الكشف عن إحدى أكبر صفقات تهريب المخدرات في إيطاليا، في 1 من تموز الحالي، التي تقدر قيمتها بمليار دولار، أثبت أن المصدر هو الموانئ السورية، فهل انتقلت سوريا الأسد من تصدير شعارات محاربة الإرهاب إلى تصدير حبوب “الكبتاغون” المخدّرة؟
الموانئ السورية اليوم يسيطر عليها “شبيحة” الأسد والروس والإيرانيون، والجهات الثلاث لديها تاريخ واسع في أعمال التهريب والممارسات غير المشروعة، فـ”الشبيحة” منذ التسعينيات من القرن الماضي، وبقيادة شيخ الجبل (أحد أبناء عائلة الأسد)، زهدوا في شعارات “البعث” الرنانة، وأزالوا بشكل مبكر القشرة الأيديولوجية عن أهداف عائلة الأسد، وأعلنوا سوريا مساحة للتهريب، ودربًا آمنًا للمخدرات والسلاح إلى الدول المجاورة، وبدؤوا مسيرة التهريب بسيارات “مرسيدس شبح” تحمل لوحات القصر الجمهوري، ومن اسم تلك المرسيدس ابتكروا اسم “الشبيحة” الذين كانوا يتجولون في الساحل السوري وهم مدججون بالسلاح، ويحمون قوافل السيارات التي تنطلق باتجاه المدن السورية الداخلية وصولًا إلى الحدود العراقية والتركية في محافظة الحسكة، وكانت البضاعة المعلن عن تهريبها هي الدخان الأجنبي فقط.
الروس أيضًا عانوا منذ انهيار الاتحاد السوفيتي من المافيات التي لم توفر شيئًا ولم تتاجر به، من تجارة الدعارة التي صارت علامة مميزة لنشاطهم حتى تهريب المخدرات إلى أوروبا بكميات كبيرة من أسواق الهند والشرق الأقصى. وهذه المافيات اليوم هي من أكبر موردي المخدرات إلى أوروبا، ومن أساليب تلك المافيات أنها كانت تورّد الفتيات الروسيات إلى الإمارات عبر طرف آخر هو إيران، إذ كان إخراج الفتيات المخدوعات من روسيا يتم بفيزا إلى إيران لزيارة المقرات السياحية والدينية ومن ثم يتم تسفيرهن إلى دبي.
أما الإيرانيون فيجاورون أفغانستان، أكبر مصدر للمواد المخدرة في العالم، ويعتبرونها بئرًا نفطية هائلة تساعدهم على تعويض العقوبات الاقتصادية. بالإضافة إلى الصناعة اللبنانية- السورية الرائدة في إنتاج الحبوب المخدرة وتطوير صناعة حبوب “الكبتاغون”، التي استولى عليها “حزب الله” اللبناني بعد خروج قوات الأسد من لبنان، وقد توسع الحزب ليصل نفوذه في مجال المخدرات وتهريبها إلى دول أمريكا الجنوبية.
ما إن تم الإعلان من قبل الحكومة الإيطالية عن القبض على ثلاث سفن قادمة من سوريا وفيها حاويات تحتوي على حوالي 90 مليون حبة “كبتاغون”، وهي ترسو في ميناء مدينة ساليرنو، حتى أعلنت وسائل الإعلام أن هذه الصفقة من الحبوب المخدرة هي من تصنيع “داعش”، وكانت نفس وسائل الإعلام تلك أكدت أن “داعش” انتهت قبل أكثر من عام، وأنها لم تعد تملك أي مقر لها، فكيف من الممكن أن تستطيع تصنيع مثل هذه الكمية الكبيرة من المخدرات!
لقد تحولت حبوب “الكبتاغون” من حبوب طبية لمعالجة المرضى النفسيين، إلى حبوب مخدرة تهدد العالم، وتكتسح المدارس والشوارع والمدن، تستهدف الشباب وتدمر قوتهم، وكان تصنيع المخدرات في أوروبا قد تعرض لضربة قاسية بسبب تعطل الإنتاج جراء أزمة انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، ما جعل المافيا الإيطالية تعتمد على مصادر التصنيع في لبنان وسوريا وبمساعدة من المافيات الروسية الموجودة هناك لإمدادها بهذه الكميات الكبيرة، من أجل أن تسد النقص الذي تعرض له سوق المخدرات في أوروبا.
لم تكن هذه الصفقة الكبيرة هي الوحيدة الصادرة من الموانئ السورية، فقبل حوالي عشرة أسابيع كشفت السعودية محاولة تهريب مخدرات مصدرها سوريا وكانت معبأة بعلب المتة، وبعدها بأيام اكتشفت السلطات المصرية شحنة مخدرات معبأة بعلب حليب ينتجها رامي مخلوف في سوريا، وكانت اليونان وتركيا اكتشفتا قبل أكثر من عام شحنة مخدرات تزيد قيمتها على نصف مليار دولار، مصدرها الموانئ السورية.
هل إصرار الروس والإيرانيين على بقاء الأسد يهدف إلى تحويل سوريا من دولة تمارس الإرهاب على مواطنيها إلى دولة تمتهن حماية المخدرات وتصنيعها وتهريبها إلى الدول المجاورة وغير المجاورة، وبالتالي دولة تَخلف دولة “الإرهاب الداعشي” وتستمر بجعل سوريا بلدًا منبوذًا ومصدرًا للخطر على مواطنيه وعلى العالم الخارجي!
لقد هزم السوريون، بمساعدة دولية، “داعش” وأقصوها عن الساحة، ولكن العالم الذي تخلص من إرهاب “داعش” يتوانى اليوم عن إقصاء نظام الأسد الذي بدأ بتمويل نفسه بالمخدرات من أجل أن يستمر بمحاربة السوريين، لقد اكتشف العالم هذه الصفقات المعلن عنها، وهناك حتمًا صفقات كثيرة مرّت بلا اكتشاف، وإذا استمر العالم بالسكوت عن نظام الأسد والتراخي في تطبيق القانون الدولي عليه وخاصة القرار 2254، فسنشهد ظهور “كولومبيا جديدة” تملأ حوض المتوسط وأوروبا بالمخدرات وبأشباه بابلو اسكوبار وعصاباته، وتهدّد مستقبل الاستقرار والسلام في دول المنطقة عبر تحويلها إلى مركز آمن للمافيات العالمية.
المصدر: عنب بلدي