اعتبر ناشطون وحقوقيون سوريون أن البيان الذي دانت فيه منظمات حقوقية سورية ودولية قرار القضاء الفرنسي الطعن في صلاحية مذكرة الاعتقال الصادرة بحق رئيس النظام السوري بشار، خطوة جيدة، ولكنها غير كافية لتحقيق العدالة لشعبهم وإنهاء الأزمة الدامية التي تمر بها البلاد منذ أكثر من 13 عاما.
وأوضح الإعلامي السوري، عدنان عبد الرازق، أن الكثير من المنظمات الحقوقية المحلية قد وقعت على البيان الأخير، ومنهم “المركز السوري للعدالة والمساءلة” و”سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” و”المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”.
ورأى البيان الصادر عن المنظمات الحقوقية، الأربعاء، أن “الوقت حان لتحدي الحصانة الشخصية لرئيس النظام السوري فيما يتعلق بالجرائم الدولية”، مشددا على معارضة قرار الطعن في صلاحية المذكرة، فيما أشارت إلى أن القرار لم يشمل مذكرات الاعتقال بحق باقي المسؤولين وأنها ستظل سارية المفعول.
وكان مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب في فرنسا قد طلب من محكمة الاستئناف، في منتصف يناير الماضي، البتّ في صلاحية مذكرة الاعتقال بحق الأسد المتهم بالتواطؤ في الهجوم الكيماوي على الغوطة الشرقية في العام 2013، حسب وكالة فرانس.
ووفقا للوكالة فإن طلب المدعي العام الذي جاء بـ”الإجماع”، يرجع إلى كون إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس دولة على رأس عمله، “يشكل استثناءً” يجب البت فيه من خلال محكمة أعلى قبل إجراء أي محاكمة، نظراً للحصانة التي يملكها الرئيس ورئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية وهم في مناصبهم في “دولة ذات سيادة”.
وكان قضاة التحقيق الجنائي في فرنسا أصدروا مذكرة توقيف بحق بشار الأسد وشقيقه ماهر الأسد، القائد الفعلي للفرقة الرابعة في الجيش السوري.
كما صدرت مذكرات توقيف بحق العميد غسان عباس، مدير الفرع 450 من مركز الدراسات والبحوث العلمية السورية، والعميد بسام الحسن، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الاستراتيجية وضابط الاتصال بين القصر الرئاسي ومركز البحوث العلمية السورية.
وأتى الإجراء القضائي عقب تحقيق جنائي أجرته الوحدة المتخصصة في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التابعة للمحكمة القضائية في باريس.
“لحظة تاريخية”
في 21 أغسطس 2013، وقع هجوم بغاز السارين في الغوطة الشرقية (مدينة دوما) وبلدة معضمية الشام (الغوطة الغربية)، أبرز معاقل الفصائل المعارضة آنذاك قرب العاصمة السورية، واتهمت المعارضة النظام السوري بتنفيذه.
وفي نهاية الشهر المذكور من ذلك العام، أعلنت الولايات المتحدة أنها على “قناعة قوية” بأن النظام “مسؤول” عن الهجوم الذي أوقع 1429 قتيلا، بينهم 426 طفلا.
كما نشرت الأمم المتحدة تقريرا لخبرائها الذين حققوا في الهجوم، تضمن “أدلة واضحة” على استخدام غاز السارين.
وكان التحقيق في قضية “كيماوي دوما” عام 2013 قد فتح في مارس من سنة 2021، بناءً على شكوى جنائية قدمها “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” (SCM) وضحايا سوريون، بالاستناد إلى شهادات من ناجين وناجيات.
وحظيت الشكوى بدعم منظمة “الأرشيف السوري” و”مبادرة عدالة المجتمع المفتوح”، و”منظمة المدافعين عن الحقوق المدنية”، التي انضمت إلى التحقيق كأطراف مدنية، بالإضافة إلى أعضاء من “رابطة ضحايا الأسلحة الكيميائية” (AVCW).
وقال المدير العام لـ”المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، مازن درويش، في وقت سابق لموقع “الحرة” إن “إصدار القضاء الفرنسي أوامر اعتقال بحق رئيس الدولة بشار الأسد ورفاقه يشكل سابقة قضائية تاريخية”.
وأضاف أنه “انتصار جديد للضحايا وعائلاتهم والناجين، وخطوة على طريق العدالة والسلام المستدام في سوريا”.
وفي نفس السياق، أوضح المختص في القانون الجنائي الدولي، المعتصم الكيلاني، في اتصال مع “موقع الحرة” إنه “للمرة الأولى في التاريخ الحديث، يتم إصدار مذكرة توقيف ضد رئيس دولة أثناء مباشرته لمنصبه، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان، من قبل دولة أخرى”.
وتابع: “وتعد تلك الخطوة لحظة تاريخية، وتمثل فرصة للدولة الصادرة عنها المذكرة لتأكيد مبدأ عدم إفلات مرتكبي جرائم الحرب والإبادة من العقاب، حتى وإن كانوا على أعلى المستويات”.
“تآكل الحصانات”
وبالعودة إلى بيان المنظمات الحقوقية، فقد أوضح أن “رؤساء الدول يتمتعون بالحصانة أمام المحاكم المحلية الأجنبية، لكن العقود الأخيرة شهدت تآكل حصانات الدول والحصانات الوظيفية بموجب القانون الدولي لمنع الإفلات من العقاب على الجرائم الدولية، ولا سيما جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية”.
ونبه إلى أن كلا من المجتمع الدولي ومجلس الأمن قد طالبا مراراً بمحاسبة الجناة المسؤولين عن الهجمات الكيماوية في سوريا، مشدداً على أن استمرار الإفلات من العقاب على هذه الجرائم “لا يؤدي إلا إلى إدامة دائرة العنف والمعاناة للضحايا والناجين، ويقوض سيادة القانون الدولي”.
واعتبرت المنظمات أن قرار المحكمة يتعارض مع “قيادة فرنسا للشراكة الدولية لمكافحة الإفلات من العقاب على استخدام الأسلحة الكيماوية”، وكذلك مع “موقف الحكومة الفرنسية الثابت الذي يطالب بمحاسبة جميع مرتكبي الهجمات الكيميائية في سوريا”.
وشدد البيان على أن قرار الطعن بصلاحية المذكرة ضد الأسد “يعيق الجهود الاستثنائية التي يبذلها الضحايا والناجون الذين يسعون إلى تحقيق العدالة والانتصاف من خلال النظام القانوني الفرنسي”.
ودعت المنظمات الحقوقية، الحكومة الفرنسية للتأكيد وبشكل عاجل على دعمها لإجراء تحقيق قضائي مستقل مع جميع المشتبه في مسؤوليتهم الجنائية عن هذه الفظائع، بما في ذلك بشار الأسد.
ونبه بيان المنظمات إلى أهمية تحقيق الإنصاف للضحايا السوريين وعائلتهم عبر دعم التحقيق والملاحقة القضائية، وكذلك دعم الجهود الدولية لتنفيذ أوامر الاعتقال الفرنسية.
وفي هذا الصدد يرى الكيلاني أن “تحدي الحصانة الشخصية لرئيس النظام السوري أمام المحاكم الدولية، بموجب جهود فرنسا والمجتمع الدولي، يمثل خطوة مهمة نحو العدالة ومكافحة الإفلات من العقاب عن جرائم الحرب والانتهاكات ضد الإنسانية، والتأكيد أن تلك الجرائم من غير الممكن أن تمر دون عقاب، حتى لو كان ذلك يخالف الاتفاقيات الدولية بما يخص حماية رؤساء الدول وفق اتفاقيات فيينا والاتفاقيات الدبلوماسية”.
“بيان أخلاقي”
وفي المقابل، يرى الإعلامي، عدنان عبد الرزاق، في حديثه إلى موقع “الحرة” أنه وبعد اطلاعه على البيان، “فيمكن لنا وصفه بالأخلاقي والمنطقي وربما العاطفي، ولكن قانونيا، وللإنصاف، لم يزل رأس النظام، بشار الأسد، رئيسا للبلد، وبالتالي يتمتع بالحصانة طالما العالم بأسره قد تخاذل عن إنهاء مأساة السوريين”.
وتابع: “للأسف الشديد، الأسد لايزال يمارس صلاحياته كرئيس للجمهورية العربية السورية، ويذهب لحضور القمم، كما حصل في القمة العربية التي عقدت في الرياض، وكما سوف يحدث في القمة القادمة التي ستلتئم في المنامة بالبحرين”.
وفي سياق متصل، اعتبر رئيس المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن أن “تلك البيانات مجرد دعايات إعلانية لن ينتج عنها أي شيء”، مشددا على “ضرورة أن تكون هناك جهود أكبر لمحاسبة كل من ارتكب جرائم حرب بحق الإنسانية في سوريا من كافة الأطراف”.
وتابع: “حتى لو صدرت مذكرات اعتقال بحق الأسد، فهي عمليا لن تكون لها أي جدوى، والدليل أن الرئيس السوداني السابق عمر البشير الذي صدرت بحقه مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية في العام 2008 لا يزال بعيدا عن أيدي العدالة الدولية”.
وذهب عبد الرحمن إلى أنه يجب أن يكون ضمن الأولويات أيضا محاكمة “المئات من عناصر النظام السوري وداعش وغيرهم من اقترفوا أقسى الانتهاكات بحق الشعب السوري، ولكنهم لا يزالون يسرحون ويمرحون في شوارع أوروبا”.
وأضاف: “صحيح أنه جرت بعض المحاكمات لعناصر من النظام السوري وفصائل مسلحة، ولكن ذلك لا يزال غير كاف، وعلى تلك المنظمات أن تسعى لملاحقة من لم تطالهم يد العدالة رغم وجودهم في أوروبا”.
“شرعية الوريث”
من جانبه أكد الأكاديمي والمحلل السياسي السوري، د. فايز القنطار، في حديثه إلى “موقع الحرة” أن “إمكانية عدم ملاحقة بشار الأسد بحجة أنه رئيس دولة معترف بها من قبل المجتمع الدولي أمر يبعث على الحزن وخيبة الأمل”.
وشدد القنطار على أن “الأسد لا يتمتع بأي شرعية، فهو يحكم البلاد بالحديد والنار منذ نحو ربع قرن، وقد ورث تلك السلطة عن أبيه، حافظ الأسد، والذي أيضا مارس حكما قمعيا واستبداديا لنحو ثلاثة عقود”.
ونوه إلى أنه “قد جرى توثيق جرائم وانتهاكات الأسد بالصوت والصورة، حيث أن الوريث قد قام بتدمير سوريا وتهجير نصف شعبها ما بين لاجئ ونازح، وهو الآن يحكم الخراب بعد أن جعل البلاد خاوية على عروشها”.
وزاد: “وهنا نكرر السؤال.. أي شرعية يستحقها هذا المجرم الديكتاتور حتى يكون لديه حصانة تحميه من محاكمته على ما اقترفت يداه من جرائم حرب بشعة يندى لها جبين الإنسانية”.
واعتبر أن بيان المنظمات الحقوقية يبقى له مكانته باعتباره صادر عن هيئات تسعى لملاحقة ومحاسبة المجرمين، مردفا: “أن المطالبة بالطعن في المذكرة الفرنسية يرسل إشارات بالتشجيع على الإفلات من المحاسبة وارتكاب المزيد من الانتهاكات ضد الإنسانية”.
وفيما إذا كان صدور مذكرات اعتقال ضد رأس النظام في سوريا سوف يؤثر على فرص التوصل إلى تسوية سلمية تنهي الصراع في البلاد، أجاب عبد الرازق: “أعتقد أن العملية السياسية تشهد مراوحة وتعطيلا دوليا إن جازت التسمية”.
وتابع: “القوى الدولية والإقليمية الموجودة على الأرض مثل روسيا وإيران وتركيا لها مصلحة في بقاء الوضع على ما هو عليه، كما أن الملف السوري قد جرى إهماله إلى أجل غير واضح، خاصة منذ حرب موسكو على أوكرانيا قبل أكثر من عامين”.
وأضاف: “وأيضا منذ نشوب الحرب في غزة حدث إهمال كبير ومطلق للملف السوري، وذلك حتى على مستوى نشرات الأخبار في المحطات العربية والدولية”.
وخلص بالقول إلى “أن صدور مذكرة اعتقال بحق بشار الأسد أو توقيفها لن يؤثر كلاهما على الحل في سوريا، لأن الوضع الإقليمي والدولي لا يسمح حاليا بإعطاء هذا الملف أولوية، وجرائم النظام الأسدي كثيرة، وليست فقط منحصرة فيما يعرف بمجزرة الكيماوي في مدينة دوما، فهو ارتكب أعمال قتل وإبادة جماعية بالإضافة إلى تهجير الملايين وإحداث تطهير ديموغرافي، ومع ذلك نجد تغاضيا كبيرا عنه”.
المصدر: الحرة نت