ديمة ونّوس كاتبة سورية متميزة، وهذه الرواية هي الأولى التي أقرؤها لها. الخائفون رواية تتحدث عن الحدث السوري المعاش، الثورة السورية ومنعكسها الاجتماعي والنفسي على كل الصعد وعلى كل السوريين.
تعتمد الرواية صيغة المتكلم، وعلى سجية بطلة الرواية، تتدفق نفسيا لا يحدها مكان او زمان، محكوم سردها بما يحصل في سورية وثورتها وتداعيات ذلك على الناس.
بطلة الرواية سليمى تتحدث في الرواية عن نفسها، عن ترددها على عيادة الطبيب النفسي كميل في دمشق، لقاءها في العيادة بمريض آخر نسيم، بداية علاقة بينهما وتطورها. سليمى فنانة تشكيلية تتردد على الطبيب النفسي للتخفيف من ثقل حملها النفسي مما تعيش ذاتيا وما يعيشه السوريون بعد سنوات على ثورتهم التي حصلت عام ٢٠١١م وتداعياتها على حياتهم على كل المستويات، سليمى الفتاة الحموية التي عايشت بطفولتها مجزرة حماه التي قام بها النظام في ثمانينات القرن الماضي، وقتل عشرات الالاف من أهلها من قبل الجيش والامن، وهروب والدها الطبيب من هناك مع عائلته إلى دمشق حفاظا على أسرته، هو وزوجته وابنه فؤاد وابنته سليمى، يعيش متخفيا كل حياته تحت صورة الأسد ليحمي نفسه، وتعيش زوجته تأنيب ضمير بأنهم هربوا من حماة وتركوا اهلها للذبح، دون اي مساعدة او اسعاف. الاب مات قبل سنوات ، الثورة أعادت للعائلة ذكرى الماضي بكل آلامه، الأخ فؤاد شارك بالتظاهر وعوّض عن تأنيب ضمير الام، لكنه اعتقل ولم يعد ابدا، مصيره مجهول، يعتقد أنه صفي من النظام، كما هو حال آلاف المعتقلين السوريين، تزداد ظروف الحياة سوء ويزداد بطش النظام وقسوته ودمويته بحق الشعب السوري، تزداد نكبات الناس، كل ذلك راكم في نفسية سليمى حاجتها للطبيب النفسي ولتفريغ ما تعانيه بين يديه، الطبيب كميل لا يزيد دوره عن سرير المريض يستمع ويدون ويستوعب ويحلل، يترك سليمى بعد أن تكون فرغت قليلا من توترها، اعطاها بعض العلاج النفسي المهدئ، لكن ما فائدة ذلك في حال يزداد سوء يوما بعد يوم، العذاب اليومي، الناس المشردون، القصف، البراميل المتفجرة، الموت العلني، الجوع، المنافي، الهرب للحفاظ على الحياة، مخيمات اللجوء، بحار تبتلع السوريين الهاربين، سوريين في الداخل بالكاد يعيشون، يخافون من النظام ومن الموت ومن الجوع ومن اللقمة العصية عن الحصول، كل ذلك يدفع للجنون. تلتقي سليمى بنسيم في العيادة يتعارفا ومع الزمن يحبا بعضهما، نسيم طبيب من حمص، لكنه لم يمارس مهنته، انه كاتب روائي ينشر باسم مستعار خوفا من النظام، له روايتين وبدأ بالثالثة، علاقته بسليمى مشحونة ومتوترة دائما، يعطيها فصول روايته التي تقرأها سليمى تباعا، بحيث نطلع نحن كقراء على نصين روائيين متتابعين، ما كتبه نسيم وما كتبته سليمى، بطلة رواية سليم فتاة علوية والدها كاتب معارض وهي أيضا معارضة، مرفوضة من أغلب العلويين تعتبر خائنة لطائفتها وللنظام، تطرح معاناتها بين العلويين الذين تماهوا مع النظام الذي ورّطهم بالحرب على بقية الشعب السوري، فكان منهم القتلى والمصابين والمعاقين، وكيف كانوا يطالبونها أن تقف في صف النظام، تحدثت عن المكتسبات التي أعطاها النظام لضباطه وعصبته حيث يتفانوا في الدفاع عنه، كيف أصبح النظام وحشيا ويستدعي كل قوى الشر في العالم ليقتلوا الشعب السوري، الذي تشرد الملايين منه وقتل مئات الالاف ومثلهم مصابين ومثلهم معتقلين. هذا مسار رواية نسيم وهذه حياة سليمى، نسيم وسليمى علاقتهم مشحونة دوما بحالة توتر نفسي أقرب للجنون، فلا هم اسوياء ولا هم بمجانين. نسيم لم يعد يحتمل، فبعد أن قتلت والدته وإخوته بأنقاض بيتهم الذي دمره القصف في حمص، والده الذي أصيب بظهره اصبح مشلولا، يقرر ان يخرج بوالده إلى أوروبا، يأخذه الى تركيا ومنها إلى أوروبا عبر البحر ومخاطرة الغرق، يصل الى هناك، تتواصل سليمى معه، هو مأزوم دوما، تجاوبه معها قليل، يعيش نكبته الذاتية، اصبح انسانا معطوبا ذاتيا ونفسيا. سليمى تحاول ان تبحث في ثنايا رواية كميل التي اعطاها اياها غير مكتملة، وفي بيته الذي تركه لها في دمشق، تبحث عن نسيم الآخر الذي كان لديه كثير من النساء، وكتب نعوتهم لموت حتمي قادم، بما فيه موت سليمى نفسها، واحتمال وجود حبيبة اخرى باسم سلمى يحبها نسيم هاجرت الى لبنان منذ سنوات، محاولة سليمى ان تصل اليها. غياب نسيم وتأثير ذلك على توازن سليمى، الدكتور كميل وعيادته الشبه فارغة، وتحوله ليكون واحدا من مرض الواقع السوري بكل مآسيه. ادمان سليمى على تناول الحبوب النفسية المهدئة، احلام وكوابيس سليمى الدائمة التي هي اسوأ من واقعها اليومي على سوئه.
تنتهي الرواية عندما تعود سليمى من بيروت دون أن تلتقي بـ سلمى بطلة رواية كميل، لأنها اكتشفت انها هي سليمى نفسها…؟ تعود للبيت لتجد امها نائمة، تحلم انها تقتلها، وتحلم بكوابيس وتختلط الاحلام بالواقع لتعيش حياة أقرب للمأساة.
في تحليل الرواية أقول:
اننا امام رواية متميزة جدا من حيث الغوص في أعماق الناس المأزومين نفسيا في ظرف سيء غير إنساني أقرب للجحيم، هم السوريون الذين ثاروا مطالبين بحقهم الانساني بالكرامة والحرية والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل، رفضوا الذل والاستغلال والظلم، لكنهم دفعوا الثمن الاغلى من دمائهم وارواحهم، وتشردهم وخسارة بلادهم، وتكالب العالم كله عليهم، السوري أصبح مسكونا بالخوف، مأزوم نفسيا، المسافة عنده بين الجنون والحياة النفسية السوية شعرة، في اي وقت يقطعها. للرواية خاصية الدخول عميقا في نفسيات ابطالها وافعالهم، خصوصية ظهرت بمهارة وحرفية عالية، في الرواية إظهار لوجهي الحالة السورية، لنقل أنصار الشعب وثورته وأنصار النظام، وكيف أصبح واقع حال الشعب الذي فتته النظام وأعوانه.
الرواية بمعنى ما تدفع لليأس وان السوريين يذهبون لمجهول الضياع والصراع والتبدد، الا إذا اخذو مسارا آخر وانتصروا لحقوقهم ووجد من يساعدهم. الرواية تنطلق من موقع الانتماء للثورة السورية، لا تجامل؛ الخراب السوري كبير والمطلوب لبناء سورية الحرية والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل كثير.