شرط حماس الرئيسي خلال المفاوضات على صفقة تبادل المخطوفين والسجناء الفلسطينيين هو إعلان إسرائيل عن وقف ثابت لإطلاق النار وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من القطاع. طلبت حماس ألا تكون دول المنطقة ذات العلاقة، مصر والسعودية وقطر والأردن والإمارات، هي الضامنة لتنفيذ هذا الشرط، بل طلبت أيضاً تعهداً أمريكياً علنياً بأن الولايات المتحدة ستضمن تنفيذه من قبل إسرائيل. موافقة حماس على تجزئة تنفيذ هذا الشرط إلى مرحلتين، يتم في الأولى تنفيذ وقف إطلاق النار لشهر ونصف، يبدأ الجيش الإسرائيلي خلالها في الانسحاب من شارع الرشيد وشارع صلاح الدين في غزة (ليس من كل القطاع مثلما طلبت حماس في البداية)، بشكل يمكن من انتقال السكان من جنوب القطاع إلى الشمال. والمرحلة الثانية، التي سيتم فيها تطبيق وقف ثابت لإطلاق النار، هي التي أحدثت الانعطافة التي مكنت من استئناف المفاوضات اليوم في قطر.
في غضون ذلك، من غير الواضح ما هي مكانة طلب إسرائيل الحصول على قائمة بأسماء المخطوفين الأحياء والأموات من حماس. قبل أسبوعين تقريباً، منع نتنياهو سفر الوفد الإسرائيلي إلى مصر إلى حين تسلم هذه القائمة. وقبل أسبوع، نشر أن رئيس الـ سي.آي.ايه وليام بيرنز، اقترح تطبيق وقف قصير لإطلاق النار مقابل تسلم القائمة، وهو الاقتراح الذي رفضته حماس، حيث أعلنت بأن على إسرائيل أن تدفع “ثمناً باهظاً” مقابل أي معلومة عن المخطوفين. ولكن هذا الشرط مثل الشروط الأخرى التي طرحتها حماس، كانت جزءاً من تكتيك معروف باسم “التفاوض على التفاوض”، التي استهدف أبعادها أو المرونة فيها السماح باستمرار المفاوضات، في الوقت الذي ما زالت فيه القضايا الرئيسية تهدد بانهيارها.
تتضمن هذه القضايا ثلاث رزم يرتبط بعضها ببعض، ولا يجب فصلها، كما ترى لحماس. الأولى قائمة السجناء الذين تطلب حماس إطلاق سراحهم من السجون الإسرائيلية. وحسب مصادر إسرائيلية، فإن أساس الخلاف ليس عدد السجناء بل “نوعيتهم”. فإضافة إلى السجناء الذين سيتم إطلاق سراحهم مقابل النساء والأطفال والشيوخ والمرضى حسب معيار متفق عليه مبدئياً، تطلب حماس أن تطلق إسرائيل سراح 50 سجيناً مقابل كل مجندة مخطوفة، بينهم 30 محكوم عليهم بالمؤبد. هذا طلب متوقع، لكن إذا كان قد تحقق ذلك في صفقات سابقة لتبادل الأسرى، فإطلاق سراح السجناء في هذه المرة هو جزء مما تطمح حماس إلى عرضه كصورة نصر استراتيجية.
المتحدثون بلسان حماس وقادتها خارج القطاع، يرسمون في الفترة الأخيرة رواية تفيد بأن إطلاق سراح السجناء هو في الحقيقة موضوع مهم وجوهري، لكنه ثانوي بالنسبة للطلب الأساسي، وهو وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من القطاع. ولكن حتى من خلال خطة التحرير، تطمح حماس إلى وضع أسس تمنحها القوة للتأثير على مستقبل البنية السياسية في م.ت.ف وفي السلطة الفلسطينية. مثلاً، ستطلب حماس إطلاق سراح مروان البرغوثي، وهو السجين المحكوم عليه بالمؤبد، الذي يحظى بتأييد واسع من الجمهور، والذي قد يرث محمود عباس. ليس هذا طلباً جديداً لحماس، فقد طرحته سابقاً في صفقات لتبادل الأسرى، ورفضته إسرائيل دون أن يؤدي الرفض إلى تفجير الصفقات. ولكن هذه المرة، حيث تناضل حماس على بقائها السياسي والعسكري، وعلى خلفية الجهود الأمريكية والعربية لتشكيل نظام فلسطيني “مجدد” يدير الضفة والقطاع، فثمة أهمية كبيرة بالنسبة لها في خروج البرغوثي إلى الحرية.
أمل حماس
نشأت بين قيادة حماس والبرغوثي علاقة وثيقة استمرت سنوات كثيرة، ووصلت إلى الذروة عندما صيغت “وثيقة السجناء” في أيار 2006 في سجن “هداريم”. وقد وقع على هذه الوثيقة السجناء الكبار الذين يمثلون الفصائل الفلسطينية الرئيسية، من بينها حماس، واعتبرت “وثيقة الاتفاق الوطني”، التي ستكون الأساس لانضمام حماس لـ م.ت.ف. بعد سيطرة حماس على القطاع في 2007 تم تجميد المحادثات. وعشرات اللقاءات والنقاشات واللجان التي تم عقدها لسنين والتي أثمرت حكومة الوحدة الوطنية في 2017، انهارت خلال سنة. مع ذلك، قال البرغوثي وعدد من القادة الفلسطينيين، بما في ذلك أعضاء في فتح، إن م.ت.ف لا يمكنها أن تكون الممثل الحصري للشعب الفلسطيني بدون مشاركة حماس والتنظيمات الأخرى.
البرغوثي ليس أمل حماس فحسب، بل هو أيضاً الزعيم الذي يعتبره معظم الجمهور الفلسطيني البديل المناسب، وربما الوحيد، من أجل ترؤس نظام فلسطيني يحظى بالشرعية الدولية التي قد تؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية. وإذا نجحت حماس في التوصل إلى إطلاق سراح البرغوثي، فسيكون هذا بالنسبة لها إنجازاً استراتيجياً تصعب المبالغة في أهميته. هذا هو سبب معارضة إسرائيل إطلاق سراحه. والسؤال هو: ما المسافة التي ستكون حماس مستعدة لقطعها مقابل هذا الإنجاز، وهل ستنجح أو ستسقط صفقة التبادل بسبب إطلاق سراح البرغوثي؟
الإجابة عن ذلك تكمن، ضمن أمور أخرى، في الصورة التي ستعرضها حماس في الجزء الثاني للرزمة. وهي إضافة إلى إطلاق سراح السجناء، تطلب تعهداً مرفقاً بضمانات لانسحاب إسرائيل بشكل كامل من قطاع غزة. حسب تقارير وسائل إعلام عربية، تطلب حماس البدء بعملية إعادة الإعمار الأولى في شمال القطاع في مرحلة الانسحاب الجزئي (الذي لم يتم الاتفاق على حجمه بعد)، أي في المرحلة الثانية التي سيتم فيها تنفيذ التبادل. هذه المرحلة ستشمل إدخال نحو 60 ألف مبنى غير ثابت (كرفانات وحاويات) وآلاف الخيام لسكان القطاع الذين سيعودون إلى الشمال. سيزداد حجم المساعدات الإنسانية بشكل كبير، وسيصل إلى 500 شاحنة في اليوم، وفتح جميع المعابر أمام البضائع، وإعادة ترميم المستشفيات، وتوفير المعدات الطبية والأدوية بالحجم المناسب، ووضع خطة لإعادة إعمار القطاع مدتها ثلاث سنوات، وكل ذلك برعاية قطر ومصر. ولكن مثلما لإسرائيل، فحماس حتى الآن لا ترد على سؤال من سيدير مشروع إعادة الإعمار وكيف، ليس في المرحلة النهائية فقط، بل في المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار.
ترى إسرائيل أن إدارة حماس للإعمار هي بمثابة “شرط لا يمكن الموافقة عليه أبداً”، بل وترفض أن يتولاه أي جسم فلسطيني آخر، سواء السلطة الحالية أو المجددة؛ فهذا غير وارد في الحسبان. حسب رأيها، فإن أي إدارة فلسطينية تعني تعزيز حماس أو على الأقل ضمان بقائها. ولكن إمكانية أن تكون إسرائيل هي المسؤولة مدنياً وأمنياً عن القطاع، أمر قد يخدم ويغذي الكفاح المسلح لحماس، حتى لو كانت ملامح هذه المواجهة مختلفة عما كان. في المقابل، سيطرة السلطة الفلسطينية أو أي جسم آخر، باستثناء حماس، يقطف ثمار حرب حماس، ستعرض “صورة النصر” التي تسعى إليها حماس للخطر.
للمفارقة، مواقف كل من حماس وإسرائيل من إدارة قطاع غزة تعيد بناء القاسم المشترك بينهما، القاسم المشترك الذي جمعهما خلال سنوات “التصور” الذي غذته شبكة العلاقات الدموية. هذه الاعتبارات هي التي ستوصل حماس إلى المرحلة الثالثة في صفقة التبادل على فرض أن المرحلتين الأولى والثانية ستعملان على تطهير حقل الألغام الموجود فيهما، وأن توافق إسرائيل على تسليم إدارة القطاع لجسم فلسطيني، وأن يوافق جسم فلسطيني على تحمل المسؤولية.
المصدر: هآرتس /القدس العربي