أهداف الوجود الأميركي في قطاع غزة

طارق فهمي

الترتيبات الأمنية ترتبط بمشروع الممر الاقتصادي وهناك توافق عليها بين واشنطن وتل أبيب.

كل التطورات الجارية مرتبطة بمخطط إعادة بناء سياسات أمنية واستراتيجية انطلاقاً من قطاع غزة ومروراً بالأراضي الفلسطينية وانتهاء ببعض مسارح العمليات التي تهدد أمن إسرائيل.

تتجه الإدارة الأميركية لبناء مقاربة جديدة في قطاع غزة، وهو ما برز في جملة من التحركات الراهنة والتي ستمثل مدخلاً مهماً لفهم كيف تفكر الإدارة الأميركية في التعامل مع تطورات الأوضاع في قطاع غزة من الآن فصاعداً وفي ظل حسابات متعددة ومتداخلة يمكن أن ترسم ملامح التنسيق الأميركي- الإسرائيلي في القطاع.

كل التطورات الجارية مرتبطة بمخطط إعادة بناء سياسات أمنية، واستراتيجية انطلاقاً من قطاع غزة، ومروراً بالأراضي الفلسطينية، وانتهاء ببعض مسارح العمليات التي تهدد أمن إسرائيل، وتمس الحضور الاستراتيجي للولايات المتحدة سواء في الخليج، أو في العراق وسوريا، وبالقرب من المضائق الدولية.

تحركات محددة

وفقاً لما هو جاري فإن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تمضي في سياق من المصالح المشتركة مع إسرائيل كدولة، وليس مع شخص رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو ما يفسر تحول الإدارة الأميركية من طرف منخرط في التوصل لوقف إطلاق النار، حيث بدا المسؤولون الأميركيون يطلقون تصريحات سياسية متداخلة، والتركيز على البعد الإنساني في الأزمة مع تبني المقاربة الإسرائيلية في التعامل تدريجاً حيث لم تمارس ضغطاً حقيقياً على الحكومة الإسرائيلية للتهدئة، أو وقف إطلاق النار بعد تعثر المشروع الأميركي الحالي في مجلس الأمن.

تمت إعادة نقاطه الداعية لوقف إطلاق النار ولو بصورة موقتة، وهو ما لم يتم استكماله تخوفاً من الفيتو الروسي، ما يؤكد ليس على تضارب المواقف الأميركية في اتجاه إسرائيل، وإنما إلى تنسيق حذر غير معلن بعد أن فشلت إدارة بايدن في تغيير مكونات الائتلاف، أو إعادة تشكيله ولو بصورة جزئية ما يؤكد أن الإدارة الأميركية لم تقيم المشهد سياسياً بصورة صحيحة في إسرائيل بل مضت في الانفتاح حول الأهداف الفرعية، ومنها عدم إدانة إسرائيل دولياً ومحاصرة أي تحرك ضد الحكومة الإسرائيلية بعد أن وصلت إسرائيل إلى أعتاب محكمة العدل الدولية.

وانتظرت الإدارة الأميركية ما سيأتي من تطورات متعلقة بالبعد القانوني الذي سيتأخر، وتنظر له إسرائيل بنوع من التوجس، وتتجه إلى اتباع استراتيجية فرض الأمر الواقع، وذلك على رغم إعلان نتنياهو أن تل أبيب وواشنطن متفقتان حول الأهداف الرئيسة للعملية في قطاع غزة، لكن وجهات نظر السلطات الأميركية والإسرائيلية تختلف في التفاصيل. وفي نهاية المطاف، يجب على إسرائيل أن تتخذ قرارات.

حسابات منضبطة

تتعامل الإدارة الأميركية مع تطورات الأوضاع في غزة انطلاقاً من حسابات عليا وتقييمات استراتيجية بحتة، فمن طرح فكرة تنفيذ الممر البحري، وإعادة بناء رصيف بحري ضمن مخطط تدشين جزيرة اصطناعية، ومروراً بتشغيل الميناء، وبعد قليل مطار عرفات، وغيرها من الإجراءات والتدابير التي تبدو فيها الإدارة الأميركية تقر الحل التدريجي والمرحلي عبر قوة عسكرية حقيقية قد تزيد على 1000 جندي أميركي سيأتون من القيادة المركزية العاملة في الشرق الأوسط حيث مناطق التماس الاستراتيجي (المنفذ اللواء السابع يطلق عليه لواء نحل البحار، وهو متخصص في بناء قواعد عسكرية بحرية أو موانئ أميركية، وهي موجودة في سردينيا الإيطالية).

وفي خلفية ما يخطط أنهم سيقومون بدور إنساني في توزيع المساعدات، والإشراف على وصولها لسكان القطاع، وهو أمر يتناقض مع الواقع، وقد يطرح عدة تساؤلات حول الدور الجديد الذي تتحرك في إطاره الولايات المتحدة في دعم أمن إسرائيل، وتشغيل الموانئ الإسرائيلية التي تعطل بعضها بخاصة إيلات التجاري نتيجة للتهديدات الحوثية ما يؤكد أن الأمر مرتبط بأهداف خارج غزة مع الحديث المكرر عن وجود الغاز في حقلي “مارين 1″ و”مارين 2” ما يؤكد أن هناك أبعاداً أخرى في ما يجري خاصة.

تساؤلات شائكة

يطرح هذا الإجراء الأميركي- الإسرائيلي والتحرك الأوروبي وبخاصة القبرصي تساؤلات حول سعي الحكومة الإسرائيلية لشراء ميناء من قبرص للتحرك مما سيغلق الباب على دول مهمة تواصل دورها في حل الصراع ومنها مصر إضافة للأردن، حيث يعني إغلاق المعابر جنوباً عدم إعطاء الفرصة للفصائل الفلسطينية للعودة للعمل مجدداً، أو أنها تمثل أخطاراً حقيقية على أمن إسرائيل.

وكما أن فتح منفذ بحري أو جوي وغيرها من المشروعات الجاري التخطيط لها ستحسم كثيراً من الأمور المعلقة، والتي يمكن أن تطرح في المديين المتوسط والقصير الأجل مع التأكيد أن مسؤولين أميركيين كباراً أوضحوا أن أفراد الجيش الأميركي سيعملون في السفن على طول الشاطئ، حتى لو لم ترسُ مع التقدير بأن فكرة الميناء لم يطلبها أي من الأطراف وإن تجاوبت معها إسرائيل، وأن الإنزال الجوي أو الميناء، يمكن أن يكونا حلاً أخيراً بعد أن تفشل كل الوسائل والسبل.

هناك إذاً أبعاد أخرى من المنظور الأميركي للتدخل في غزة هذا المسعى يرتبط بالوجود الأميركي المقبل، لا سيما بعد المسح الجيولوجي الذي يرى أن المنطقة قائمة وعائمة على آبار من الغاز والنفط بشكل أساسي، وأيضاً بأن بحر غزة تحديداً لديه ما يفوق 2.5 تريليون متر مكعب من الغاز كما يرتبط بمشروع الممر الاقتصادي.

وفي هذا الإطار تسعى إسرائيل إلى شراء ميناء في قبرص (أعلنت وزارة النقل الإسرائيلية أخيراً أن وفداً برئاسة عوزي يتسحاقي، رئيس شركة الموانئ الإسرائيلية يبحث في إمكانية شراء أحد موانئ الجزيرة التي تعد ثالث أكبر جزر البحر المتوسط) مستهدفة تحقيق هدفين: استخدام الميناء لتفتيش السفن التي تحمل المساعدات الإنسانية قبل وصولها إلى الميناء الذي تعمل الولايات المتحدة على إنشائه على سواحل غزة والثاني لفك الحصار المفروض على موانئ إسرائيل، وإيجاد طرق بحرية لنقل البضائع إلى إسرائيل استجابة للتحديات الراهنة.

وما قد يحمله المستقبل من تحديات للأمن القومي الإسرائيلي في ما يتعلق بالخدمات اللوجستية، ويتزامن ذلك مع قيام الجيش الإسرائيلي ببناء طريق جديد يمر عبر شمال قطاع غزة من الشرق إلى الغرب، ويبدأ الطريق الجديد عند السياج الحدودي لغزة مع إسرائيل بالقرب من كيبوتس ناحال عوز، ويعبر قطاع غزة وينتهي بالقرب من الساحل في الغرب.

ويمتد الطريق الجديد عبر شمال غزة، وتقع خلفه المناطق الوسطى والجنوبية على رغم وجود شبكة من الطرق التي تربط بين الشرق والغرب، إلا أن الطريق الجديد للجيش الإسرائيلي هو الطريق الوحيد الذي يمتد من دون انقطاع في جميع أنحاء غزة كما يتقاطع مع طريقي صلاح الدين والرشيد، وهما الشريانان الرئيسيان اللذان يمران بالإقليم.

شراء الوقت

مع إقدام إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة على اتباع استراتيجية شراء الوقت في غزة، ومع عدم تحقيق أية تهدئة والاستمرار في التصعيد فإن الترتيبات الأمنية ستجري على قدم وساق في إطار ما تقوم به إسرائيل في قلب القطاع وشطره إلى مناطق وكانتونات وبلوكات وفق خطة تدريجية تستهدف في مجملها تقليص مساحة القطاع بصورة كبيرة، والانتقال إلى تنفيذ مخطط أمني واستراتيجي من جانب واحد، بخاصة أن أغلب ما يطرح إسرائيلياً يأتي في سياق الضغط على الفلسطينيين لبدء هجرة طوعية وجبرية من واقع ما تستهدفه إسرائيل في تحقيق مكاسبها الكبرى في حال توقف إطلاق النار، ولو جزئياً.

وفي إطار استراتيجية شراء الوقت سيكون الأمر متعلقاً بالعمل من خلال إجراءات انفرادية، وبالتنسيق مع الولايات المتحدة، والتي ستعدل بإدخال ما سيتم حيز التنفيذ، بخاصة أن الولايات المتحدة ستقر استراتيجية القوة، وتوظيفها في مواجهة ما يجري في غزة، وامتداداً إلى الضفة الغربية وفق شروط الإدارة الأميركية التي طرحها مدير الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز من إعادة تعويم دور السلطة، والعمل على إعادة ترتيب الحسابات الإسرائيلية بصورة جيدة بخاصة أن معركة الخلافة الفلسطينية لم تتم ولم تحسم بعد، والاعتماد على حكم العشائر في غزة، أو نقل السلطة الفلسطينية إلى قيادة متجددة وفق المنطق الأميركي- الإسرائيلي لبدء مرحلة جديدة في اليوم التالي.

تنسيق نوعي

ستعتمد الولايات المتحدة بالتنسيق مع إسرائيل على التحرك العاجل وعدم الانتظار لما يجري، ومن الواضح أن الحكومة الإسرائيلية باتت تستثمر في الموقف الأميركي والتعويل عليه، بخاصة أن تنفيذ ما يخطط له يتم عبر دعم أميركي لافت وسيكون مؤثراً في التعامل مع أية تطورات دراماتيكية في داخل قطاع غزة، وهو ما يؤكد أن ما يجري من ترتيبات في عمق القطاع وخارجه بل وفي الضفة الغربية لن يحتاج إلى مراجعة دولية، أو الذهاب إلى مجلس الأمن على سبيل المثال لتأييد وشرعنة ما يتم.

الأمر الذي يجب وضعه في الاعتبار من الآن فصاعداً بخاصة وأن الشريك الأميركي يتخوف من ارتدادات مفاجئة على الموقف الراهن أو انفتاح المشهد على سيناريوهات صفرية من نوعية استهداف المصالح الأميركية في الإقليم أو المساس بالحضور العسكري في مناطق المواجهات مما قد يؤدي لتبعات سلبية، بخاصة وأن الإدارة الأميركية تعمل في ظل حسابات متأرجحة وغير ثابتة أو مستقرة، ما يؤكد على أن التحرك الأميركي-الإسرائيلي سيدخل سريعاً في مرحلة متقدمة تخوفاً من عنصر الوقت وانغماس إدارة الرئيس جو بايدن في انتخاباتها الرئاسية، مما قد يعرقل ما يجري مع الجانب الإسرائيلي الذي يخطط للبقاء في قطاع غزة لأطول مدة، ما يعني أن تنطوي المخططات الراهنة على أخطار حقيقية تتعلق بتهجير قسري وممنهج لسكان قطاع غزة، ويندرج هذا الأمر في سياق خطة ممنهجة تبدأ باستخدام سلاح التجويع وتدمير البنية التحتية بالقطاع، وتحويله إلى مكان لا يصلح للحياة.

الخلاصات الأخيرة

من المتوقع أن تستمر الإدارة الأميركية في مخططها الراهن الداعم لإسرائيل في التعجيل بفرض الترتيبات الأمنية حول غزة، وهو ما سيفسر الإقدام على تنفيذ ما كان مطروحاً بإنشاء منفذ بحري، وابرار جوي، إضافة إلى فرض استراتيجية الأمر الواقع، وهو ما يفسر الإجراءات والتدابير الأمنية والاستراتيجية الجاري العمل عليها إسرائيلياً في عمق القطاع ما يؤكد أن الخيارات الأمنية ستستبق أية خيارات سياسية أو دعاوي بالتهدئة، أو الاتجاه إلى حل سياسي أو العمل مرحلياً وفق ما يستهدفه الوسطاء الإقليميين، وهو ما يؤكد أن الدعم الأميركي لإسرائيل سيتم توظيفه بصورة كبيرة وملحة وسيكون هو المطروح في المديين القصير والمتوسط الأجل.

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى