مع اقتراب موعد انتخابات البلديات التابعة لـ”الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا، المظلة السياسية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، والتي من المقرر إطلاقها في 11 من حزيران الحالي، بدأت تظهر تصريحات رسمية تركية تنتقد تنظيمها وتعتبر الخطوات التي تعمل عليها “قسد” بمنزلة فرض “أمر واقع” في المنطقة.
وفي تصريح لزعيم حزب “الحركة القومية” (MHP) التركي، دولت بهشلي، في 28 من أيار الماضي، دعا لعملية عسكرية مشتركة تجمع تركيا والنظام السوري للقضاء على حزب “العمال الكردستاني” (PKK) في شمال شرقي سوريا.
جاء حديث دولت بهشلي خلال اجتماع أسبوعي أجراه مع حزبه، وهو جزء رئيس من التحالف الحاكم مع “العدالة والتنمية” في تركيا، وقال، “يجب إقامة تعاون مع دمشق للقضاء على مصدر المنظمة الإرهابية الانفصالية من خلال العمليات العسكرية وبناء جسر من العلاقات لعدم السماح للإرهابيين بغزو المنطقة”، وفق ما نقلته صحيفة “Cumhuriyet” التركية.
“سوء تقييم” تركي؟
دعوة حزب “الحركة القومية” للتعاون ما بين تركيا والنظام السوري، جاءت من تفسير تركيا الانتخابات بأنها مرحلة قادمة لتقسيم سوريا، مع الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية ترى أن الحوار مع “الإرهابيين” أمر ذو أهمية استراتيجية بالمنطقة، وفق بهشلي.
الخبير التركي في السياسات الخارجية والأمنية عمر أوزكيزيلجيك، قال لعنب بلدي، إن دعوة تركيا للتنسيق مع النظام السوري تكمن بفهمها الخاطئ له، مشيرًا إلى أن الأمن التركي ما زال لا يفهم بشار الأسد وأولوياته.
وتابع أوكزكيزيلجيك أن الأولوية الأولى لتركيا في سوريا هي “وحدات حماية الشعب” (PYD) وسلامة الأراضي السورية، أما الأسد فمن أولوياته المعارضة السورية والبقاء في الحكم، وتركيا بالنسبة له ليست حليفًا محتملًا بل تهديد للأراضي السورية.
ونتيجة لـ”سوء التقدير”، التقت تركيا بالفعل بنظام الأسد وحاولت إيجاد أرضية مشتركة، لتنتهي المحاولة بـ”الفشل الكبير” دون تحقيق نتائج مجدية، وفق الخبير التركي.
وحول إمكانية لقاء بشار الأسد بالرئيس التركي، قال الأسد خلال حديث خاص إلى قناة “سكاي نيوز” عربية، في 9 من آب 2023، إن الهدف بالنسبة له هو الانسحاب التركي من الأراضي السورية، بينما هدف أردوغان “شرعنة وجود الاحتلال التركي في سوريا”، بحسب تعبيره، مشددًا على أن اللقاء لا يمكن أن يتم “تحت شروط أردوغان”.
وبرأي الخبير التركي، إن أرادت تركيا الاجتماع مرة أخرى مع النظام السوري بعد فشل العملية فإن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، هو من سيعلن عن ذلك.
الباحث في مركز “جسور للدراسات” أنس شواخ، قال لعنب بلدي، إن عملية التنسيق بين تركيا والنظام السوري مستبعدة جدًا لغياب المؤشرات أو الأرضية على الواقع من عمليات عسكرية مشتركة أو غيرها من التفاصيل التي تدل على احتمالية حدوث تنسيق.
وافترض شواخ أنه في حال كان هناك عمل عسكري بري من الممكن أن يحدث بالتنسيق مع الجانب الروسي وباطلاع من الجانب الأمريكي أو موافقته على ذلك، أما دور النظام بهذا العمل العسكري المتوقع فيمكن أن يكون محدودًا بانتشار قوات النظام السوري في مناطق شمال شرقي سوريا، حيث تسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، على خلفية الاتفاق التركي- الروسي إن حدث.
رسائل للولايات المتحدة
نهاية 2023، خرجت “الإدارة الذاتية” بـ”عقد اجتماعي” تضمن تغييرات في الأسماء والتوصيفات، لتظهر العديد من الانتقادات لهذه الخطوة، إذ اعتبرها خبراء في تصريحات سابقة لعنب بلدي، على أنها خطوة تكريس لسلطة الأمر الواقع، ولا يمكن اعتبارها على أنها ميل نحو الانفصال، وكان من المتوقع أن دول الجوار بما فيها تركيا لن تقبل به، ما يعني أن الولايات المتحدة ستضغط على حليفها الكردي بهذا الشأن.
وفي 30 من أيار الماضي، أي بعد يومين من تصريح زعيم حزب “الحركة القومية”، دولت بهشلي، عزز الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، التصريحات إذ قال، إن تركيا تتابع عن كثب الأعمال العدوانية التي يقوم بها “التنظيم الإرهابي” (في إشارة إلى “قوات سوريا الديمقراطية”) ضد سلامة الأراضي التركية والسورية بحجة الانتخابات.
وتابع أن بلاده لن تسمح أبدًا لـ”التنظيم الانفصالي” بإنشاء منظمة “إرهابية” شمالي سوريا والعراق، خارج حدودها الجنوبية، وأضاف، “فعلنا كل ما يتعين علينا القيام به من قبل في مواجهة فرض الأمر الواقع، ولن نتردد في اتخاذ إجراء مرة أخرى إذا واجهنا نفس الموقف”، وفق ما نقلته قناة “Trt Haber“.
وفي السياق نفسه قال أردوغان، إن القوى التي تدعم “التنظيم الإرهابي” سوف ترى أنه لا يمكن تحقيق أي شيء بفرض الأمر الواقع، موضحًا أن تركيا تتوقع من جميع الأطراف الفاعلة في المنطقة تفهم واحترام هواجس تركيا المشروعة بشأن هذه القضية.
بعد هذا التصريح، سارعت واشنطن إلى التعليق، وخلال إحاطة صحفية، في 30 من أيار، أبدت الولايات المتحدة موقفها من الانتخابات في شمال شرقي سوريا على لسان المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، فيدانت باتيل، الذي قال إن الظروف الراهنة لـ”الأزمة” في سوريا غير مواتية لإجراء انتخابات شمال شرقي سوريا.
وأضاف أن الولايات المتحدة محافظة على موقفها من أن أي انتخابات تجري في سوريا، “يجب أن تكون حرة ونزيهة وشفافة وشاملة”.
واعتبر خلال إجابته عن أسئلة الصحفيين أن قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة “رقم 2254″، أكد على وجوب أن تكون أي انتخابات في سوريا “حرة ونزيهة” مشيرًا إلى أن بلاده لا تعتقد أن هذه الشروط متوفرة شمال شرقي سوريا في الوقت الحاضر.
سيناريوهات محتملة
الباحث في مركز “جسور للدراسات” أنس شواخ قال لعنب بلدي، إن التصريحات المتتالية من حزبي التحالف الحاكم في تركيا “العدالة والتنمية” و”الحركة القومية”، جاءت بمنزلة تحذير واضح يمكن الاعتماد عليه لتوقع شن عمل عسكري بمناطق شمال شرقي سوريا، أو على الأقل تصعيد جوي واسع عبر عملية واسعة شبيهة بالتي نفذتها القوات الجوية التركية وجهاز الاستخبارات بمنتصف كانون الثاني الماضي.
ويتوقع أن يجري هذا التصعيد بالفترة التي تسبق انتخابات البلديات بمناطق “قسد”، حسب الباحث أنس شواخ، وقد يستهدف مناطق واسعة تضم أهدافًا عسكرية ومدنية كمنشآت بنى تحتية وغازية ونفطية.
وعن السيناريوهات التي يمكن أن تلجأ لها أنقرة، يرى الخبير التركي في السياسات الخارجية والأمنية عمر أوزكيزيلجيك، أنها إما أن تنفذ عملية عسكرية مع “الجيش الوطني السوري” المدعوم تركيًا، أو أن تعمل على تصفية “وحدات حماية الشعب” بالاتفاق مع الولايات المتحدة.
ومن وجهة نظر الخبير التركي، فإن أمريكا في نهاية المطاف من المحتمل جدًا أن تسحب الجنود الأمريكيين من سوريا بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة، في 5 من تشرين الثاني المقبل.
ما قضية الانتخابات؟
منذ مطلع العام الحالي، أعلنت “الإدارة” عن مساعيها لإقامة انتخابات البلديات في مناطق سيطرتها، وقالت، وفق بيان في 29 من نيسان الماضي، إنها تجري إحصاء لعدد السكان في مناطق سيطرتها، وذلك قبل موعد الانتخابات.
ودعت، في 21 من أيار، المنظمات الدولية الحكومية منها وغير الحكومية لمراقبة سير العملية الانتخابية لانتخابات البلديات.
وفي 6 من أيار، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن بلاده تركت عملها في مكافحة “الإرهاب” غير مكتمل في سوريا بسبب وعود قطعها حلفاؤها ونكثوا بها.
وأضاف، خلال كلمة ألقاها بعد اجتماع مجلس الوزراء الرئاسي في العاصمة التركية أنقرة، أنه طالما يمكن لحزب “العمال الكردستاني” إيجاد مكان للعيش في سوريا والعراق، لا يمكن لتركيا أن تشعر بالأمان.
وتصنف تركيا حزب “العمال الكردستاني” على قوائم “الإرهاب”، كما أن الحزب مصنّف على قوائم “الإرهاب” لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وتعتبر أنقرة “قسد” امتدادًا لحزب “العمال”، وهو ما تنفيه القوات رغم إقرارها بوجود قياديين من الحزب تحت مظلتها.
المصدر: عنب بلدي