نعم أزعم أن العنوان صحيح وليس خطأ مطبعي، وهو يصف القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي بخصوص غزة.
إن مجلس الأمن الدولي الذي حاول منشؤوا النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية تصويره كأسد جسور يشكل قوة رادعة خارقة تحافظ على الأمن في كل أنحاء المعمورة لكن صورته الحقيقية أنه فأر صغير يقف مذعورا حيال أي صراع أو نزاع يلتهب في اي مكان في العالم يبدأ بالجري بسرعة في كل اتجاه في سبيل الوصول لمخرج آمن و يصطدم هنا و يتعثر هناك و يجري في اتجاه اخر حتى الوصول إلى ركن آمن يبعده عن الانظار تماما كالفأر المحاصر
إن هذا المجلس الموقر هو أكبر خدعة في تاريخ البشرية
إنه منذ ولادته القيصرية حتى اليوم لم يقدم أي شيء رغم الاف المليارات التي انفقت عليه و لم يحل دون نشوب أي صراع و لم يوقف أي حرب او جريمة مهما بلغت بشاعتها و ضحاياها..
و كل ما ولده جبل من القرارات المكدسة فوق بلاط الأمم المتحدة.. و كلها قرارات مائعة لا لون لها و لا طعم و لا قوام كالماء تتشكل حسب الوعاء المتاح من توازنات القوى على الأرض دون أي قوة قانونية تنبع من القرار بحد ذاته
فحق الفيتو الممنوح للقوى العظمى سيجعل أي قرار يدور في دوامة تجره للاسفل في جولات التفاوض و الجدل العقيم بين رؤى و مصالح الدول الخمس التي لا يمكن أن ينجو أي صراع على سطح البسيطة من مصالح اساسية لأحد المعترضين من الحرب في جزيرة كوريا مرورا بحرب فيتنام إلى أزمة الجزيرة الكوبية إلى فوكلاند.. إلى الحاضر الدائم في أروقته و هو الصراع العربي الص@يوني عبر تاريخه الطويل المستمر
و على هامش هذا التاريخ الأسود هناك جبل ضخم من مشاريع القرارات التي اجهضها فيتو أحد الأطراف لتأخذ طريقها إلى مزبلة التاريخ
أما القرارات التي استطاع العبور و نيل شرف حمل رقم من ارقام سجل المجلس فإنها جميعا قرارات غير قابلة للتطبيق من القرار ٢٤٢ الى ٣٣٨ إلى أخر السجل.. وصولا إلى قرار أول أمس بخصوص جريمة غزة الذي سنبحثه كمثال كاشف لطبيعة قرارات مجلس الشؤوم الدولي
فالقرار لم يدين اسرا@يل و جرائمها لتفادي فيتو حلفائها و بالمقابل لم يدين الطرف العربي كما كان يطالب حلفاء العدو لأن ذلك سيقابله فيتو من اطراف اخرى.. و القرار يحمل تناقضا واضحا يجعله غير قابل للتطبيق..
ففي جزءه الاول يطلب إيقاف فوري لإطلاق النار و يشترط في جزءه الثاني إطلاق جميع “الرهائن” دون قيد أو شرط..
فالمحصلة النهائية أن إسرا@يل لن توقف اطلاق النار بموجب هذا القرار
لأن الشرط الثاني لم يتحقق دون ان يستطيع أحد ادانتها..
و ح م ا س لا يمكنها اطلاق الأسرى بعد كل هذا الدمار و الظلم.. دون اتفاق يضمن وقف دائم لإطلاق النار و انهاء الحصار الظالم و إعادة اعمار القطا ع..
و بذلك ستكون المحصلة أن لا شيء سيحدث على الأرض خارج اطار اتفاق يعبر عن توازن القوى على الارض و توازن المصالح الدولية و الاقليمية بما تتيحه الظروف و تطورات الأوضاع عند كل هذه الأطراف المتناقضة..
و قد حصل جميع الأطراف على براءة ذمة شكلية أو ادبية تحت غطاء هذا القرار الممسوخ الذي يخفي تحت ستاره آلاف الجرائم و آلاف المأسي
و دمارا يفوق الوصف
إن قطاع غزة هي بقعة صغيرة جدا من العالم و ما يجري فيها هو فقط رأس جبل كبير كان مختفي تحت السطح جبل أكبر من غز ة و فل..سطين و الوطن العربي ايضا إنه بحجم العالم الحديث و نظامه العالمي الذي تم تركيبه بشكل غير عادل و غير منطقي و لو غطي بستار قانوني
لكنه بالتأكيد غير انساني و غير مقبول في عصر ما بعد بعد الحداثة
فهذا النظام الذي قبل الوقوف و المشاهدة بصمت او بعجز على مجازر على مدى مائتي يوم عبر كل وسائل التواصل لم يعد مقبولا او محتملا من الضمير و العقل البشري و من قبلها ايضا اختزن مشاهد و اخبار مجازر روندا و كوسوفو و سورية و مجاعات الصومال و السودان و افريقيا..
إن القضية اصبحت قضية نظام دولي عاجز وفاشل وظالم ولابد من تغيره بشكل يمنع فغليا وليس شكليا وقوع مثل هذه المجازر والمجاعات.. بل يمنع اسبابها قبل معالجة نتائجها..
فحبة وقاية خير من جبل علاج.
المصدر: غلوبال جستس