بعد 13 سنة على الثورة السورية|| هل انتصرت الشعوب؟ أم أعادت الأنظمة إنتاج نفسها؟

أحمد طه

بدأ الربيع العربي مع البوعزيزي ذلك الفتى التونسي الذي أضرم النار في نفسه في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 احتجاجاً على مصادرة عربته التي يبيع عليها الخضار بعد صفعه من قبل شرطية، ولم يكن يدري حينها أن تلك النار التي أضرمها في جسده النحيل المتعب سيمتد لهيبها إلى القاهرة وطرابلس ودمشق وصنعاء والجزائر والرباط وعمان وبغداد وبيروت والخرطوم.

ربما كانت الصفعة التي تلقاها البوعزيزي على وجهه تمثل وبشكل واضح الحد الذي وصلت له كرامة الانسان في تونس أو في البلدان التي امتدت اليها ألسنة نار البوعزيزي، هذا ما جعل الكثير يطلق على ثورات الربيع العربي ثورات الحرية والكرامة.

ولعل السؤال المطروح بعد 13 عام على انطلاق الثورة السورية، وأزيد من ذلك قليلا على انطلاق الربيع العربي هل انتصرت الثورات العربية؟ وهل استطاعت أن تنجز نسبة من أهدافها وتطلعاتها؟ هل تقدمت على صعيد ما كانت تدعو إليه: حرية وكرامة؟

تمحورت ثورات الربيع العربي منذ انطلاقتها الأولى حول مطالب الحرية والكرامة، فشعار ” ارحل” الذي حمله الثوار الأوائل لم يكن يستهدف شخص الرئيس وفقط الرئيس في ذلك الحين بل كان هذا الشعار يطالب برحيل منظومة كاملة متكاملة، صحيح أنها تبدأ وتنتهي بالرئيس كونه الحاكم بأمره وبيده فقط تجتمع كافة الخيوط الأمنية والاقتصادية والعسكرية فهو المعلم الأول والضابط الأول والطبيب الأول والمهندس الأول وعدد ما شئت بشرط ان تتبعها بـ ” الأول “.

لا يخفى على المتابع ما حل بالعواصم العربية التي شهدت ثورات الربيع العربي، ولكن لا بأس من استعراض سريع لها هدفه جلاء الصورة ومعرفة أين نحن لعلنا نعرف ما العمل؟

تونس: مُشعلة شرارة الربيع العربي و أول دولة يهرب رئيسها تاركاً السلطة، و رغم هروب الرئيس بعد 28 يوم من اندلاع الثورة التونسية إلا أن التغيير ما زال عالقا في عنق الزجاجة، صحيح أن المعارض الشهير منصف المرزوقي وصل الى سدة الحكم وكان أول رئيس عربي يصل الى الحكم بطريق ديمقراطي، لكن التغيير في تونس مازال عصياً و خاصة بعد وصول قيس سعيد الى السلطة الذي يعتبر وصوله انقلاباً بطيئاً على الثورة و منجزاتها.

مصر: التي بدأت ثورتها في 25 يناير بعد هروب بن علي ( تونس ) بحوالي 11 يوما، وكان المطلب الرئيسي للمتظاهرين في ميدان التحرير هو رحيل النظام، لكن رحل فقط الرئيس حسني مبارك في 11 شباط 2011 وبقي النظام، و أعاد انتاج نفسه بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب مرسي، وانتهت ثورة الشعب المصري العظيمة بسيطرة العسكر على السلطة ممثلاً في المشير عبد الفتاح السيسي الذي يثير في النفوس الكثير من الضحك أكثر ما يثير من الاحترام في انتصار واضح للثورة المضادة.

اليمن: حيث بدأت في 27 كانون الثاني / يناير 2011 في جامعة صنعاء، وتحولت بعد ذلك الى صراع عسكري بسبب استخدام النظام اليمني للحل العسكري في مواجهة سلمية الثورة، صحيح أن الرئيس اليمني قتل في نهاية 2017 ولكن حلفاءه الحوثيين المدعومين من إيران مازالوا يسيطرون حتى الآن على مقدرات اليمن، حتى أصبح اليمن السعيد لا يعرف للسعادة طريقاً.

ليبيا: بعد هروب بن على تونس و استقالة مبارك مصر اندلعت الثورة في ليبيا في 17 شباط / فبراير 2011، لكنها و بسبب استخدام القذافي وحدات الجيش و خاصة سلاح الطيران ضد المتظاهرين تحولت الثورة الى ثورة مسلحة أطاحت بالقذافي في تشرين الأول / أكتوبر من العام نفسه، وانقسمت ليبيا الى قسمين يقودهما حكومتين و برلمانين، شرقي بقيادة الجنرال حفتر و غربي بقيادة حكومة الوفاق و تحولت الثورة إلى صراع على السلطة مدعوم من قوى إقليمية و دولية .

سوريا: تأثر السوريون بإخوتهم ووصل لهيب نار البوعزيزي إلى دمشق فبدأ ناشطون بالتجمع أمام السفارة التونسية بعد هروب بن علي، ثم عند السفارة الليبية و المصرية و عند تمثال صلاح الدين الايوبي في دمشق، ولكن اندلاع الثورة الحقيقي كان في أواسط آذار 2011، وأسوة بأخواتها طالب المتظاهرون بمطالب التغيير و الحرية و الكرامة، صحيح أنها تحولت الى حرب مفتوحة بسبب سياسة النظام الخرقاء في التعامل مع المتظاهرين السلميين الذين استعمل بحقهم مختلف صنوف الأسلحة بما فيها الكيماوي، ولكنها لم تتمكن من إبعاد رأس النظام عن المشهد السياسي كما فعلت بقية الثورات، وبينما عادت الأنظمة من الشّباك بعد أن تم طردها من الباب في بقية دول الربيع العربي، لم يحظ الشعب السوري بهذه الفرصة بل على العكس بقي النظام بكافة رموزه قابعاً في دمشق، بل وانتج عدة نسخ له في بقية المناطق التي خرجت عن سيطرته ليحظى الشعب السوري بأربع مناطق مختلفة السيطرة و الحكم و مئات من أشباه الأسد، في كل مفاصل حياة السوريين السياسية و العسكرية و حتى المدنية.

أضف الى ذلك تجربة الثورة في السودان والصراع الدائر بين القوات المسلحة السودانية التي يقودها عبد الفتاح البرهان وبين قوات الدعم السريع تحتَ قيادة حميدتي بعد الاطاحة بحكم عمر البشير.

صحيح أن بقية الدول كالمغرب والجزائر والأردن كانت أكثر ذكاء في التعامل مع انتفاضات وثورات شعوبها، و لكن كانت المحصلة نفسها حيث بقيت الدول العربية سواء تلك التي وصلها قطار الربيع العربي أو تلك التي لم يصلها، تعيش في حالة من الاستبداد و انعدام الحرية والديمقراطية.

والمحصلة أن الثورات العربية لم تنتصر ولم تنجز أيا من أهدافها التي سعت إليها بل إن مصيرها كان متقارباً وإن اختلفت بعض التفاصيل هنا و هناك، وبعد 13 عاما على انطلاق الثورات التي طالبت بالحرية والكرامة مازالت الحرية مطلبا عزيز المنال حتى في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام سواء في سورية أو حتى في بقية دول الربيع وحتى كرامة المواطن أيضا ما زالت على المحك و تتعرض حقوقه لشتى أنواع الانتهاك.

صحيح أن الفشل في انجاز النصر أو التقدم في أهداف الثورة لا تتحمله فقط القوى الوطنية والمحلية فقط وانما كان للدول الإقليمية او الغربية دور كبير في عدم اكتمال الربيع حتى لا تنتقل العدوى الى بعضها أو لان للبعض الاخر مصالح مع الفساد و الاستبداد …، ولكنها أقصد تلك الدول ما كانت لتتدخل هذا التدخل لو أنها وجدت صداً من طرف القوى المحلية أو نواة مشروع وطني يعرف أصحابه كيف يديرون تحالفاتهم، وليس ارتهاناتهم.

أمام هذا الوضع المأساوي الذي لحق بالربيع العربي تقف الدول العربية – على الأقل دول الربيع العربي – أمام مفترق طرق فإما أن تبقى كيانات متناحرة تسيطر عليها قوى إقليمية و دولية كما هي حال سورية و اليمن و السودان و ليبيا أو يبادر مثقفوها و ناشطوها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر الإعداد لنواة مشروع وطني بالحد الأدنى من التوافقات، وأن يعمل الجميع بعدها على لخدمة هذا المشروع وفقط هذا المشروع، وترحيل الخلاف الأيديولوجي و العقائدي إلى ما بعد تبلور هذا المشروع الوطني و المضي فيه، عكس ذلك يعني بقاءنا مرتهنين لقوى خارجية تسير و تسيطر. فهل من مجيب؟؟؟

ملاحظة:
يتم نشر هذا الملف في ذكرى ثورة الحرية والكرامة، ثورة الشعب السوري بالتزامن في كل من موقع ملتقى العروبيين، وموقع المدار نت وموقع الحرية أولًا وموقع مصير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى