توثيق وتسجيل أحداث الثورة السورية، كما أي عمل أو نشاط حزبي ومجتمعي، وخصوصاً إذا حمل صفة التاريخي، يُعد مهماً، بل ضرورة وطنية، للحاضر والمستقبل، لا يوازيه بالمعنى والقيمة سوى الحدث نفسه.
مشروع (الذاكرة السورية): المعني بتوثيق أحداث الثورة السورية في سنواتها الأولى، وقد أثار جدلاً واسعاً منذ الإعلان عنه وإطلاقه كمنصة متاحة لجميع الراغبين في البحث عن أحداث ويوميات الثورة وتفاصيلها الدقيقة، بالصوت وبالصورة، وعبر شهادات الشهود، يُعد وبكل المقاييس عملاً كبيراً وجباراً يلبي حاجتنا إلى “ذاكرة وطنية” تعترينا الخشية من ضياعها أو تشويهها، أو نسيان بعض تفاصيلها الدقيقة والمهمة.
بغض النظر عن الانتقادات الكثيرة التي طالت العمل الذي استمر لخمس سنوات ورؤية القائمين على المشروع واتجاهاتهم الفكرية والسياسية، التي ربما انعكست على منهجية عملِهم، وعن (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات) الذي وقف خلف إطلاق المشروع، ودولة قطر الحاضنة والممولة لكل ذلك، فإنه عملٌ وجهدٌ جبارٌ نحن بأمس الحاجة إليه، خصوصاً إذا ما استكمل، أو شجع آخرين على تسجيل شهاداتهم أو تدوينها، أو حتى إطلاق منصات أخرى تشكل في مجموعها مرجعاً للأجيال القادمة والباحثين عن الحقيقة في ظل التشويه الحاصل لكثير من الأحداث والتأويل المغلوط لكثير من الوقائع، إن لم نقلْ تحريفاً متعمداً ولغايات مختلفة ليست طيبة أو نقية.
دعوت في السنوات الماضية في أكثر من مناسبة ومقال لتوثيق تجاربنا التاريخية، كأحزاب معارضة وقوى تغيير، ولتدوين تجاربنا وحفظها باعتبار أنها لم تعد ملكاً خاصاً لأصحابها، بل إرثاً وطنياً عاماً، وبعد جملة التطورات السياسية والوطنية والأمنية التي رفعت الحجب عن أي عمل توثيقي من هذا القبيل، فإني كلما قرأت أو سمعت شيئاً من ذلك سُعدت وسُررت؛ ومرد ذلك الدائم، إلى خوفي من أن يبقى تاريخُنا مكتوباً بشكل أحادي، وهو تاريخ سلطة ونظام زوروا الماضي والحاضر، وشوهوا كلَّ شيء ليسود القبح في مقابل الجمال والرذيلة في مواجهة الفضيلة.
لا يمكن غضُّ الطرف عن الملاحظات الكثيرة الموضوعية والعلمية التي وجهت لمنصة (الذاكرة السورية) ومن موقعي ودوري أسجل ملاحظة إضافية واحدة، هنا، بقصد الاستكمال أو سد الفراغ، وليس بقصد التشويه أو الإساءة لأحد، على أن أتبعها بملاحظات أخرى في وقت لاحق وفقاً لتعاطي المعنيين والقائمين على المنصة بحسب وعودهم وردودهم على منتقديهم، الذين قالوا: إنهم يأخذون كلَّ ما يصلهم بعين الاعتبار لتلافي الأخطاء التي وقعت والقصور الذي اعترى العمل الكبير، ومن جهتي، بحسب تجربتي المتواضعة في مجالات مختلفة، لا أقصد إلا جلاء الحقيقة كاملة، ضمن رؤية عامة ودقيقة، لا تغبن أحداً أو تنتقص من قدره أو دوره، سواء كان فرداً أو جماعة.
ملاحظتي الكبرى، أو الرئيسة هي الغياب المطلق لعمل ونشاطات الجاليات السورية في بلاد المهجر والشتات عن (الذاكرة السورية)، وهو نشاط لا يمكن تجاوزه أو التقليل من شأنه، إذا شئنا الدقة والموضوعية والشمولية، خصوصاً أن بعض الجاليات في عدد من دول العالم كانت سابقة في نشاطها لبعض المحافظات السورية وانضمامها للثورة، وتجاوز عطاءها التنديد والمظاهرات، إلى الإغاثة والدعم بأشكال مختلفة.
على سبيل المثال لا الحصر أذكر بدور (الجالية السورية الحرة في رومانيا) التي عقدت مؤتمرها التأسيسي في 29- 07- 2011 وكانت أولى نشاطاتها في 29- 04- 2011 ولي مقالٌ منشور عنها (جالية سورية الحرة في رومانيا…. إحدى حكايات شعب وثورة) يمكن العودة إليه.
بالطبع ليست الجالية السورية الحرة في رومانيا استثناءً، ويمكنني بهذه العجالة الإشارة بشكل مبكر لدور عدد من الجاليات السورية، منها الجالية السورية في أمريكا، فرنسا، السويد وإلى عدد من المبادرات المهمة والطيبة لسوريين في العديد من الدول، كقافلة الحرية1 وقافلة الحرية 2، وتشكيل اتحاد السوريين في المهجر في نهاية 2011 في العاصمة النمساوية/ فيينا وغيرها الكثير، وكل ذلك في الشهور والسنوات الأولى للثورة وقبل هجرة الملايين مرغمين عن ديارهم ووطنهم.
لا يجوز أن يهمل دور الجاليات ولا اعتبارها ملحقاً بالثورة، فهي جزء أصيل من ثورة شعبنا العارمة التي عصفت بكل أعضاء الجسد السوري، وأعتقد أنه مازالت الفرصة متاحة لسد هذه الثغرة وتوثيق تجارب مهمة تدلل على حيوية السوريين وعمق ارتباطهم بقضاياهم خصوصاً أن قسماً ممن هاجروا وتركوا أوطانهم قبل 2011 كان الأمر يتعلق بموقفهم من الاستبداد، وقمع الحريات، وبعضهم معارضون وسجناء رأي، ومن أصحاب الكفاءات والخبرة والتجربة الذين بادروا منذ اللحظات الأولى لأحداث مدينة درعا لتقديم كل ما يستطيعون لدعم ثورة أهلهم وإيصال صوتهم للمؤسسات الدولية المؤثرة والفاعلة.
على ذاكرتنا أن تتسع لتشمل الجميع دون إقصاء أو تغييب.
أثار الجدل الواسع حول مشروع (الذاكرة السورية) منذ الإعلان عنه وإطلاقه كمنصة متاحة لجميع الراغبين في البحث عن أحداث ويوميات الثورة السورية وتفاصيلها الدقيقة منذ إنطلاقتها بآذار 2011، بالصوت وبالصورة، وعبر شهادات الشهود، عمل كبير بكل المقاييس وجباراً يلبي حاجتنا إلى “ذاكرة وطنية”، ملاحظات ورؤية موضوعية.