بين الاعتفار والإيلاف سوف تفنى شعوب المنطقة

د. أحمد سامر العش

الاعتفار كان عادة ألفها الناس في الجاهلية، فقد كان أهل قريش معتادين على الفقر والجوع وقلة ذات اليد والحياة البدائية القاسية، فإذا ضاق الحال ببعضهم اصطحب أهله إلى مكان يدعى الخباء حتى يموتوا به صمتاً بعيداً عن أعين الناس، ولما وصل الفقر ببني مخزوم إلى أن هموا جميعاً بالارتحال إلى خباء ليموتوا جميعاً في صمت،  تدخل هاشم بن عبد مناف، ليُحِدثَ أمراً قلب فقر قريش إلى غنى، وشقاء سكانها إلى نعيم، فقد قسم قريش إلى عشائر، وألزم غني كل عشيرة باقتسام ماله مع فقيرها، ثم عَلّمَ قريش أصول التجارة، ونظم لهم رحلة الشتاء والصيف إلى اليمن وبلاد الشام توالياً، فأصبحت فواكه الشام وغلال اليمن تعبر مكة لتصبح مركز إعادة التوزيع لكافة أرجاء الجزيرة العرببة؛ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (القصص-57).

لكن بعدما انقلب فقر قريش غنى وخوفها طمأنية، ألف أهل الفقر في الماضي نعم الله عليهم في الحاضر، فكفروا أنعم الله وعزَوا الفضل لغير صاحبه وهو رب العزة جل في علاه، فعاتبهم الله على جحودهم بآية قريش: لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ (4). الكثير من أحوال شعوب المنطقة هذه الأيام ينطبق عليه تلك التناقضات ؛ بين أناس يكفرون نعم الله بعبادة المتعة والترفيه و يتفنون في صرف الأموال، وبين إخوة لهم يشاركونهم الدين واللسان والتاريخ، يركبون قوارب الموت ليهربوا من فقرهم وتعاسة أحوالهم. أصبحت بحار العالم ودولنا أجمع الخباء الحديث، الذي سيبتلع الجميع؛ لأنه لا يوجد في هذه الأيام سيداً حكيماً سديد الرأي، يفكر بمصلحة الجميع قبل مصلحته، ولايعدُّ علمه وإمكاناته- التي هي بالأساس هبة من الله- أداة احتكار لتعزيز سيطرته على حساب حياة وأحلام ومستقبل الآخرين.

خُتِمَّ الدين، وتمت أركانه، فلا كتاب بعد القرآن، ولا مُبلغَ بعد سيدنا محمد، وهذا يعني أن الجميع قد عرف الرسالة، وإن مثَّل دور الجاهل بمسرحية سمجة، متفرجوها هم أبطالها أنفسهم، عندها يصبح المجرم والضحية يسكنون جسداً واحداً، تلك هي الحقيقة التي نهرب منها جميعاً: ساعة بتقمص دور الضحية، وأخرى بتقمص دور الجلاد!

بانتظار سيدٍ كهاشم بن عبد مناف!! و قبيلة كقريش تلتمس الحلول، ولا تهرب من مواجهة الحقيقة.

تعليق واحد

  1. رؤية جميلة حول الاعتفار والإيلاف والمقاربة لما جرى بقريش قبل الإسلام عندما أوجد حل للإعتفار بأن أوجد لهم الحل بالإيلاف ، فهل هناك سيدٍ كهاشم بن عبد مناف!! و قبيلة كقريش تلتمس الحلول، ولا تهرب من مواجهة الحقيقة.؟.

زر الذهاب إلى الأعلى