بعيداً عن أجواء التشاؤم وإجهاض المبادرات العديدة التي طُرحت في السنوات المنقضية لإنجاز حل للمسألة السورية، وآخرها كان مشروع المجلس العسكري الانتقالي، لا بد من التفكير في مبادرات جديدة لإنقاذ من تبقى من الشعب السوري.
فالظروف التي تزداد تعقيداً وقسوة تقتضي منا جميعاً التفكير والعمل لمنع غرق الشعب السوري في بئر لا قرار لها، فحالة التشرذم والتصارع والنبذ التي تشهدها الفصائل العسكرية والتجمعات السياسية والحركات المدنية في المناطق المحررة، ستزداد تعقيداً بعد أحداث الأول من تموز الجاري في جنوبي تركيا التي طالت اللاجئين السوريين ومساكنهم وورشهم. يضاف إليها وضع السوريين في مناطق النظام السوري فهو ليس أفضل حالاً من وضع مخيمات النزوح في الشمال الغربي، فالمجاعة تكاد تدق الأبواب هناك في الداخل، ويعاني ما لا يقل عن ربع السكان من سوء التغذية وتتفشى الأمراض النفسية فيما لا يقل عن عشرة بالمئة من سكان مناطق النظام السوري.
لأجل ما تقدم لا بد من البحث عن حلول والتفكير في أية إمكانية متاحة يمكن استغلالها وطرحها للنقاش والتداول في سبيل إنقاذ ما تبقى من الشعب السوري، من ذلك على سبيل المثال الطرح الذي نقدمه هنا بخصوص مبادرة فرنسية ألمانية للإنقاذ.
لا تخفى أهمية كل من ألمانيا وفرنسا في أوروبا ودورهما الحالي والسابق بالنسبة لسوريا، فهما البلدان من بين كل البلدان الأوروبية اللذان يمكن لهما لعب دور سياسي واقتصادي يدفع باتجاه حل المسألة السورية.
وقد يقول قائل إن مبادرة بخصوص سوريا تجمع بين فرنسا وألمانيا صعب لها أن تنجح، وهما البلدان اللذان بينهما في التاريخ ما صنع الحداد. وهذا صحيح، لكنهما بلدان التقيا عندما اقتضت مصلحتهما ذلك ونظرا إلى المستقبل بدل الماضي، فهما عبر التقاء شركات الصلب في البلدين كوّنا البنية الصلبة للاتحاد الأوروبي.
تاريخياً، على الرغم من تأخر الوجود الألماني في المشرق عن الوجود الفرنسي فيه، فهو ليس بالقليل، فالمستوطنات الألمانية في فلسطين عمرها مئتا عام وفي التاريخ الثقافي الألماني مواقف مشرقة وإيجابية من الشرق والإسلام، وبالعموم لا يوجد تاريخ ألماني ثقافي وسياسي معادٍ للعرب، إذا ما استثنينا مواقف بعض الساسة الألمان من الحرب على غزة مؤخراً.
في ألمانيا توجد معظم النخب السورية المؤثرة التي كانت محرك السياسة والاقتصاد والثقافة والخدمات حكومية وخاصة، وهي التي سيكون لها دور أساسي في سوريا المستقبل، ما يعني حتمية أن يكون لألمانيا دور في سوريا لو أرادت لعبه، باعتبارها رابع أقوى اقتصاد في العالم، ما يجعلها قادرة – لو أرادت وسُمح لها – بدعم الاقتصاد السوري المنهار.
أما فرنسا فدورها التاريخي معروف في سوريا ولبنان منذ ما يقرب من القرن، الدور الذي طالما لعبته وكان “هاجس التاريخ” لناحية الاعتماد على الأقليات وحمايتها أحد أهم هذه الأدوار في سوريا.
لذلك فمحتوى المبادرة المفترضة ينبغي أن يرتكز على تلبية حاجتين أو مهمتين ضروريتين لبقاء سوريا:
المهمة الأولى يقوم بها الطرف الألماني وتتمثل بتلبية الوضع الإنساني والدعم الاقتصادي، إذ يمكن لألمانيا المساعدة في تأهيل القطاع الطبي المنهار بسبب سفر معظم الأطباء السوريين إلى ألمانيا خصوصاً وأوروبا عموماً، وكذلك تزويد السكان بالكهرباء عن طريق تقديم مساعدات أو منح مباشرة للأسر الأشد فقراً لإقامة مشاريع صغيرة وإعادة كهربة البلاد عبر دعم مشاريع الكهرباء عامة أو خاصة بواسطة منظمات دولية أو إقليمية مختصة. لاحقاً بعد حدوث تغيير متوقع في بنية وسلوك النظام سيكون لألمانيا حصة من كعكة الإعمار في سوريا لموثوقية القطاعات الإنشائية الألمانية وريادتها عالمياً في مجالات البنية التحتية، ودعم سياسيين ورجال أعمال سوريين وطنيين لإعادة بناء مشاريعهم وشركاتهم. المساهمة الألمانية مهمة من ناحية الدعم الإنساني الفوري وتنصب على جهود إعادة الإعمار بعد رضوخ النظام للحل السياسي أو بعد تغييره أو سقوطه.
أما المساهمة الفرنسية في المبادرة فتتعلق بالمرحلة والكيفية التي يجب فيها إنهاء أو تغيير النظام الأسدي عبر دعم مجلس عسكري يقود العمل، وربما كان هذا هو الدور المنوط بالمجلس العسكري الانتقالي.
بالطبع لن ننسى الأتراك، فهم جزء أساسي في الصراع السوري بما يخص كامل الشمال السوري والجزيرة السورية – ما يسمى شرق الفرات – وربما يمكن إدخال عُمان كوسيط بين السوريين وإيران باعتبار إيران جزءاً أساسياً أيضاً من الصراع على سوريا، وتنظيماتها موجودة في أماكن واسعة فيها، كما أن لإيران سيطرة على بعض الأجهزة والمؤسسات الرسمية السورية، ولها أيضاً أنصار سوريون على خلفية سياسية مذهبية (تشيّع سياسي) نجحت في تنظيمهم خلال احتلالها لسوريا.
إن نظرة الفرنسيين للحل في سوريا لها بعد تاريخي اجتماعي تنطلق من الحساسية الفرنسية التاريخية تجاه الأقليات المسيحية في شرق المتوسط – أضيف لها أقليات مسلمة لاحقاً – لكون الأقليات تاريخياً كان ينظر إليها كصلة وصل بين شرق المتوسط وأوروبا، وجسر تعبر منه للشرق. هذه الرؤية الفرنسية خصوصاً والأوروبية عموماً لها بعد أعمق متعلق بالتشابه ما بين النظرة الأوروبية ونظرة الأقليات عن المحيط المسلم، إضافة للنظرة الثقافية الفرنسية في ضمان بقاء الأقليات في وضع آمن ويقدم ضمانة للطائفة العلوية بعد سقوط النظام أو تغييره.
لا شك أن مبادرة ألمانية فرنسية تنضم إليها تركيا لا يمكن أن تنجح دون ضوء أخضر أميركي وعدم ممانعة أو عرقلة إسرائيلية، والأهم من كل ذلك لا بد من تكوين فريق عمل سوري وطني يسعى جاداً ويعمل مخلصاً لإنقاذ ما تبقى من سوريا والبناء على ما هو متوفر. فكل شيء يجب أن يبدأ من هذا الفريق السوري، وهو إذا ما نجح في التكوّن والانطلاق والعمل بإخلاص، فسرعان ما يلقى دعماً من الدول الراغبة في لعب دور بنّاء في مستقبل سوريا.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا