بدا الرئيس السوري بشار الأسد سعيداً للغاية بالحوار مع الصحافي الروسي، فلاديمير سولوفيوف. لا يختلف هذا الصحافي عن صحافيي التلفزيون السوري في الإشادة بالرئيس الروسي بوتين وممالأة الأسد والكثير من مجافاة الحقيقة؛ فأسئلته لا تتضمّن فكرة واحدة عن مشكلات سورية الحقيقية؛ فلا أسئلة عن التغيير السياسي في البلاد، رغم أن لروسيا دوراً مركزيّاً في اجتماعات اللجنة الدستورية وفي لقاءات أستانة، وهناك القرار في مجلس النواب الأميركي، أخيراً، بخصوص منع أيّة أشكال من التطبيع مع النظام، سلطة وحكومة ومنظّمات مدنية وسوى ذلك. لم يسأله عن الأوضاع الاقتصادية المزرية، والأحوال الاجتماعية المتدهورة بشدّة، والتي يلمسها السوريون من خلال محاولاتهم المستمرّة للخروج من البلاد مثلاً، أو تدهور قيمة العملة والأجور بصورة غير مسبوقة أبداً.
حاول الأسد الردّ بخصوص العقوبات وحصار بلاده، فاستنتج أن الولايات المتحدة ستجد نفسَها محاصرة هي، لا نظامه، ولا روسيا ولا إيران ولا كوريا الشمالية، ويرى أن الحصار سيساعد في إضعاف قيمة الدولار عالمياً، وستتراجع هيمنة أميركا على العالم. ربما يشير الأسد إلى منظّمة بريكس مثلاً بقيادة الصين، وقراراتها الاقتصادية، والتي تُحاول بدائيّاً، الاستقلال عن هيمنة الدولار والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. فكرته هذه، غير دقيقة؛ فكل الدول التي تعرّضت للعقوبات أو للحصار عانت الأمرّين، وأوضاعها في غاية السوء، وإذا كانت روسيا أو الصين، قادرة على تجنب بعض الآثار السلبية جداً بسبب العقوبات، فهذا غير ممكن من النظام السوري، أو إيران، أو كوريا الشمالية؛ إن أوضاع تلك الدول، الاقتصادية والاجتماعية متدهورة للغاية، وتضبط شعوبها بالأجهزة الأمنية والاعتقالات والقتل، وهو ما تمّ في سورية، خصوصاً بعد 2011؛ الأسد يؤكد أن الحصار سيكون مفيداً لبلاده على المديين المتوسط والبعيد!
جاءت أسئلة الصحافي الروسي كأنّها تستنجد بالأسد للمساعدة في إنجاح الرئيس الروسي في الانتخابات المقبلة؛ فكلّها تدور في دعم موقف بوتين في حربه على أوكرانيا، وإعادة التوازن الدولي، ومحاربة الإرهاب، وأن لروسيا دينها وقيمها وغير ذلك، والشرّ كلّ الشرّ يأتي من الغرب. أكّد الأسد هذه القضايا، وأسهب واسعاً في التنديد بالغرب وبليبراليته الجديدة، المخرّبة لبنيتنا الاجتماعية، وتحديداً للعائلة! فوَصفه بغير الأخلاقي، وبالغبي والساذج، وأن لا قيمة لكلام قادة الغرب، وهم أقلّ من أن يَصفوا أحداً بالديكتاتورية أو الديمقراطية، وردّه هذا، لأن الصحافي نقل إليه ما يقول الغرب عنه، باعتباره ديكتاتوراً. لم يترك كلمة سيئة إلّا وأطلقها ضد الغرب، بل توسّع، قائلاً، إن الديمقراطية في الغرب ليست حقيقية، بل هي مجرّد صناديق اقتراع، ومن يحكم هي الشركات الكبرى، وحكومات الرؤساء مجرّد موظفين عند الشركات.
يستخفّ الأسد بالديمقراطية، وبالنظام السياسي الغربي كلّه، في وقتٍ يسعى العالم إلى التحوّل نحو النظام الديمقراطي؛ بالتأكيد باستثناء روسيا والصين ومن يدور بفلكيهما، فلو انتقد الغرب لناحية تعميق الديمقراطية بمزيدٍ من العدالة والحرّيات، فلا بأس، ولكنه، كما يستخفّ بوتين بالغرب يفعل الأسد. ومن ثم لا يفكّر أبداً في الانتقال الديمقراطي في بلاده، وهذا يعني أن حليفيه، روسيا وإيران، لا يطرحان موضوع الانتقال هذا بأيٍّ من الصور في سورية، وبالتأكيد في بلادهم. الاستنتاج هنا أن وظيفة اللجنة الدستورية ولقاء أستانة تمرير الوقت، ريثما، يستطيع النظام التمدّد إلى بقية المحافظات السورية، وبالشراكة معهما، ولمصلحة هاتين الدولتين بالتأكيد، وهو ما يتجاهل الأسد التفكير فيه، أي إن سورية، وفي حال انسحبت تركيا أو أميركا وحلفائها، فإنّها ستظلُّ محتلة من حلفاء الرئيس الأسد.
استخفّ الأسد بالنظام الديمقراطي وبالشعوب الأوروبية، وقال إنها غير واعية ومسكينة وساذجة! يُضمر موقفه من الشعب السوري، وإن النظام هو الرئيس، والعكس صحيح، كما حال بوتين. ولهذا أسهب في التأكيد على المصالح الوطنية، وأنّه يجب الحفاظ عليها أولاً وعاشراً، والنظام هو المسؤول عن ذلك، وأن الخلاف مع الشعب يظلُّ بمثابة قضايا صغيرة، في حين أن القضايا الكبيرة هي المواقف من الخارج. يريد القول إن نظامه سيسيطر على سورية، مستقبلاً، لا محالة، وإن سياسات هذا النظام ليست مسؤولة عمّا آلت إليه أوضاع سورية، والغرب هو المسؤول! وهنا لا يتطرّق لأحوال المعارضة أو الموالاة الكارثية، بل لا يتحدّث بأيّة كلمة عن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) أو هيئة تحرير الشام، أو الفصائل، ولا عن انتفاضة السويداء أو مناطق خفض التصعيد التي عادت إليه، وتشهد في معظمها تذمّراً اجتماعياً، وانفلاتاً أمنياً مستمرّاً، ولا سيما درعا وبعض أرياف حمص.
الصحافي، المؤدلج، لمصالح تدعيم سلطة بوتين، وهو من المقرّبين إليه، يؤكّد أن الغرب يكذب في كل شيء، ويردّ عليه الأسد بأن الحقيقة مؤقتة في حين أن الكذب زائل، وأن نظامه يعتمد الحقيقة مع الشعب، وكذلك الشفافية، وهناك علاقة مباشرة بين الحكومة والشعب، وبذلك تقوى الحالة الوطنية. وهذا منطق غريب، فالنظام السوري تسلّطي، وشمولي، وأسري، ولا توجد أيّة علاقة بينه وبين الشعب، والعلاقة مع الموالين استعبادية؛ ومجلس الشعب ممسوخٌ والقضاء وبقية المؤسّسات، وكلّها بيد الأجهزة الأمنية، الخاضعة للرئيس.
إذاً، سَخِرَ بقوّة من الغرب، وأنّهم يكذبون بلا توقّف. هذا الموقف بسبب سياسات الغرب المناهضة للنظام منذ 2011، وأخيراً أكّدت الدول الأوروبية بإحاطةٍ سياسية، تخصّ سورية، أنّها مكان غير آمن، وتشدّدت ضد التطبيع معه، وهذا الموقف يدعم قانون رفض التطبيع، الأميركي، وبقية القرارات، من هيئة الأمم المتحدة أو أميركا، قيصر والكبتاغون، والتي، تؤكد قطعياً عدم إمكانية تعويم النظام من جديد، دولياً، وإقليمياً، وعربياً؛ إقليمياً. وقد بدا لافتاً تصريح وزير الخارجية الروسي، لافروف، أخيراً، أن التقارب بين النظام السوري وتركيا انتهى بسبب ما يجري في غزّة. وعربياً، لا تبدو تصريحات المسؤولين العرب في وارد التطبيع معه، ولا سيما مع القانون الأميركي الجديد.
هناك شيء غريب في سعادة الرئيس الأسد بسبب هذا الحوار، وليس من الصحيح، كما تقول بعض التحليلات، أن موقف نظامه الصامت من العدوان على غزّة وعدم التضامن مع مقاومتها سيُحقق له تعويماً من جديد، وأن الدولة الصهيونية تعمل على ذلك. هذا تفسير ضعيف، فالأسد حليف روسيا وإيران والصين، ورغم موقفه الخجول ضد العدوان، لا يستطيع بالتأكيد لا التموضع خارج إطار حلفائه، ولا سيما أن مواقف كل من أميركا وأوروبا واضحة لجهة رفض التعويم. ومن ثم، ربما تكون سعادته بسبب أن تحليلاته ومواقفه في الحوار جاءت لدعم موقف بوتين في الانتخابات المقبلة، وقد أعلن ذلك الصحافي أكثر من مرّة، وتأبيد سلطته المهدّدة بالزوال، في سورية، ومع أيّة تسوية جادّة للوضع السوري.
المصدر: العربي الجديد