تحاول الحركة تجاوز “ميثاق 1987” وتقديم نفسها طرفاً سياسياً حقيقياً في المعادلة الفلسطينية لا يمكن إنكاره
أصدرت حركة “حماس” وثيقة رسمية مكونة من 18 صفحة، ومقسمة إلى خمسة محاور: لماذا معركة طوفان الأقصى؟ الرد على ادعاءات جيش الاحتلال، نحو تحقيق دولي نزيه، تذكير للعالم من هي “حماس”، وما المطلوب؟
وأوضحت “حماس” في الوثيقة روايتها عن “طوفان الأقصى”، مبينة الأسباب التي أدت إلى الحركة، وأوضحت أن العملية كانت خطوة ضرورية، واستجابة طبيعية لمواجهة ما يحاك من مخططات إسرائيلية تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، والسيطرة على الأرض وتهويدها، وحسم السيادة على المسجد الأقصى والمقدسات، وإنهاء الحصار الجائر على قطاع غزة، إذ يشير مضمون الوثيقة بأكملها إلى أن “حماس” ستنتهج نمطاً جديداً يتماهى مع المتغيرات الداخلية، إذ تهدف هذه الوثيقة الجديدة إلى كسر عزلتها السياسية ومحاولة إعادة تعويم دورها.
ملاحظات مباشرة
تبدو مطالبات حركة “حماس” في نص الوثيقة محل تحفظ لاعتبارات متعلقة بوقف العدوان الإسرائيلي، وفك الحصار عن القطاع، وإدخال المساعدات وإعادة الإعمار، ومعاقبة إسرائيل قانونياً على احتلالها، ورفض أي مشروعات دولية وإسرائيلية تسعى إلى تحديد مستقبل قطاع غزة، وأن الشعب الفلسطيني هو من يقرر مستقبله، مع الإقرار بأنه لا تهجير لسيناء أو الأردن أو لعرب 1948.
وفي هذا السياق يجب الإشارة إلى تداخل باقي المطالبات والدعوات وتركيزها على العموميات من دون تحديد آخر، أو ضغط محكمة أو حلول عملية واقعية. وتعاني الحركة حالة انقسام حقيقي بين الداخل والخارج، بخاصة مع الاختفاء التكنيكي لقياداتها السياسية والميدانية في مقابل ظهور قادة الحرب في إسرائيل، وعدم إبداء أي ردود فعل محددة (مؤيدة أو رافضة) لما يطرح من قبل الوسطاء والاكتفاء بالصمت، أو الرد العام في ظل وجود الجانب الإسرائيلي بشروطه، إضافة إلى تخوف حركة “حماس” من المطالبات بإخراج قياداتها من القطاع، وإبعادهم رسمياً، وهو أمر ما زال مطروحاً، وترفضه قيادات “حماس”، وكذلك ترفض الإقرار بأي خيار بديل لإنهاء الحرب، إضافة إلى سعى الحركة إلى العودة للتوافقات الوسطية تكتيكياً، ومن ذلك القبول بدخول مفاوضات وفق معادلة أشمل مع إمكانية تشكيل حكومة وطنية وليست تكنوقراطية أو متخصصة.
وتختلف هذه الوثيقة الجديدة عن نص الميثاق العام الرسمي والوثيقة المعدلة من زوايا عدة، إذ لا تتحدث عن مراجعات سياسية أو أمنية، بل حملت جملاً وعبارات وكلمات رنانة لا معنى لها، ولم تستهدف تغيراً بنص التوجهات أو المواقف، بل بررت ما تقوم به “حماس” في سلوكها تجاه التعامل مع إسرائيل. كما ركزت على إجراء تحقيق دولي فيما جرى، وهو أمر غير مفهوم بالمرة، لإدراك الحركة بأنها “إرهابية” في المنظور الأميركي والأوروبي والإسرائيلي.
ولم تشر الوثيقة إلى إصلاح داخل الحركة أو أولويات أو ضوابط تعامل تقرب من دول في الإقليم أو أطراف دولية، والواضح أن الوثيقة كتبت من قبل لعدم إشارتها إلى أية أحداث جديدة بعد الـ180 يوماً من المواجهات، وفي ظل “جمل عامة”، وعبارات إنشائية وتركيز على خطاب جماهيري شعبوي ليس أكثر، كما لم تحدد “حماس” الجهة التي أصدرت الوثيقة، وهل هي “حماس” الداخل أم الخارج، كما لم تشر إلى “تاريخ محدد”، أو إقرار بمسؤولية محددة لإصدارها.
وقد حملت الوثيقة كلاماً إنشائياً وعبارات رنانة، ولم تؤكد أي ثوابت معينة يمكن للحركة إقرارها أو تأكيدها، باستثناء تأكيد ذكر المقاومة، ورفض أي خيارات تفرض على الشعب الفلسطيني. كما نصت الوثيقة أن حركة “حماس” مسؤولة عن الشعب الفلسطيني، وربط خطوات ما جرى بالشعب الفلسطيني وبقضيته، وبأنها من تمثل الشعب الفلسطيني لا السلطة أو حركة “فتح” المعترف بها دولياً.
وتتضمن الوثيقة سرداً تاريخياً كبيراً، بخاصة في البند الأول (لماذا معركة طوفان الأقصى؟) وبلغة تبريرية عامة بدءاً من إنشاء إسرائيل في عام 1948 حتى الوقت الراهن، إضافة إلى سرد تاريخي مستفيض عن مسار التطورات الفلسطينية والموقف الإسرائيلي والموقف الأميركي، وربط الهدف الرئيس من عملية “طوفان الأقصى” بما قامت به “حماس” نيابة عن الشعب الفلسطيني، ولهذا كان المخطط للقيام بالعملية في هذا التوقيت.
تباينات حقيقية
يتركز الخلاف بين “حماس” الداخل والخارج في الوقت الراهن، ومع صدور وثيقة جديدة في جملة حسابات ووجود تباين في مسار العملية العسكرية الراهنة، واستمرار المقارنة، بخاصة مع استهداف البنية العسكرية بالكامل، وهناك توقع أن 60 في المئة من قدرات “حماس” قد جرى استهدافها، وأنها ستحتاج إلى سنوات طويلة لإعادة بناء هذه القدرات إذا استمرت الحركة في المعادلة الفلسطينية الراهنة، أو جرى تهميش دورها في الوقت الراهن، مع وجود أكبر عدد من الأسرى الإسرائيليين العسكريين في أيدي الحركة، بما يفترض أن “حماس” الداخل سيكون لها اليد الطولي في إدارة التفاوض الأمني والسياسي عندما تحدث ضرورة لذلك.
ولعل هذا سيكون على رأس الأولويات المترتبة، بمعنى أن “حماس” الداخل ستضع شروطها الأمنية والسياسية في آن، ولن تقدم أية تنازلات حقيقية على عكس ما قد يجري في “حماس” الخارج، التي تتعرض لضغوط دولية وإقليمية، وتعمل في أكثر من اتجاه مما قد يضعف تأثيرها في مواجهة ما يجري من تطورات، إضافة إلى وجود جملة من التجاذبات بين “حماس” الداخل والخارج، وأنه بالفعل لا يوجد توافقات عامة قد تستثمرها إسرائيل ودول الإقليم المؤثرة، بخاصة في ظل وجود حركة “الجهاد” داخلياً وإيران إقليمياً بما سيؤكد تبعاته المهمة في هذا السياق.
نقاط مسكوت عنها
لم تتطرق الوثيقة إلى حدود الدولة الفلسطينية أو تحديد الأراضي أو الحدود، وهو ما يشير إلى أن حركة “حماس” قد ترى أن الدولة الفلسطينية يمكن أن تقوم في غزة فقط، أو على أي جزء من أراضي 1967، وهذا يعني تنازل الحركة عن 82 في المئة من أراضي فلسطين التاريخية، إذ لم تتبن الوثيقة أية مبادرات جديدة تؤدي إلى دولة فلسطينية مستقلة.
وإن كانت قد أكدت رفض حركة “حماس” جميع الاتفاقات والمبادرات ومشاريع التسوية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية، أو الانتقاص من حقوق الشعب الفلسطيني، وأن أي مشروعات أو مبادرة أو برنامج سياسي يجب ألا يمس هذه الحقوق، ولا يجوز أن يخالفها أو يتناقض معها، كما لم تشر إلى المساس بالمقاومة وسلاحها، وأن إدارة المقاومة من جهة التصعيد أو التهدئة أو تنوع الوسائل والأساليب تندرج ضمن عملية إدارة الصراع، وليس على حساب مبدأ المقاومة.
الخلاصات الأخيرة
تحاول “حماس” أن تتجاوز ميثاقها، الذي أقرته عام 1987، والذي لا يزال يثير جدلاً سياسياً متواصلاً، وهو ما يشير إلى أن الحركة تسعى إلى إعادة تقديم نفسها باعتبارها طرفاً سياسياً حقيقياً في المعادلة الفلسطينية لا يمكن تجاوزه من دون التزام مقررات اللجنة الرباعية التي وضعت شروطاً مباشرة لاعتراف الحركة بإسرائيل، والقبول بوجودها كدولة.
يشار إلى أن الشيخ أحمد ياسين المؤسس والزعيم الروحي للحركة سبق أن طرح قبل نحو 25 عاماً قبول حركة “حماس” بالموافقة على هدنة مدتها 10 سنوات، وبإقامة دولة فلسطينية على الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في حرب 67. وتأكيد رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني عزيز الدويك، بأن “حماس” قبلت بحق إسرائيل في الوجود، وقد تكون مستعدة لإلغاء ميثاقها الذي يدعو إلى القضاء على دولة إسرائيل.
ولا تستبعد التصورات الإسرائيلية إزاء “حماس” من أن يكون إصدار الوثيقة في هذا التوقيت بهدف الضغط على السلطة الفلسطينية، لكي تكون الحركة طرفاً غير مباشر في المعادلة السياسية الفلسطينية، والتخوف من انفراد الرئيس محمود عباس بإدارة المشهد السياسي بأكمله مع إعادة تجديد الولايات المتحدة شرعية الرئيس عباس، واستمرار التواصل معها، وأن السابع من أكتوبر ليس عملية اعتباطية كما يتهمها الرأي العام الدولي بأنها قامت بعملية غير محسوبة، ومن ثم تأتي لتشير إلى كونها جاءت في إطار رد طبيعي لانتفاضة الشعب الفلسطيني ضد إسرائيل وفق وجهة نظر “حماس”.
المصدر: اندبندنت عربية