز قدراتها بصورة أكبر أقامت طهران شراكات بحرية مع الصين وروسيا. ومن خلال زيادة وجودها البحري لا تهدف إيران إلى ردع الهجمات التي تشنها الجهات الأجنبية الراغبة في إلحاق الضرر بها فحسب، بل أيضاً إلى تهديد هؤلاء الخصوم بصورة مباشرة، وبخاصة الولايات المتحدة.
وهذا التهديد البحري الإيراني يتطلب الرد. لذا ينبغي على واشنطن العمل على تقوية نظام الشحن الدولي من خلال إنشاء طرق تجارية بديلة، بالتالي إضعاف حافز طهران في تعطيل النقل البحري في المقام الأول من خلال السماح لها بالاندماج المحدود في نظام التجارة العالمي. إضافة إلى ذلك، مع تحسن العلاقات بين إيران وشركاء الولايات المتحدة في الخليج يجب على واشنطن أن تشجع هؤلاء الشركاء على ممارسة نفوذهم لكبح جماح الاستفزازات الإيرانية. وعلى الجبهة العسكرية يتعين على الولايات المتحدة أن تتعاون بصورة وثيقة مع حلفائها لمواجهة القوة البحرية الإيرانية واحتوائها.
دفاع متقدم
وأدخلت إيران عدداً من التغييرات الملحوظة أثناء تطوير استراتيجيتها البحرية. أولاً، تولت القوة البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني دوراً مهيمناً. وتاريخياً، كانت تلك القوة تتألف من أسطول من الزوارق السريعة الحركة التي ضايقت السفن الأميركية في الخليج العربي ومضيق هرمز. وفي الوقت نفسه، كانت القوة البحرية التقليدية الإيرانية التي تستخدم سفناً أكبر تقوم بدوريات وتنفذ عمليات لمكافحة القرصنة، وتجمع معلومات استخباراتية في المياه البعيدة وهي مهام دفاعية بصورة أساس. إلا أن هذا التفاوت في القدرات بين القوتين البحريتين اختفى فعلياً في يناير (كانون الثاني)، عندما تلقت البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني سفينتين حربيتين متطورتين جديدتين. ومن المتوقع أن تتلقى مزيداً منها في الأعوام المقبلة. وهذه السفن ستسمح لبحرية الحرس الثوري الإيراني بإجراء عمليات خارج الخليج العربي وخارج نطاق مهام القوات البحرية التقليدية. وخلال عام 2020 كلف المرشد الأعلى علي خامنئي الحرس الثوري الإيراني على وجه التحديد بتوسيع قدرة إيران على الوصول إلى الخصوم في المياه البعيدة، بما يتماشى مع استراتيجية تعرف باسم “اليد الطويلة”.
أما التغيير الملحوظ الآخر فهو القدرة التكنولوجية التي تتمتع بها القوة البحرية الجديدة. وطوال عقود عملت إيران على تطوير برنامجها الصاروخي لكنها الآن تركز بصورة متزايدة على تسليح أسطولها البحري بأحدث التقنيات. وجهزت طهران السفن الحربية التابعة لبحرية الحرس الثوري الإيراني بأنظمة صاروخية متقدمة يصل مداها إلى 430 ميلاً. وفي السابق كان بإمكان الصواريخ الأرضية الإيرانية الوصول إلى أهداف تقع على بعد 1200 ميل فقط من الأراضي الإيرانية، لكن قدرة الأسطول البحري على الحركة تسمح له بتوسيع نطاق الأهداف المحتملة بصورة كبيرة.
وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية نفذت إيران مهام بحرية لمساعدة أعضاء محور المقاومة بوتيرة متزايدة. وأشار تقرير نشرته صحيفة تليغراف إلى أن وحدة في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وهي تتضمن قوات النخبة المكلفة بعمليات خارج الحدود الإقليمية أرسلت أسلحة إلى “حزب الله” من طريق إخفائها على متن سفن الشحن المنطلقة من مدينة بندر عباس الساحلية الإيرانية. وتتوقف السفن في ميناء اللاذقية السوري، إذ تفرغ الأسلحة قبل مواصلة رحلاتها التجارية. واستخدمت إيران أيضاً “ناقلات النفط الشبحية” (وهي سفن تعطل أنظمة التتبع الخاصة بها وتغير أسماءها وتفاصيل تسجيلها لتجنب اكتشافها) لتوصيل النفط إلى سوريا، إذ يحافظ الرئيس السوري بشار الأسد على تحالف وثيق مع طهران ويعد عضواً مهماً في محور المقاومة. وفي البحر الأحمر كانت السفينة الإيرانية “بهشاد” تقدم الدعم في مجالي الاستخبارات والمراقبة لهجمات الحوثيين على الشحن الدولي.
وهناك عنصر رئيس آخر في الأنشطة البحرية الإيرانية وهو إحكام سيطرة البلاد على الممرات المائية الاستراتيجية. إن الجغرافيا الخاصة بإيران تتيح لقواتها البحرية الوصول إلى الخليج العربي ومضيق هرمز، الذي يشحن عبره ما يزيد على 20 في المئة من النفط المستهلك عالمياً. وشراكة طهران مع الحوثيين تمتد إلى مضيق باب المندب، وهو الممر بين اليمن والقرن الأفريقي عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر. وخلال عام 2018 أشار الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى أن إيران تسيطر على باب المندب عندما قال “لدينا مضائق متعددة، ومضيق هرمز هو مجرد واحد منها”. وبعد مرور خمسة أعوام فإن هجمات الحوثيين على السفن التي تمر عبر هذا الممر المائي تجعل كلمات روحاني تبدو وكأنها كانت بمثابة تحذير. وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية أفادت أن طهران زودت الحوثيين بصواريخ باليستية إيرانية الصنع مضادة للسفن وأن التكنولوجيا الإيرانية ساعدت الحوثيين في ضرب السفن في البحر الأحمر. ومن المحتمل أن تكون إيران نقلت تكنولوجيا صاروخية مماثلة إلى “حزب الله”، الذي يعتقد أنه يمتلك بالفعل صواريخ روسية الصنع مضادة للسفن. ومن خلال الجمع بين قدراتها الخاصة من جهة والمواقع الساحلية والقدرات البحرية التي يتمتع بها أعضاء محور المقاومة من جهة أخرى، تستطيع إيران إبراز قوتها خارج الخليج العربي وصولاً إلى البحر الأحمر وشرق البحر الأبيض المتوسط.
هذا وتشكل الشراكات مع الصين وروسيا الركيزة الأخيرة في استراتيجية إيران البحرية. فمنذ عام 2019 أجرت الدول الثلاث أربع مناورات بحرية مشتركة، كانت آخرها في خليج عُمان في مارس (آذار) الماضي. استعراض القوة هذا أشار إلى قدرة هذه الدول وعزمها على تحدي الهيمنة البحرية الغربية في المنطقة. وكجزء من التعاون العسكري المتنامي بين إيران وروسيا منذ بداية الحرب في أوكرانيا، طلبت إيران أيضاً المساعدة الروسية في تطوير صواريخ بحرية دقيقة أكثر تقدماً طويلة ومتوسطة المدى.
جاذبية البحر
إن الاستراتيجية البحرية الإيرانية المحدثة هي في المقام الأول عبارة عن استجابة للتحولات في بيئة البلاد الأمنية. أولاً، ترى طهران حاجة إلى تنويع خياراتها من أجل التصدي للولايات المتحدة. في السابق، شكلت القواعد العسكرية الأميركية في دول الخليج أهدافاً سهلة، وعندما كانت التوترات الدبلوماسية تتصاعد وواشنطن تكثف ضغوطها على طهران كان بإمكان إيران أن تهدد بضرب قاعدة أميركية. ولكن على مدى العامين الماضيين اتخذت إيران خطوات للتصالح مع جيرانها العرب، وهي الآن أكثر تردداً في تعريض هذه العلاقات للخطر. ونتيجة لذلك انخفضت قدرات طهران على تهديد القواعد الأميركية في المنطقة بصورة ملحوظة. وفي مثال واضح على الحذر الإيراني، أبلغت طهران دولاً خليجية عدة بخططها، قبل هجومها الكبير بالصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل في أبريل (نيسان)، وذلك من أجل الاطمئنان إلى أن العملية لن تمتد إلى أراضي تلك الدول، بل ستقتصر على إسرائيل.
ومن أجل تجنب إمكانية إثارة غضب جيرانها بدأت إيران توجه تهديداتها نحو المصالح الأميركية في مواقع أبعد. ففي شهر مايو (أيار) على سبيل المثال أعلن قائد القوات البحرية في الحرس الثوري علي رضا تنكسيري أن إحدى السفن الحربية الجديدة المجهزة بالصواريخ أبحرت قرب دييغو غارسيا، وهي جزيرة نائية في المحيط الهندي حيث يتمركز أفراد عسكريون أميركيون. وكانت هذه المناورة بمثابة رسالة واضحة للولايات المتحدة مفادها أن الأسطول البحري الإيراني يوسع نفوذه ونطاق عملياته في البحر.
استراتيجية إيران الجديدة تهدف أيضاً إلى تقييد إسرائيل. ويشكل وكلاء إيران والميليشيات المتحالفة معها في لبنان وسوريا بالفعل تهديداً عسكرياً على طول حدود إسرائيل. ومن خلال تزويد “حزب الله” والحوثيين بطائرات مسيرة وصواريخ مضادة للسفن، تمنح إيران شركاءها الوسائل اللازمة لفرض كلف كبيرة على تل أبيب من خلال استهداف شحنها وموانئها. وفي أي صراع محتمل يمكن للجماعات المدعومة من إيران ضرب أهداف إسرائيلية في البر والبحر. وقد تواجه الولايات المتحدة أيضاً صعوبة أكبر في تقديم المساعدة والدعم اللوجيستي لإسرائيل، لأن سفنها ستكون عرضة لهجمات إيران وحلفائها. ومجرد امتلاك هذه القدرات يعزز نفوذ إيران على إسرائيل مما يجبر هذه الأخيرة على أن تضيف إلى حسابتها الاستراتيجية خطر صد الهجمات على جبهات متعددة.
وبعض دوافع طهران تعد دفاعية. في الواقع، تسعى إيران إلى استخدام وجودها البحري لزيادة كلف الصراع على خصومها، سواء إسرائيل أو الولايات المتحدة أو أية قوة معادية أخرى. ويمكنها القيام بذلك من خلال تحسين قدرتها على عرقلة طرق العبور والشحن الدولية، مثلما فعل الحوثيون خلال الحرب في غزة. ولتعزيز هذه القدرة بصورة أكبر حاولت إيران – ولم تنجح – إنشاء قاعدة بحرية على ساحل البحر الأحمر السوداني، مقابل توفير أسلحة متطورة للقوات المسلحة السودانية. وإلى جانب نفوذها على الحوثيين فإن وجود قاعدة في السودان من شأنه أن يمنح إيران إمكانية السيطرة على حركة العبور في ممرين ضيقين [من المدخلين الشمالي والجنوبي في البحر الأحمر]. ووفقاً لحسابات طهران إذا تأكد أعداؤها من أن المناوشات الإقليمية قد تعطل التجارة العالمية، فسيكونون أقل ميلاً إلى المخاطرة بالفوضى الاقتصادية الناجمة عن الاشتباك مع القوات الإيرانية أو عن شن هجوم على الأراضي الإيرانية.
وأخيراً أصبح العمل من طريق البحر أكثر جاذبية، إذ إن المراقبة الإسرائيلية جعلت من الأصعب على إيران تهريب الأسلحة إلى حلفائها من طريق البر والجو. وقد صارت المسارات التقليدية مثل “الجسر البري” الذي يربط إيران بسوريا ولبنان عبر العراق و”الممر الجوي” الذي يربط إيران بسوريا عبر العراق، محفوفة بالأخطار نظراً إلى أن العمليات الاستخباراتية الإسرائيلية تكشف هذه التحركات وتعطلها بغارات جوية. وعلى النقيض من ذلك فإن النقل البحري يخضع لمراقبة أقل شدة ويوفر مرونة أكبر من حيث تغيير الطرق واستخدام أنواع مختلفة من السفن، مما يسمح لإيران بالحفاظ على تدفق ثابت من الأسلحة إلى حلفائها.
الحد من الخطر
وحتى مع التعديلات التي تجريها إيران على استراتيجيتها في البحر فإن قوتها البحرية التقليدية لا تزال متخلفة بصورة كبيرة عن قوة الولايات المتحدة ومعظم حلفائها. لكن هذا لا ينفي التهديد الذي تشكله أنشطة إيران في البحر. ويكمن الخطر الحقيقي في قدرة طهران المتزايدة على شن حرب غير متكافئة في المناطق البحرية، باستخدام مزيج من الهجمات الصاروخية والطائرات من دون طيار، وتنفيذ العمليات من خلال الميليشيات الوكيلة والسيطرة على الممرات المائية الاستراتيجية لاستهداف المصالح الأميركية.
ويذكر أن علاقات إيران التي تزداد عمقاً مع الصين وروسيا تؤدي إلى تفاقم التهديد. فهذه الشراكات لا تتيح لطهران القدرة على اكتساب تقنيات بحرية متقدمة وخبرة في خوض حرب بحرية فعالة فحسب، بل إن الأنشطة البحرية التي تمارسها كل دولة سواء كانت منسقة أو مستقلة، يمكن أن تخدم أيضاً هدفها المشترك المتمثل في تحدي الهيمنة الأميركية في البحر. ومثلما اتضح من فشل الحملة العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة وبريطانيا في وقف هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، فمن الصعب مواجهة العمليات البحرية غير المتكافئة، وبخاصة عندما تحدث في مياه بعيدة. إذا شنت إيران والصين وروسيا هجمات بحرية على الأصول البحرية الأميركية والشحن التجاري في الوقت نفسه وعبر مناطق جغرافية متعددة، فستتمكن من التغلب على القوات البحرية الأميركية.
لذا، يجب على الولايات المتحدة أن تتخذ إجراءات للحد من التهديدات البحرية الإيرانية. ومن خلال تعزيز المبادرات الدبلوماسية الرامية إلى إنشاء طرق نقل دولية بديلة، يمكن لواشنطن وشركائها تقليل اعتمادهم على الممرات المعرضة للخطر. وإحدى هذه المبادرات هي الممر بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. وينبغي على الولايات المتحدة حشد الجهات الفاعلة المعنية، بما في ذلك الهند وإسرائيل والاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لتأمين التمويل وتحديد أهداف واضحة وتسريع بناء السكك الحديد والموانئ وغيرهما من البنى التحتية الأساس. ويمكن لواشنطن أيضاً دفع المشروع الاقتصادي إلى الأمام من خلال تشجيع الشركات الأميركية على الاستثمار من طريق الشراكات بين القطاعين العام والخاص. وفي سياق مماثل يمكن للولايات المتحدة أن تقدم دعمها لمشروع “طريق التنمية”، الذي سيربط الخليج العربي بتركيا وأوروبا عبر العراق. وتستطيع واشنطن أن تساعد في هذا المشروع من خلال دعم الحكومة العراقية في جهودها الرامية إلى تعزيز الأمن على طول الطريق ومن خلال تشجيع التعاون الوثيق بين بغداد وأنقرة. ويمكن للولايات المتحدة أيضاً أن تساعد العراق في تأمين القروض أو المنح للمشروع من خلال صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
وعلاوة على ذلك تستطيع واشنطن أن تشجع شركاءها في الخليج على الاستفادة من تحسن علاقاتهم مع طهران من أجل تقليل أخطار الصراعات البحرية. ولقد أعرب كل من إيران وأعضاء مجلس التعاون الخليجي عن اهتمامهم بالأمن الإقليمي، والخطوة التالية هي وضع إطار يحوي ضمانات بأن جميع الأطراف ستحترم التجارة الدولية والشحن في الخليج العربي ومضيق هرمز. ويمكن أن يكون اتفاق عدم الاعتداء بين إيران وجيرانها هو الخطوة الأولى نحو إطار أمني إقليمي، إذ إنه سيعزز الثقة ويقلل من احتمالية وقوع الاشتباكات في البحر. ويتعين على الولايات المتحدة أن توضح لشركائها أنها تدعم مثل هذه المفاوضات.
ويجب على إدارة بايدن أيضاً أن تسعى إلى دمج إيران في الاقتصاد العالمي، ولو بطرق محدودة. لقد أدت العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة إلى تقييد التجارة الدولية الإيرانية، بالتالي لن يكون لدى إيران كثير لتخسره إذا قررت تعطيل طرق العبور الرئيسة. إن زيادة الكلفة التي تتحملها إيران نتيجة تعطيلها التجارة العالمية قد يساهم في تغيير حساباتها، وإحدى الخطوات التي يمكن أن تتخذها واشنطن في هذا الاتجاه هي تجديد الإعفاء من العقوبات الذي من شأنه أن يسمح للهند بالمضي قدماً في خططها الرامية إلى تطوير ميناء تشابهار الإيراني وإدارته.
وإلى جانب جهودها الدبلوماسية ينبغي على الولايات المتحدة أن تحث شركاءها الإقليميين على اتخاذ تدابير عسكرية لاحتواء الخطر البحري الإيراني. وتتيح محادثات التطبيع العربية الإسرائيلية فرصة لتأمين مثل هذه الالتزامات. ولا شك في أن تحالفاً يضم إسرائيل وبعض الدول العربية من شأنه أن يستفز إيران، ولكن من غير المرجح أن تسفر أي محادثات عن أكثر من تعاون يتضمن الدعم الفني واللوجيستي. وستكون هذه الجهود ذات أهمية خاصة في حال عدم التوصل إلى اتفاق أمني بحري إقليمي يشمل طهران. وفي هذا السيناريو ستسعى دول الخليج العربي إلى إيجاد طرق بديلة لتقييد قوة إيران في البحر، بما في ذلك التنسيق العسكري مع الولايات المتحدة.
والتعاون مع حلفاء واشنطن الأوروبيين لا يقل أهمية. وانضمت القوات الأوروبية إلى الحملة ضد الحوثيين في البحر الأحمر، لكن قدرتها على الانتشار السريع ومواصلة العمليات بعيداً من قواعدها محدودة. وفي سبيل تجهيز جيوشها للاستجابة بسرعة لأية تهديدات بحرية غير متكافئة في المستقبل، يتعين على الحكومات الأوروبية أن تزيد في أساطيلها عدد السفن المنشورة في المواقع الاستراتيجية [أي القريبة من الأماكن التي قد تنشأ فيها اضطرابات محتملة] وتحسين الدعم اللوجيستي.
ومع تبلور استراتيجية الدفاع البحري المتقدم الخاصة بإيران يجب على الولايات المتحدة وحلفائها الاستعداد. لقد صممت استراتيجية إيران لتكون ذكية، مما يسمح لها بتصعيد الصراعات الإقليمية وتهديد المصالح الأميركية في أماكن متعددة في الوقت نفسه. وستحتاج واشنطن إلى الاستفادة من مجموعتها الكاملة من الأدوات الدبلوماسية والعسكرية من أجل منع طهران من تحقيق تفوقها المنشود في البحر.
*حميد رضا عزيزي هو زميل زائر في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية وباحث غير مقيم في مجلس الشرق الأوسط للشؤون العالمية.
مترجم عن “فورين أفيرز” 10 يوليو (تموز) 2024
المصدر: اندبندنت عربية