من المقرّر أن تلتئم قمّة عربية جديدة في المنامة، يوم الخميس 16 مايو/ أيار الجاري. وإذ تحمل هذه القمة الرقم 33 (لا تُحتسب القمم الطارئة) فإنّها القمة الثالثة التي تُعقد في غضون عام، إذ عُقدت قمّة عادية في جدّة خلال مايو من العام المنصرم (2023)، فيما عُقدت قمّة طارئة أو استثنائية في الرياض خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وقد شهدت قمّة جدّة مشاركة الرئيس السوري بشّار الأسد لأوّل مرّة منذ 11 عاماً، كما شهدت حضور الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، ونجم عنها تشكيل لجنة اتصال وزارية للتباحث مع دمشق. أمّا قمّة الرياض، التي عُقدت بعد ستّة أشهر على القمّة السابقة، فقد تميّزت بأنّها عربية وإسلامية، وقد تمحورت، في المقام الأوّل، حول تطوّرات الحرب الإسرائيلية على غزّة، وتمخّضت عن تشكيل لجنة اتصال وزارية للتباحث مع المراكز الدولية الفاعلة لوقف حرب الإبادة على القطاع المنكوب. القمّة الجديدة عادية، بمعنى أنّها دورية، وتحتضنها مملكة البحرين، التي تستقبل للمرّة الأولى لقاءً في هذا المستوى. وليس معلوماً بعد الشعار أو التسمية التي سوف تحملها هذه القمّة، غير أنّ من الواضح أنّ مُستجدّات الحرب على غزّة ومفاوضات الهدنة، وما يتصل بهما من حرب محدودة ومنتظمة بين حزب الله ودولة الاحتلال، وكذلك أنشطة “أنصار الله” (الحوثيين) في البحر الأحمر ضدّ البواخر الإسرائيلية أو المتجهة إلى موانئ الاحتلال، وقطع العلاقات التجارية بصورة كاملة بين أنقرة وتل أبيب… هذه الأحداث، معاً، تطغى على الاهتمامات السياسية في الإقليم خلال الفترة الراهنة، وسوف تنعكس على مداولات القمّة الجديدة والتحضير لها، فيما تعرف الحرب الروسية على أوكرانيا تصعيداً وتقدّماً للقوات الروسية في الأراضي الأوكرانية، على مبعدة أسابيع قليلة من مؤتمرٍ للسلام في أوكرانيا، ستستضيفه سويسرا، بمشاركة 160 وفداً، ليس بينهم وفدٌ روسيّ، بينما يشتدّ التنافس الاقتصادي والتكنولوجي بين الصين وأميركا، فيما ينحسر النفوذان الأميركي والفرنسي عن مناطق واسعة في أفريقيا، علماً أنّ بلداً في غرب أفريقيا، هو غامبيا، قد استضاف خلال الأسبوع الأوّل من شهر مايو الحالي القمّة الـ15 لمنظمّة التعاون الإسلامي، بمشاركة 57 دولة، وخُصّصت لقضية فلسطين، بما يرفع عدد القمم العربية والإسلامية التي انعقدت، وسوف تنعقد قريباً جداً، إلى أربع في غضون عام، غير أنّ مُخرجاتها تمثّلت، بالدرجة الأولى، في بيانات سياسية حازمة، ولكن من دون اقترانها بإجراءات في المستوى نفسه، وهو ما يجعل هذه المؤتمرات تحظى بأقلّ القليل من اهتمام الرأيين العربي والإسلامي، بل إنّ الثقة في نجاعتها في التعامل مع التحدّيات تكاد تضمحلّ.
وبعودة سريعة إلى الوراء، قرّرت قمّة جدّة قبل عام تشكيل لجنة اتصال خماسية للتباحث مع دمشق في حلّ سياسي يُنهي الأزمة السورية المُستدامة، غير أنّ هذه اللجنة، التي اعتمدت ما عُرف بأسلوب خطوة مقابل خطوة، بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن 2254 (ينصّ على بدء محادثات سلام في سورية، داعياً إلى تشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات) لم تنجح في تحفيز دمشق للانفتاح على حلّ سياسي، ولا على معالجة ملفّ النازحين إلى دول الجوار أو الإفراج عن آلاف المعتقلين، ولا في الحدّ من التمدّد الإيراني في ذلك البلد أو وقف تصدير المُخدّرات من الأراضي السورية إلى الأردن، وإلى دول خليجية، وكانت الحصيلة أنّ جهود اللجنة قد تعثّرت، بعد اجتماعين لها في عمّان والقاهرة، ثمّ ألغي الاجتماع المقرّر في بغداد في الثامن من شهر مايو الحالي، لعدم الجدوى.
أمّا القمّة الاستثنائية التي استضافتها الرياض في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، فقد انعقدت في أجواء الحرب الإسرائيلية المسعورة على المدنيين والأعيان المدنية في غزّة، وقد خرجت ببيان سياسي قوي، دعا الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والمؤسّسات والمنظّمات والهيئات الدولية إلى أن تتحمّل مسؤوليتها، وتؤدّي أدواراً فاعلةً لوقف العدوان، ودعت إلى وقف بيع الأسلحة إلى إسرائيل، لكنّ المُؤتمر، إذ دعا الآخرين إلى القيام بواجباتهم فإنّه لم يدعُ، في الوقت ذاته، الدول العربية إلى بذل جهودها، واتخاذ كلّ ما يلزم من إجراءاتٍ لكبح تل أبيب والضغط عليها لوقف حربها، إلا أنّ لقاء القمّة، آنذاك، قبل ستّة أشهر، دعا إلى “كسر الحصار على القطاع وفرض إدخال المساعدات إليه”، غير أنّ أيّ إجراءاتٍ عربية، عقب ذلك، لكسر الحصار، لم تُتّخذ، واستمرت الشكوى العربية الرسمية من عرقلة الاحتلال لدخول المساعدات، من دون أيّ خطوات لـ”فرض إدخال المساعدات”، حسب القرارات، كيف يمكن في الحالة هذه ألا تضمحلّ ثقة الرأي العام العربي في القمم ومُخرجاتها، وأن يشيح بأبصاره وأسماعه عنها؟
أمّا اللجنة الوزارية العربية، التي شكّلتها تلك القمّة، فقد طافت في عدة عواصم دولية، مبتدئة بالعاصمة الصينية، وقد سمع وزراء الخارجية العرب، أعضاء اللجنة، مجدّداً، مواقف تلك الدول، ومنها: فرنسا وروسيا وبريطانيا، وانتهاءً بالولايات المتّحدة، بخصوص الحرب على غزّة، كما استمع المُضيفون إلى مُحدّدات الموقف العربي، مجدّداً، الداعي إلى وقف الحرب وإدخال المساعدات. وكانت نقطة الضعف في هذا التحرّك، على أهميته، أنّ الأطراف العربية، وهي المعنيّة مباشرة بالحرب، لم تتّخذ من جانبها سوى أقل القليل من إجراءات في حقّ دولة الاحتلال، فكيف يمكن، والحالة هذه، دعوة أطراف خارجية إلى الانخراط بصورة جادّة في الضغط على حكومة الاحتلال لوقف حربها المتوحّشة، وكيف يمكن، مثلاً، نزع وصم حركة حماس بـ”الإرهاب”، وهو تصنيف غربي تتذرّع به واشنطن لإدامة الحرب، في وقت تُستقبل فيه وفود الحركة في موسكو وبكين، وإن كان ذلك ضمن إطار معالجة الانقسام الفلسطيني، بينما تتفادى غالبية العواصم العربية استقبال وفود من هذه الحركة؟
بغير دينامية عربية فاعلة ضدّ كيان عنصري، لا ضابط سياسياً أو قانونياً أو أخلاقياً لسلوكه، ومن دون اتّخاذ إجراءاتٍ متصاعدةٍ ضدّه، سيتمسّك “المجتمع الدولي” بمواقفه وسياساته، التي تشمل استمرار توريد أسلحة لقتل المدنيين، وتدمير مصادر الحياة ومظاهرها في قطاع غزّة، فيما لا يتوانى بنيامين نتنياهو عن تهديد القادة العرب ودعوتهم إلى “الاعتصام بالصمت إذا كانوا يريدون الاحتفاظ بمواقعهم”، والردّ على ذلك لا يكون، بالتأكيد، بمجرّد إصدار بيانات سياسية قوية تُطرب السامعين.
المصدر: العربي الجديد
ليس بالضرورة أن تعبر هذه المقالة عن رأي الموقع
لماذا قمة للأنظمة العربية بالبحرين؟ بعد أيام بالرقم 33، قمة ثالثة خلال عام، ماذا نُفذَّ من قرارات القمم الثلاث ليتم عقد المؤتمر الحالي، حرب الإحتلال الصhيوني على غزة مستمرة متحدية العالم وقرارات مؤتمر الرياض، ولجنة الاتصال الخماسية العربية للتباحث مع نظام دمشق الغت إجتماعها الأخير لعدم الجدوى، لقد أثبتت الأنظمة العربية بقممها فقدان دورها الدولي والإقليمي وحتى العربي.