يوحي الموقف المفاجئ لبايدن والذي يشبه إصدار الأوامر لنتنياهو وكأن قيادات عليا أمريكية يهودية قد أعطت الضوء الأخضر للرئيس الأمريكي لتغيير موقفه السابق الذي لم يكن يتصف بالحزم تجاه نتنياهو , وربما كانت تلك القيادات هي التي طلبت تدخل الرئيس الأمريكي لإنهاء الحرب في غزة , ما أخطأ نتنياهو في حسابه هو أن تتخلى عنه قيادات يهودية عليا وأن تصل للقناعة أن سياسته ضد مصلحة اسرا ئ يل وضد مصلحة اليهود عموما , فلأول مرة يحدث مثل ذلك التغيير الواسع لدى الرأي العام الغربي ضد اسرائ يل , ومثل ذلك التغيير يمكن أن يتحول في مرحلة لاحقة لايقاظ النزعات المعادية لليهود ” اللاسامية ” في الغرب المعروف في تاريخه باضطهاد اليهود ليس في عهد النازية فحسب ولكن منذ أقدم من ذلك بكثير , حتى إن بعض الروايات التاريخية تذكر أن اليهود في الجزيرة الايبرية ( أسبانيا حاليا ) قد ساعدوا الفتح العربي الاسلامي للأندلس تخلصا من اضطهاد الحكام القوط في القرن الثامن الميلادي , وحين تلاشى الوجود العربي – الاسلامي في الأندلس سبق البدء بطرد اليهود طرد العرب المسلمين , أما اضطهاد اليهود في روسيا القيصرية فربما كان أحد العوامل التي دفعتهم للاندفاع مع البلاشفة للثورة ضد القيصر , ويمكن ايراد الكثير من الأمثلة لمشاعر ” اللاسامية ” التي انتشرت في أوربة هنا وهناك عبر التاريخ .
ربما أدرك عقلاء الجالية اليهودية في الولايات المتحدة والذين يتمتعون بنفوذ مالي واقتصادي واعلامي خطر تزايد المشاعر ضد ماتفعله اسرائيل في غزة واعتبار كثير من الشباب المثقف الأمريكي ذلك حرب إبادة وحشية غير مسبوقة , وخروج المظاهرات الكبيرة والمتكررة في أمريكا والغرب عموما وربما أدركوا خطر بقاء الوضع في غزة وخروج مأساتها عن السيطرة وهكذا تخلوا تماما عن نتنياهو ومنحوا الادارة الأمريكية الموافقة على فعل كل مايلزم لوقف الحرب أولا , وتنحية نتنياهو ثانيا .
وربما جاءت الضربة لليمين المتطرف الاسرائ يلي من السند الذي كان يعتمد عليه في حربه الوحشية ضد غزة .على أنه ينبغي أن لايغيب عنا أن المقاومة الباسلة في غزة هي من أفشل تلك الحرب وهي التي أوصلت اسرائيل لأزمتها الراهنة , وعلى الأغلب فلو استطاعت اسرائي ل حسم معركة غزة بسرعة لبقي الموقف الأمريكي كما كان , ولجرى تغطية الجرائم في غزة كما تمت تغطية جرائم كثيرة أخرى من قبل ودفنت تماما تحت الأرض .
المصدر: صفحة معقل زهور عدي