ماكرون يكرّر وسم “حزب الله” بالإرهاب… لماذا؟

فارس خشان

في العشرين من شهر كانون الأوّل (ديسمبر) الماضي، وللمرّة الأولى منذ وصوله الى قصر الإليزيه في عام 2017، وصف الرئيس الفرنسي، في مقابلة تلفزيونية، “حزب الله” بـ”الجماعة الإرهابية”. وأوّل من أمس، في مؤتمر صحافي حاشد، عقده بعد أسبوع من تشكيل حكومة جديدة برئاسة غبريال آتال، لم يسمِ ماكرون، في حديثه عن واجب احتواء التدهور المحتمل على الجبهة اللبنانيّة – الإسرائيليّة، “حزب الله” بالاسم بل اكتفى بالإشارة إليه بصفته “القوة العسكرية الإرهابية”.

في الأسابيع التي تلت الكلام الأوّل لماكرون، حاول “حزب الله” من خلال وسائل إعلام مقرّبة منه أن يخفف من وطأة هذا الكلام، فأكثر من تسريب معلومات عن رسائل وصلته من مسؤولين فرنسيين تفيد بأنّ الرئيس الفرنسي “أخطأ” في التعبير وأنّ وسائل الإعلام العربيّة أعطت كلامه أبعادًا خاطئة، ولكن بعد اكتفاء ماكرون، أوّل من أمس، بتسمية “حزب الله” بـ”القوة العسكريّة الإرهابيّة”، لم يعد ثمّة قيمة لما سبق أن سرّبه الحزب عبر وسائل إعلاميّة مقربة منه، ففرنسا التي طالما غازلت الحزب، في السنوات القليلة الماضية، تغيّرت.

التغيّر الفرنسي مرتبط مباشرة بإقحام “حزب الله” للبنان في حرب “طوفان الأقصى” بحيث أثبت أنّه جزء لا يتجزّأ من محور تحركه الجمهورية الإسلامية في إيران لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، ولكن هذا لا يعني أنّ هذا التبدل منفصل عن خيبات أمل القيادة الفرنسية من هذا الحزب الذي اكتشفت أنّه مستعد لتدمير بنية الدولة اللبنانيّة إن لم تكن وفق ما يشتهيه، فهو يرعى فراغًا رئاسيًّا مدمّرًا، حتى تستسلم كل القوى السياسية الأخرى في البلاد لإرادته.

ومهما كانت عليه الحال، فإنّ  اهتمام الرئاسة الفرنسيّة في هذه المرحلة لا ينصب على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في لبنان، بل على الجبهة المفتوحة بين “حزب الله” والجيش الإسرائيلي ومحاولة احتواء احتمالات التدهور الشامل بالتعاون الكامل مع الولايات المتحدة الأميركية.

ومن الواضح أنّ هذه المهمة ليست بسيطة، فهي باتت تتطلب تنفيذًا صارمًا للقرار 1701، الأمر الذي يفرض على ثلاثة أطراف الالتزام به: إسرائيل، لجهة إنهاء الخروق المحسوبة عليها للخط الأزرق والطيران في الفضاء اللبناني. لبنان، لجهة إلزام “حزب الله” بالإبتعاد عن الحدود وفق منطوق القرار 1701 الذي يحظر وجوده جنوب نهر الليطاني، واليونيفيل التي عليها أن تسهر على منع أيّ خرق من أيّ جهة للقرار 1701، في مناطق انتشارها.

ووفق الرئيس الفرنسي الذي تشترك بلاده في اليونيفيل، فإنّ البحث جار مع لبنان وإسرائيل لجهة تطبيق صارم للقرار 1701 ومع الولايات المتحدة الأميركية لجهة توفير القدرات اللازمة لليونيفيل من أجل فرض احترام هذا القرار.

وهذا يعني أنّ هناك، في ضوء التواصل الدبلوماسي الحاصل مع لبنان وإسرائيل والمجتمع الدولي، حاجة لإدخال تعديلات لتعزيز وضعية اليونيفيل، بالنصوص التي تعطيها الصلاحيات، بحيث تنتقل اليونيفيل من قوة مراقبة إلى قوة تدخل، ومن قوة مساعدة للجيش اللبناني إلى قوة رائدة في منطقة عملها.

إنّ تجربة  اليونيفيل الماضية التي يستحيل أن ترضي إسرائيل وتمكّنها من إعادة سكان شمالها إلى منازلهم، تبدو حاليًا محور بحث في الكواليس، إذ ليس المطلوب إعادة النظر بالقرار 1701 بل بآلية تطبيقه، بحيث لا يعود “حزب الله” قادرًا على تهديد شمال إسرائيل من جنوب لبنان، كلّما اقتضت مصلحته ذلك.

والنقاش مع إسرائيل، في تطبيق القرار 1701، بات يصطدم دائمًا بإثارة المسؤولين فيها موضوع عجز اليونيفيل عن احترام التزاماتها، فهذه القوة الدولية بدل أن تعمل على حماية الحدود من “حزب الله” كان هاجسها الدائم أن تحمي وحداتها من غضب “حزب الله”.

وتعزيز مهام اليونيفيل ليس مسألة بسيطة، إذ إنّ “حزب الله” ثار غضبًا ضد القرار التعديلي الأخير الصادر عن مجلس الأمن، وعزز فيه مهام القوة الأممية، وأوصل رسائل ميدانية تراوحت بين الاعتداء البسيط من جهة، والقتل من جهة أخرى، إلى أكثر من دولة عاملة في جنوب لبنان.

وسلوك “حزب الله” هذا يدفع بالرئيس الفرنسي أكثر إلى الاقتناع بأنّ “حزب الله” وفق معايير القانون الدولي كما تفهمه باريس، هو “تنظيم إرهابي”، حتى لو كان لديه أدوار يلعبها ضمن الطبقة السياسية اللبنانيّة.

في زيارته الأخيرة لقاعدة دير كيفا في الجنوب، قال وزير الجيوش الفرنسية سيباستيان لوكورنو الذي احتفط بحقيبته في الحكومة الجديدة،  لعسكريي وحدة بلاده في اليونيفيل إن “مهمتكم يمكن أن تصبح خطرة جدًا. سيكون دربنا مزروعًا بالشوك في الأسابيع والأيّام المقبلة”.

وعندما كان ماكرون يتحدث في المؤتمر الصحافي، أوّل من أمس، عن  ملف الحدود اللبنانيّة – الإسرائيلية والقدرات الجديدة التي تحتاج إليها اليونيفيل لفرض احترام صارم للقرار 1701 كان لوكورنو الحاضر مع رئيس الحكومة وسائر الوزراء، يهز برأسه موافقًا، حتى بدا لكثيرين أنّه الأقدر على فهم ما يقصده رئيسه في كلامه.

ولما سأله صحافي مشارك في المؤتمر الصحافي، في وقت لاحق، عن الأسباب التي دفعته إلى هز رأسه بالموافقة حين كان يقول ماكرون كلامه “المبهم نوعًا ما” أجابه لوكورنو: “راجع ما سبق أن قلته حين انتقلت بمناسبة أعياد نهاية السنة إلى جنوب لبنان”.

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. لماذا هذا التغير بموقف فرنسا/ماكرون تجاه ذراع ملالي طهران في لبنان “حزب الله” ؟ هل هو بسبب البروباغندا والمساومة التي يمارسها حزب الله اللبناني بعد طوفان الاقصى مستغلاص لها بالمساومة لتحقيق مكاسب وخاصة بتطبيق القرار 1701 واستحقاق الرئاسي اللبناني ؟ إنهم أهل التقية لذلك كان الموقف الفرنسي لوضع حد للمساومة.

زر الذهاب إلى الأعلى