أثار الغضب والاحتجاج ضد الحملة الإسرائيلية المستمرة في غزة منذ هجمات “حماس” في 7 تشرين الأول (أكتوبر) نشاطا طلابيا في عدد من الجامعات الأميركية وخارجها. واستدعت هذه المناخات أصداء الاحتجاجات المناهضة للحرب في فيتنام. ويتم استمزاج مستهلكي التعليم سهلي القياد واستكشاف استعدادهم. ويقوم مديرو الجامعات ومسيِّروها، كما يميلون دائمًا، بتنفيذ أوامر المانحين والممولين بمحاولة استعادة النظام، ومعاقبة الطلاب المحتجين عند الضرورة، وتقييد أشكال الاحتجاج المختلفة. وأخيرًا، ثمة لدى هؤلاء الموجودين في الفصول الدراسية شيء ليتحدثوا عنه.
يتركز أحد الجوانب الرئيسية للاحتجاج على سحب الجامعات استثماراتها من الشركات العسكرية الأميركية المرتبطة بآلة الحرب الصناعية الإسرائيلية وتزويدها. (النمط يكرر نفسه أيضًا في بلدان أخرى، بما في ذلك كندا وأستراليا). وكان رد المسؤولين في الجامعات هو صياغة سياسة أكثر قوة على أساس رواية “معاداة السامية” -مهما يكن ما يعنيه ذلك- مدعومة، كما كان الحال في جامعة كولومبيا، بالاستخدام العضلي للشرطة لإبعاد الطلاب المحتجين بتهمة التعدي على ممتلكات الغير والتعطيل. وفي 18 نيسان (أبريل)، وفي ما وصفته بأنه عمل ضروري، وإن كان “خطوة غير عادية”، قامت رئيسة جامعة كولومبيا، مينوش شفيق، باستدعاء ضباط من قسم شرطة نيويورك، مجهزين بمعدات مكافحة الشغب، لإبعاد 108 من المتظاهرين الذين يحتلون الحديقة الجنوبية في كولومبيا. وصدرت التهم؛ وتم تفعيل عقوبة الإيقاف عن الدراسة.
وينضم إلى هذا النشاط الاحتجاجي الطلاب من مؤسسات أخرى، مع نتائج مماثلة. تم إنشاء مخيم تضامني في جامعة نيويورك، حيث استجابة الشرطة متوقعة. وفي جامعة ييل، ألقت الشرطة القبض على 45 متظاهرًا واتهمتهم بارتكاب جنحة التعدي على ممتلكات الغير. وقيل الكثير عن حقيقة أن الخيام نصبت في “بيينيكي بلازا” في الجامعة (1). وتم إنشاء مخيم في حرم معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في كيمبريدج.
كما انهمكت “لجنة التعليم والقوى العاملة” في مجلس النواب الأميركي في الضغط على رؤساء الجامعات لجعل الأمور السيئة أسوأ بحثهم على توبيخ طلبتهم المحتجين والتعامل معهم بقسوة، في تجسيد مثالي لحقيقة أن حرية التعبير هي شيء جيد للغاية -إلى أن يُحزن، أو يستفز، أو يزعج مختلف مجموعات الفصائل التي ترغب في احتكار هذه الحرية لنفسها فحسب. ومن المفارقات أنه يمكن للمرء أن يُحرق العلم الأميركي الذي يمتلكه كشكل من أشكال الاحتجاج، وأن يمارس حقوق حرية التعبير كنازي، ومع ذلك لا يمكن أن يشغل منصب الرئيس في جامعة أميركية ما لم يكن واضحًا في إدانة شعارات الاحتجاج التي قد يُنظر إليها على أنها معادية للسامية. كان يمكن أن يكون اقتراحًا أكثر نزاهة بكثير جعل المشرعين في مجلس النواب يُظهرون أوراق اعتمادهم كأعضاء يحملون بطاقة عضوية هيئة التصنيع العسكري.
كان تركيز الطلاب على العلاقة بين الشركات العسكرية الإسرائيلية-الأميركية ودورها في تدمير غزة حادا وصريحًا. ونظرًا للدعم الغريزي الذي تقدمه المؤسسة السياسية والعسكرية الأميركية لإسرائيل، فإن هذا ليس مفاجئًا على الإطلاق. لكنه لا ينبغي أن يكون فريدًا أو حكرًا على آلة حرب دولة واحدة، أو علاقة واحدة. إن المجمع الصناعي العسكري متقلب، مذهل في الانتشار، حيث يصبح أولئك الذين في يعملون في خدمته أتباعًا للرعاة؛ وحيث الإخلاص خاضع لحافز الربح.
كانت الإشارات التحذيرية البارزة من أن الجامعات تحت خطر الوقوع في شرَك المصالح الحكومية، ويتبع ذلك أهداف الحكومة، شيئًا لاحظه الرئيس دوايت أيزنهاور جيدًا في خطاب الوداع الذي حظي بإجلال كبير في العام 1961. وقد تحدث الخطاب على الملأ عن “المجمع الصناعي العسكري” باعتباره تهديدًا شريرًا. وبينما مارس مثل هذا المجمع “تأثيرًا غير مبرر” على نطاق أوسع، “شهدت الجامعات الحرة، التي كانت تاريخيا منبع الأفكار الحرة والاكتشافات العلمية، ثورة في إجراء البحوث. وفي ما يعود في جزء منه إلى التكاليف الباهظة التي يتطلبها ذلك، يصبح الحصول على عقد حكومي بديلاً فعلياً عن الفضول الفكري”. وقد خاطر الأكاديميون في البلاد “بالخضوع للهيمنة… من خلال التوظيف الفيدرالي، ومخصصات المشاريع، وقوة المال”.
وأسفر هذا الواقع عما لا يمكن أن يكون سوى نتيجة مروعة: المجمع العسكري- الصناعي- الأكاديمي، المصاب بما وُصف بأنه “التوحد الاجتماعي” والمحمي بجدران من السرية لا يمكن اختراقها تقريبًا.
تتمدد طبيعة هذا المجمع لتصل إلى أطراف العملية التعليمية، بما في ذلك استمالة وتشجيع طلبة ما يسمى STEM، وهو مختصر يجمع الأحرف الأولى من الكلمات الإنجليزية لـ”العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات). وبالتركيز على كيفية قيام شركة “لوكهيد مارتن” بالتوظيف في حرم الجامعات الأميركية، وجد إنديغو أوليفييه Indigo Olivier في دراسته التي أعدها في العام 2022 لمجلة “في هذه الأوقات”، جهدًا واسعاً وقوياً يتضمن “الجلسات الحوارية، ومحاكاة الطيران، والعروض التوضيحية التكنولوجية والمقابلات الفورية”. وفي هذه العملية، هناك الكثير من العروض التي يتم تقديمها للطلبة: المنح الدراسية، والتدريب الداخلي بأجر جيد، وبرنامج سخي لسداد قروض الطلاب. وثمة عشرات الجامعات أو نحو ذلك، على الأقل، التي “تشارك في ’يوم لوكهيد مارتن‘، في جزء من جهد وطني شامل لإنشاء خطوط للتوظيف في صناعة الدفاع من كليات STEM (العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات)”.
قبل نشوب الحرب بين إسرائيل وغزة، كانت بعض الحركات تُظهر بالفعل علامات اليقظة بشأن الحاجة إلى فصل المؤسسات التعليمية الأميركية عن المؤسسة الحربية التي تمولها بسخاء. “المنشقون”، على سبيل المثال، هي حركة وطنية من المنظِّمين الطلاب تركز على “استعادة مواردنا من صناعة الحرب، وإعادة الاستثمار في الخدمات الواهبة للحياة، وإصلاح العلاقات التعاونية مع الأرض والناس في جميع أنحاء العالم”.
تبدو الحركات التي تعتنق مثل هذه التطلعات متفائلة في نطاقها وغامضة في عملها، لكنّ من الصعب لومها على نواياها. وعلى سبيل المثال، اتخذ “المنشقون” طريق النشطاء، وكانوا جزءًا من جهد استمر أسبوعًا في تشرين الأول (أكتوبر) 2021 وضم طلابًا في 16 حرماً جامعياً يروجون لثلاثة أهداف مركزية: أن تتخلى الجامعات عن جميع المقتنيات، وتقطع كل العلاقات مع “أكبر خمسة مستفيدين من الحروب الأميركية: شركات “بوينغ”، و”لوكهيد مارتن”، و”نورثروب غرومان”، و”رايثيون”، و”جنرال ديناميكس”؛ وإبعاد الشرطة عن الحرم الجامعي؛ وإخراج جميع المجنِّدين من جميع الجامعات.
تظل المطالبة بسحب الاستثمارات من صناعات محددة مهمة يعقدُّها غموض ترتيبات التمويل والاستثمار في قطاع الجامعات. والمال، بعيدًا عن أن يتحدث، يعمل بلا صوت ويشق طريقه إلى الحسابات المرشحة من خلال القنوات المخصصة لتمويل البحوث.
يجب على الجامعات، كجزء من مهمتها الفكرية الإنسانية، أن تتخلص من علاقاتها بالمجمع الصناعي العسكري جملة وتفصيلًا. لكنها ستساعد على رؤية الدفاتر وعوائد الاستثمار، وكشف النقاب -كما حدث- عن المنح التي تتلقاها بعض أغنى الجامعات على سطح هذا الكوكب. اتبع المال، ولا بد أن تكون الصورة شديدة القبح.
*بينوي كامبمارك Binoy Kampmark: كان باحثا في شؤون الكومنولث في كلية سلوين، كيمبريدج. يحاضر حالياً في جامعة معهد ملبورن الملكي للتكنولوجيا (RMIT)، ملبورن، أستراليا.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: University Investments: Divesting from the Military-Industrial Complex
* * *
هامش:
هيويت كوادرانغل بلازا، أو “الساحة الرباعية” هي ساحة في وسط حرم جامعة ييل في نيو هافن، كونيتيكت. وهي مكان إدارة الجامعة والقاعة الرئيسية ومرافق تناول الطعام. تم إنشاء الساحة الرباعية مع بناء مباني الذكرى المئوية الثانية للجامعة وقاعة وودبريدج في العام 1901. وتتضمن الساحة نصباً تذكارياً نُقشت عليه العبارات الآتية:
“لذكرى رجال ييل الذين، في وفاء لتقاليدها، ضحوا بحياتهم حتى لا تختفي الحرية من الأرض. 1914 أنو دوميني 1918”.
المصدر: الغد الأردنية/(كاونتربنش)
ليس بالضرورة أن يعبر رأي المقال عن رؤية الموقع
هل ينجح الحراك الطلابي بأمريكا بالضغط على الجامعات لتتخلى وتقطع علاقاتها مع أكبر المستفيدين من الحروب الأميركية؟ وإبعاد الشرطة عن الحرم الجامعي؛ والحفاظ على مهمة الجامعات الفكرية الإنسانية، وتتخلى عن المجمعات الصناعية العسكرية؟. بالإضافة لمطالبها بوقف حرب الإبادة بفلسطين.غزة وقطع العلاقات مع المجمعات الصناعية العسكرية الإSرائيلية؟، هذا خوف الإمبريالية الصhيونية.