التخطيط والتنفيذ الفردي للثورات والتغيير

د.أحمد سامر العش

لطالما كانت هذه النقطة محورية في تصرفاتنا الفردية والجماعية، وكذلك في تحليلنا لما يدور من حولنا في الحاضر والماضي! نعم أنا كفرد أرى أن الثورة على الوضع الراهن أو رفع الظلم يتأتى بهذه الطريقة أو تلك؛ وعليه أدخل في صراعات مريرة مع من حولي لإقناعهم برؤيتي وطريقتي للحل، أو أمشي بشكل فردي سري على خطة لقلب الموازين واستغلال قدراتي القدرية (التي امكنني الله منها) من مركز أو سلطة أو مال لتحقيق تلك الرؤية. ولتقريب المفهوم يكفي أن نذكر أمثلة ملأت حياتنا في آخر خمسين سنة، من الملك فيصل إلى صدام، مروراً بالبوطي وكفتارو، ولننتهي بالائتلاف السوري ولجان التفاوض المزعومة مروراً بالثورة الفلسطينية منذ تأسيس فتح إلى يومنا الحاضر….
لكن السؤال من يخدم من؟ وهل تحقق رؤية الفرد للتغيير، مهما تمكن من أدواته المطلوبة في النهاية؟ أم أن النظام السوري استفاد من البوطي أكثر مما استفاد البوطي من الوصول لأهداف يجهلها ربما أقرب المقربين منه؟ أو أن صدام والقذافي والسادات تلاعب بالغرب ومنظومته العالمية، أكثر مما حققته المنظومة من خلاله؟ كذلك أبو عمار أو بعض أوجه ثورات الربيع العربي على اختلاف انتماءاتهم الأيديولوجية والفكرية ورؤاهم للحلول وآليات تنفيذها، هل حققوا شيئا أم كانوا أُلعوبة في أيدي المتحكمين؟
إنها أسئلة حساسة، علينا أن نواجه بها أنفسنا؛ لكي نفهم أكثر ونخرج من النتائج المحتومة للرؤى والعمل الفردي! القاعدة البسيطة تقول: حتى الأدوار الطيبة في المنظومات الشريرة تُجَّير بالغالب لخدمة المنظومة وتكريسها في مختلف جوانب الحياة، لذلك لطالما كانت الثورات تستهدف القواعد، وليس الواجهات والوجوه المحكومة حتماً بالفناء والتغيير كما تغير الحية جلدتها!
جيفارا له خطبة على منصة الأمم المتحدة انتهت بكلمتين فقط ” الوطن أو الموت”؛ ربما يمكن تفسير الوطن بالحياة الحرة التي لي رأي في صياغة قواعدها، وليست تلك المفروضة علي قهراً، لقد اعتزل جيفارا السياسة وعاد ثائراً؛ لأنه أدرك أنه لن يستطيع تغيير المنظومة العالمية القائمة من موقعه كممثل لكوبا في الواجه الكبرى للمنظومة العالمية، فما يجري في القواعد أهم من الخطب الرنانة الثورية ومن الأحلام الفردية!
صدام والسادات وأعضاء الدستورية والائتلاف السوري ولجنة سوتشي والجولاني والبوطي وقبله وبعده الكثيرون إذا عملوا تحت سقف أي نظام فهم في خدمته في النهاية، أما النوايا وإن كانت نبيلة سامية فوحدها لاتكفي لقلب نظام قائم صمم ليدمر الإنسان خِدمَةً للآخر المتحكم بالمشهد . علينا التفكير في قواعد النظام المحلي والعالمي، ولايمكن فهم الحركات الطلابية في جامعات النخبة العالمية إلا في هذا الاطار !
المستضعفون منصورون حتماً بسنة الخالق؛ لأن المسرح الإنساني له خالق يحركه، ربما يظن الممثلون أنهم كل شيء فوق خشبة المسرح وصاحب الصوت العالي هو الحاكم الفعلي، وربما يتعلق البشر بالدمى ويحاولون تغيب وعيهم أن حركتها محكومة بمن يحركها بخيوط، وهذا هو جوهر الثورة؛ التفكير بعيداً عن الدمى المتحركة والتواصل مع من يحركها.

والله من وراء القصد

 

الأفكار والآراء الواردة في المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي ملتقى العروبيين

تعليق واحد

  1. النوايا وإن كانت نبيلة سامية فوحدها لاتكفي لقلب نظام قائم صمم ليدمر الإنسان خِدمَةً للآخر المتحكم بالمشهد . علينا التفكير في قواعد النظام المحلي والعالمي، ولايمكن فهم الحركات الطلابية في جامعات النخبة العالمية إلا في هذا الاطار، والمستضعفون منصورون حتماً بسنة الخالق، وأن جوهر الثورة؛ التفكير بعيداً عن الدمى المتحركة والتواصل مع من يحركها.

زر الذهاب إلى الأعلى