فاز التحالف الذي يقوده حزب بهاراتيا جاناتا، بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، بالانتخابات الهندية العامة. ولكن، يمكن القول إنّه فوز بطعم الهزيمة، لأنّ هذا الحزب الحاكم فشل في المحافظة على أغلبيته البرلمانية، وفق النتائج الرسمية التي أعلنتها مفوضية الانتخابات الهندية، فحصل على 240 مقعداً من أصل إجمالي مقاعد البرلمان الهندي البالغ 543 مقعداً، بينما سبق له أن حصل على 303 مقاعد في الانتخابات السابقة، قبل خمس سنوات. ومن ثم، سيضطر إلى الاعتماد على أحزاب وقوى أخرى داخل التحالف الوطني الديمقراطي، الذي يقوده، لتشكيل حكومة ائتلافية في المرحلة المُقبلة. في المقابل، حقّق تحالف المعارضة بقيادة حزب المؤتمر الوطني تقدّماً واضحاً بحصوله على 99 مقعداً في البرلمان، أي ما يقارب ضعفي عدد المقاعد التي حصل عليها في انتخابات عام 2019.
جاءت نتائج الانتخابات لتشكّل انتكاسة صادمة لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، بعد أن توقّعت استطلاعات الرأي قبلها فوزاً ساحقاً للتحالف الذي يقوده في الانتخابات العامة الماراثونية، التي شارك فيها 640 مليون ناخب هندي، وجرت على مدار ستّة أسابيع مضت، وقسّم التصويت فيها إلى سبع مراحل عبر الولايات المُختلفة، نظراً إلى مساحة الهند الشاسعة، ولعدد سكّانها الكبير، البالغ أكثر من 1.4 مليار نسمة.
رغم خسارة حزبه الأغلبية البرلمانية، إلّا أنّ مودي مُصمّم على الاستمرار في منصب رئاسة وزراء الهند، مع أنّ الأمر مرهون بالتحالف الذي يقوده، المُكوّن من حلفاء مُتعدّدين، ولاء بعضهم متذبذب، فقد يطالب بعضهم باختيار زعيم جديد للتحالف في حال فشل مودي في الحصول على الدعم الكافي لتجديد ولايته رئيساً للوزراء. إضافة إلى أنّ وجود تكهّنات بحصول انشقاقات بين أعضاء التحالف الحاكم، وانضمامهم إلى صفوف المعارضة، غير أنّ مودي مسرور بفوز التحالف الذي يقوده “بهاراتيا جاناتا” للمرّة الثالثة على التوالي في الانتخابات الهندية، واعتبره فوزاً تاريخياً، يعبّر عن “تأييد الشعب الهندي للمرّة الثالثة”، رغم خسارته الأغلبية البرلمانية المطلقة للمرّة الأولى منذ عشر سنوات، ومن الخيبة التي مني بها، إذ كان يراهن بالحصول على أربعمائة مقعد في البرلمان. وارتاح في حملته الانتخابية إلى الآراء والأطروحات الهندوسية المُتشدّدة، التي بالغ في الاعتماد عليها، بالإضافة إلى رهانه على قدراته الشخصية التي لم تعد جاذبة للناخبين الذين يعانون أوضاعاً معيشية صعبة، في بلد يشهد زيادةً في عدم المساواة واتساعاً في الفجوة ما بين الأغنياء والفقراء، الأمر الذي ساهم في فقدان بريقه الشخصي، وقلّل من حجم شعبيته التي ارتبطت سابقاً بقدرته الشعبوية على الاستعراض والتسويق والمشاهد المُثيرة، فالشباب الهندي الذي تضرب نسبةُ بطالةٍ عاليةٍ صفوفَه، لم يعد تغريه إثارات مودي وخطابه التحريضي ضدّ المسلمين في الهند، الذين يُقدّرون بأكثر من مائتي مليون شخص، فقد أظهرت نتائج الانتخابات أنّ تكثيف مودي الخطاب الذي يُعزّز الانقسام الديني الرئيس في الهند، لم يسعفه في محاولته حشد الغالبية الهندوسية للتصويت لمصلحة حزبه.
يُحسب لأحزاب المعارضة الهندية وقواها أنّها شكّلت ائتلافاً واسعاً، تجسّد في التحالف الوطني الهندي التنموي الشامل، يقوده حزب المؤتمر الوطني، بوصفه حزب المعارضة الرئيس، وأقدم حزب سياسي في البلاد، إذ يعود تاريخه إلى عام 1885، عندما حكم البريطانيون الهند. والأكثر أهمّية أنّ هذا التحالف المعارض ركّز على القضايا الجوهرية ضدّ الحزب الحاكم، خصوصاً قضايا البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة، وعدم المساواة في توزيع الدخل. إضافة إلى أنّ بعض حلفاء حزب بهاراتيا جاناتا لا يشاركون قادته آراءهم الهندوسية المُتشدّدة، التي مثّلت جوهر أجندة الحزب الانتخابية. لذلك، سيجد قادة الحزب أنفسهم مضطرّين إلى تخفيف حدّة خطابهم الكاره للأقليات، والتخلّي عن طموحاتهم الهادفة إلى تحويل الهند دولةً هندوسيةً، وبما يتعارض مع علمانية الدولة، التي ينصّ عليها الدستور الهندي، ويُقرّ بأنّها دولة مُتعدّدة الثقافات والأعراق، وبما يتنافى مع دعوات اليمين القومي الهندوسي بإعلانها أمّة هندوسية، ومحاولته ترسيخ هيمنة الهندوسية في القانون.
في المستوى الدولي، سيكون لنتائج الانتخابات أثرها وإرهاصاتها، بالنظر إلى أنّ الانتكاسة الانتخابية قد تدفع الحكومة الجديدة إلى اتخاذ إجراءات إنفاق شعبوية إلى استعادة التأييد الذي فقده الحزب الحاكم، ما يُعرّض خططها الاقتصادية للخطر، إذ تعتبر الهند شريكاً اقتصادياً وتجارياً أساسياً لدولٍ عديدة، كالولايات المتّحدة وبريطانيا وفرنسا، التي تسعى إلى تعزيز علاقاتها وشراكتها الاقتصادية والتجارية مع الهند لمواجهة تنامي النفوذ الصيني. كما أنّ الاقتصاد الهندي أحدُ أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، ويزيد مُعدّل نمو الهند الاقتصادي عن 8%. وقد انعكست نتيجة الانتخابات العامة على المُستثمِرين الأجانب، فأفضت إلى انخفاض حادّ في الأسهم فور إعلان نتائجها.
تكشف الانتكاسة الصادمة للحزب الحاكم، وزعيمه، أنّهما لم يُقدّما أيَّ برنامجٍ مُقنع للناخبين الهنود، الذين يتركّز همّهم في أمورهم المعيشية، فضلاً عن أنّهما لم يُقدّما للنسيج الاجتماعي المُعقّد في الهند ما يمكن أن يسهم في تسوية الخلافات، ومحو التناقضات في الهُويّة والمُعتقدات، بل إنّ مودي أمعن في تهميش معظم الأقلّيات خاصّة المسلمين، وبات معظم أبناء الأقليات يعانون أوضاعاً معيشية صعبة، وذلك، في ظلّ نقص الخدمات وصعوبة حصولهم على فرص عمل، في حين يتمتّع أبناء الأغلبية الهندوسية بامتيازات حُرم منها الآخرون. كما أنّ الحكومات التي قادها مودي لم تُقدّم حلولاً جدية للإشكاليات والتوترات الطائفية والدينية، لأنّ خطابها كان مبنياً على رؤية عقائدية لدولة هندوسية، مع أنّ المطلوب هو اعتماد سياسات وممارسات وتشريعات تنهي ظاهرة تنامي العنف الديني والطائفي، وتنهي حالة التجييش والتحشيد، التي يقوم بها أعضاء الحزب الهندوسي القومي الحاكم وأنصاره. ولعلّ مودي يعي تماماً أنّ الزعيم الهندي التاريخي مهاتما غاندي (1948) كان هندوسياً مُتديّناً، لكنّه أصرّ على أهمّية أن “يتمتّع كلّ إنسان في الهند بالمساواة في المركز بغضّ النظر عن ديانته”، وشدّد على أن تكون الدولة “علمانية بالكامل”.
المصدر: العربي الجديد