من أكثر الأخبار الصادمة، رحيل الكاتب العظيم حسنين كروم، وهو واحد من آخر جيل عمالقة وأساتذة كنا محظوظين بالاقتراب منهم وتلقى الكثير من القيم والأفكار، لم تنقطع صلتي بالأستاذ حسنين كروم طوال ثلاثة عقود، وكثيرا ما كان يفاجئني باتصال للسؤال.
الأستاذ حسنين كروم كنت سعيد الحظ أن تعرفت عليه في جلسات ولقاءات مع أساتذة كبار، رحلوا جميعا وكانوا يشتركون في مجموعة من القيم والأفكار الأساتذة، عبدالعظيم مناف ويوسف الشريف ومحمد عودة، وكلهم كانوا أصحاب بشاشة وابتسامة لا يتأخرون في تقديم النصيحة والمصدر والمعلومة، وكانوا يشتركون كل بطريقته في الحكي وكل منهم تاريخ يمشى على الأرض، وكان الأستاذ حسنين كروم واحدا من الكتاب الناصريين الذين واجهوا حملات الهجوم على التجربة الناصرية من السبعينيات، وكان كروم لا يكتفى بردود عاطفية او كلام إنشائي، لكنه كان يقدم دائما عملا بحثيا موثقا يبذل فيه جهدا كبيرا، ولهذا حظى باحترام مخالفيه وموافقيه.
له كتب مهمة منها الصامتون يكذبون ردا على «الصامتون يتكلمون» وكتاب في الرد على الكاتب الكبير توفيق الحكيم، وكتاب صلاح نصر الأسطورة والمأساة، ثم إن حسنين كروم كان خبيرا في العلاقات السياسية لتنظيم الإخوان وله كتاب «التحركات السياسية للإخوان المسلمين.. 1971 – 1987»، وهو واحد من أهم الكتب عن علاقة الجماعة وتحركاتها السياسية والنقابية في عهد الرئيسين أنور السادات وحسنى مبارك، وفيه يقدم شهادات ووثائق مهمة عن لقاءات قيادات التنظيم بالرئيس مبارك والوزراء ومحاولات تأسيس حزب، ومناورات الجماعة.
إنسانيا كان الراحل الأستاذ حسنين كروم، متسع العلاقات، ارتبط بصداقات ومعارف واسعة، مع شخصيات من تيارات وانتماءات سياسية مختلفة، وهي أحد علامات جيل كان يختلف من دون ان يقطع العلاقات بل انهم انخرطوا في حوارات ومواجهات، تمثل علامات في الحوار السياسي والثقافي.
حسنين كروم كاتب وصحفي موسوعي، وله عدة كتب مهمة تمثل علامات ودروس في التوثيق والبحث، ثم إنه كان مديرا لمكتب جريدة القدس من التسعينيات، وظل يقدم صفحة يومية يستعرض فيها الصحف والمقالات اليومية والأسبوعية، مثلت خدمة مهمة وتلخيصا يوميا للصحف المصرية لمن يعيشون في الخارج، وبالرغم من تغير الملكية فقد ظل باب الصحافة المصرية مهما ومستمرا بشكل منتظم.
إنسانيا كان حسنين كروم شخصية تمتلك الكثير من الود والجدعنة والمساندة وتعرفت عليه مع أساتذة تعلمنا منهم الكثير، محمد عودة وصلاح عيسى ويوسف الشريف وعبد العظيم مناف، وكانوا أكثر من أساتذة، ما أن تلتقي بهم أو أحدهم حتى تشعر أنك في بيتك، لا يتأخرون عن تقديم المعلومة وأكثر، ويعاملون من هم أصغر منهم بندية ومن دون تعال أو ادعاء، يقدمون دروسهم عمليا ومن دون خطابة أو ادعاء، ودائما حكاياتهم حاضرة وابتسامتهم ونكاتهم جاهزة وودهم ظل مفرود على العالم.
وأتذكر أنه بعد صدور كتابي «عولم خانة» قبل سنوات، تلقيت اتصالا من الأستاذ حسنين كروم يهنئني، وشعرت بتقصير أنني لم أرسل له نسخة، لكنه أكد لى أنه قرأه، فى حين تجاهل بعض ممن أرسلت لهم الكتاب، وأسرني وهو يتحدث عن كتابي ويشير إلى نقاط مهمة واستفسارات وكان درسا من أستاذ كبير، ينتمي لجيل كنا محظوظين أننا عاصرناه، وأشعر بخسارة كبيرة لورقة من شجرة الصحافة والمعرفة، والعزاء أنه ترك كتبا وأفكارا وإنسانية نتعلم منها دائما.
المصدر: اليوم السابع