بعد أحداث 7 أيار 2008 بأسبوع واحد، شهدت منطقة المصيطبة في بيروت حراكاً مكثّفاً من قبل حركة أمل باتّجاه أهل المنطقة السُّنّة، وذلك بهدف معالجة تداعيات الأحداث والإشكالات والاعتداءات التي حصلت على أبناء المنطقة من جيرانهم القادمين من الجنوب القاطنين في المصيطبة من أتباع حركة أمل والحزب.
في سياق هذا التحرّك تلقّيت طلباً من أحد أعمامي الذي أكنّ له كلّ تقدير واحترام، وبلغتنا نحن أهل بيروت “بيمون”، لحضور اجتماع يعقد مساء في منزله بالمصيطبة مع مسؤول حركة أمل في بيروت الذي بات نائباً اليوم في مجلس النواب ضمن كتلة التنمية والتحرير.
في الساعة المحدّدة حضرت إلى منزل عمّي وما هي إلا دقائق حتى وصل مسؤول الحركة ومعه مجموعة من الحركيّين، وجوه أعرفها جميعاً في المنطقة. بدأ المسؤول كلامه بالتأكيد أنّنا أهل منطقة واحدة ودين واحد، وما حصل يجب أن لا يحوّلنا إلى أعداء وخصوم، مؤكّداً أنّه هنا لإجراء مصالحة مع أهل المنطقة السُّنّة والوقوف على خاطرهم.
أنهى المسؤول الذي بات نائباً كلامه، منتظراً أن يسمع ردّاً على ما قال، فنظر إلى عمّي صاحب المنزل، الذي بدوره نظر إليّ وكأنّه يمنحني تكليفاً رسمياً بالإجابة.
بعد الترحيب والتأهيل خاطبت الحاضرين: “استوقفتني كلمة مصالحة، ووفقاً لثقافتي واطّلاعي، المصالحة تجري بين طرفين تخاصما وتعاركا وتقاتلا، فيما الذي حصل في بيروت هو اعتداء مسلّحين ملثّمين على العاصمة وأبنائها، وتحديداً في المصيطبة التي ما رفعت يوماً علماً لحزب أو صورة لزعيم حزب. فقط في الانتخابات النيابية رفعت صورة صائب سلام ثمّ نجله تمام سلام، ومنذ نهاية الحرب ترفع بالانتخابات صورة الرئيس الشهيد رفيق الحريري”.
اعتذار لا مصالحة
ساد الصمت اللقاء، وأحسست بضرورة إنهاء الحديث فقلت: “ضيوفنا الكرام، ما حصل لا يحتاج إلى مصالحة بل اعتذار يلامس التوبة من بيروت وأهلها.. والحديث الشريف يقول التوبة تحصل بالندم على ارتكاب الذنب والتعهّد بعدم العودة إليه”.
ستة عشر عاماً مرّت على أحداث السابع من أيار 2008، والذاكرة السّنّية والبيروتية لا يمكنها محو ما حصل، فهول صورة تلك الاعتداءات ضخم وكبير لا يمكن محوه بكبسة زرّ، كما يحصل مع الصورة التي نريد أن نتخلّص منها لتريح ذاكرة أجهزتنا الإلكترونية. بل نحتاج إلى أكثر من زرّ وأكثر من جهاز وابتسامات تُوزّع في المآتم والجنازات. نحتاج إلى لحظة عمل واضحة مكثّفة لا تحتمل اللبس والمواربة ولا جدالاً لربط النزاعات.
لم يكن عدوان 7 أيار 2008 ضدّ تيار المستقبل في بيروت والحزب التقدّمي الاشتراكي في الجبل وحسب، بل كان عدواناً على عاصمة اسمها بيروت بكلّ ما تحمله من رمزية وطنية ومذهبية وسياسية. كان اعتداء على مفهوم الدولة واتفاق الطائف الذي بات دستوراً للدولة.
اعترفنا أم لم نعترف، لقد نَقلنا عدوان 7 أيار 2008 من عصر إلى عصر ليس كأفراد أو طوائف وحسب، بل نقل الوطن من عصر إلى عصر مُرسياً سلسلة من الوقائع والمؤشّرات. لا يمكننا نسيان 7 أيار إلا بعد معالجة هذه الوقائع جذرياً بشفافية مطلقة تبدأ من الاعتذار.
1- تجاوز اتفاق الطائف واستبداله باتفاق الدوحة وبدعة الحكومات التوافقية التي ما حقّقت سوى الفراغ والخراب.
2- اختطاف العاصمة بيروت سياسياً بدأ في 7 أيار 2008 وانتهى باختطاف بقانون الانتخابات عام 2017، وبسببه انكفأت بيوتات السياسة اللبنانية عن الترشّح والانتخابات.
3- انتشار السلاح غير شرعي، وكذلك تمدّده بأسماء متنوّعة كالسرايا التي مهمّتها المرابطة في الزوايا بين النساء والأطفال.
4- ارتهان قرار اللبنانيين لأجندة محور الممانعة ومركز القرار في طهران.
مأساة ليست للنسيان
“7 أيار 2008″، ليست للنسيان. يقول أحد الزملاء الأحبّاء إنّ الحزب والسيّد لا يريدوننا أن ننساها كي لا نتجرّأ عليهم كما تجرّأنا على منظومة اتّصالاتهم. لكن بالنسبة للّبنانيين ولأهل بيروت ليست للنسيان أيضاً، فبعد كلّ ما حصل من انهيار اقتصادي وتفتّت وفراغ وضياع بات عدم النسيان حافزاً للمعالجة والمواجهة. إنّه فعل مقاومة وإصرار من أجل العودة إلى الدولة ومؤسّساتها ودستورها.
ساعة العودة من الدوحة دقّت، والوجهة نحو الخلاص هي الطائف. ليس لدى اللبنانيين غير هذا العنوان للنجاة. أمّا على بيروت وأهلها فلا تقلقوا، فقد اعتادت عاصمتي على الغزاة والعدوان. هي مدينة لم تقوَ عليها الزلازل ولا الحملات الصليبية ولا الفرنسي ولا الإسرائيلي. إسألوه إن كنتم تتواصلون معه كيف حمل ضبّاط جيشه المذياع في شوارع بيروت عام 1982، طالبين عدم إطلاق النار على تجمّعاتهم ودوريّاتهم. بيروت تبقى عاصمة عربية تهوى مقاومة الاحتلال.
المصدر: أساس ميديا
ليس بالضرورة أن يعبر المقال عن رأي الموقع